محاكم تفتيش جديدة
اسكندر حبش
لماذا نكتب؟ ما ضرورة العمل الفني؟ بالطبع، لا أريد أن أعيد، هنا، طرح هذا السؤال، على طريقة السورياليين الذين وضعوه ذات يوم، عنواناً ومحوراً لأحد أعداد «أدب»، مجلتهم السوريالية، إذ كانوا غالباً ما يذهبون إلى هذا النوع من الأسئلة التي اعتبرها البعض غريبة. ربما ليست غريبة بهذا المعنى حين نجد أن السؤال، ومنذ بداية الكتابة (والفن بأسره بطبيعة الحال)، فرض نفسه كآلية ما، لوعي الإنسان لهذه العملية الإبداعية، عملية الخلق هذه.
ما من جواب واحد، على هذا السؤال يفرض نفسه. ثمة أجوبة متنوعة، لو حاولنا أن نبحث فيها، أو أن نتذكرها لوجدناها أجوبة تتراوح من أقصى درجات الطرافة وحتى أقصى درجات الجديّة.
بيد أن السؤال يعود ويُلّح علينا اليوم في عالمنا العربي. حقاً، لماذا نكتب وبخاصة في ظلّ وزارات الثقافة، وفي ظلّ رجال الأمن العام وفي ظلّ مكاتب الاستخبارات، وفي ظلّ بعض رجال الدين الذين نصّبوا أنفسهم على الأرض ناطقين باسم السماوات، حيث اضطلعوا بمهمة محاكم التفتيش الحديثة، بحثاً عن مخالفات أخلاقية.
سؤال يعود ليصبح أساسياً بفضل رعونة هؤلاء وقبحهم وسذاجتهم وهوسهم ونتانتهم.. و.. و… (كل الصفات ممكنة، أليس كذلك؟). سؤال لا بدّ له أن يجبرنا لأن نصبح «مناضلين» في وجه هؤلاء، للدفاع عن ديموقراطيتنا وعن حقنا البديهي في كتابة ما نريد وعن حقنا في رؤية العالم بالطريقة التي تناسبنا نحن. إذ لا يحق لأيّ كان، أن يفرض نفسه وصيّاً علينا، أن يجادلنا في وطنيتنا، في إيماننا، إذ بلغنا سن الرشد منذ فترة طويلة.
لماذا نكتب؟ وما ضرورة العمل الفني؟ أعود لأطرح السؤال ثانية. إذ إن أهم نقطة في هذا الموضوع، اليوم، أن لا نشك أبداً في ما نفعل، أي أن لا نطرح أبدا، على أنفسنا حتى هذا السؤال. لا نستطيع مواجهة كل هؤلاء المتربصين بأي فكرة أو كلمة، إلا عبر الكتابة، إلا عبر الاستمرار في الكتابة والذهاب بها إلى أقصى ما نستطيع وإلى أقصى ما نريد، إذ ليس من هدف أمام «محاكم تفتيش العصر الجديد» سوى منعنا، سوى إرهابنا، سوى إدخال الشك في نفوسنا.. و«المقاومة» الوحيدة أن نستمر في رحلتنا الجميلة هذه. لا ردّ أمامنا، إلا الاستمرار في بناء عوالمنا ومناخاتنا وفضاءاتنا التي نرتع في حريتها المطلقة.
لذلك، لا تصدقوا أبداً الأجوبة التي قد تجدونها فيما لو طرحتم سؤالاً مماثلاً.
الأهم من ذلك كله، أن تملأوا العالم بأعمالكم المتنوعة، بأوراقكم العديدة لكي تشكل محيطاً من حروف حتى يغرقوا فيها.
السفير