لكن هذا سخيف أيها الشيخ !
مازن كم الماز
كان علي أن أقرأ رؤيا الشيخ البوطي مرتين لأصدق ما ترى عيني , ليس فقط لأن ما قاله كان مرعبا , أي العقاب الذي توعد به البشر , إن رؤياه بالتأكيد جزء من رؤية كابوسية كافكاوية للواقع السوري , لكن ليس بسبب المشاكل التي نعانيها كبشر , بل بسبب جرأة بعضنا على المقدس , ما جعل كلام الشيخ البوطي يبدو مرعبا بالنسبة لي هو بالتحديد أنه يطلب منا أن نعود إلى سياسة مطاردة الساحرات لحل مشاكلنا , هذا شيء مرعب بالفعل .
لا يجد البوطي مصدر مشاكلنا هنا على الأرض , لا يفزعه مثلا خصخصة حياتنا و تسليع كل شيء فيها , و لا الأرقام القياسية لأسعار المواد الغذائية الضرورية في نهاية يوم طويل من صيام المؤمنين , ما يفزع البوطي و أثار مخيلته لتتوهم هذه الفظاعة القادمة هي أن آية قرآنية قد أصبحت عنوانا لمسلسل ما , و بالتالي يريد الشيخ أن نحل مشاكلنا مع السماء أولا و ربما آخرا , و لما كان الشيخ , و سماؤه , لا تكترث لمشاكلنا “الصغيرة” , وجد أن يهددنا برعب إضافي , زائد على المشاكل القائمة , غير محسوب , خارجي , وباء قاتل , فالسماء بالنسبة لفكر البوطي ( ليس فكره الشخصي بل مجمل الخطاب الذي يمثله ) سترد بقسوة هستيرية على محاولات الاستخفاف بها كديكتاتور شرس دموي و نصف أبله إن لم يكن نصف مجنون خاصة عندما يتعلق الأمر بقضية إهانته كسلطة عليا مطلقة و بالضرورة بشكل غير مفهوم لنا كبشر لأن كل ما يمكن أن نفهمه و نبرره لا يمكن أن ينسب حقيقة للسماء , لا تستطيع السماء أن تعلن الحرب علنا على البشر و تحصدهم كما فعل الأمريكان باليابانيين و من قبلهم بالهنود الحمر و سواهم مثلا , لكن لهذا بالتحديد ما زلنا لا نكره السماء بنفس الدرجة التي نكره بها هؤلاء القتلة العلنيون , بل لهذا بالتحديد كثيرا ما تبدو كنوع ما من منقذ أو مخلص من هؤلاء القتلة بالتحديد .
يريد منا الشيخ البوطي أن نتصرف كما كان يفعل الناس في القرون الوسطى عندما كان وباء الطاعون يفتك بالملايين , أن نبحث عن الساحرات و المشعوذين و أن نحرقهم لكن بشكل أقل فظاظة . ليس فقط أننا حتى أبسط إنسان بتنا نعرف أن أي طاعون أو وباء ليس إلا نتيجة لكائنات مجهرية هي الباكتريا أو الفيروسات , إنني أشعر كما لو كنت طالبا في الصف الخامس و أنا أردد هذه الحقائق البسيطة جدا بالنسبة لإنسان اليوم , و أن الإنسانية أصبحت بالفعل قادرة على مقاومة و علاج الكثير من هذه الأمراض و إن لم يكن جميعها , و أنه في حال حدوث مثل هذه الأمراض و هي تحدث بالفعل كل لحظة في كل مكان يوجد فيه بشر يجب علينا أن نكرس كل طاقاتنا العقلية و خبراتنا التجريبية لاكتشاف دواء لها لاستئصالها و معالجة المرضى بها , لكن لا يوجد ما هو أكثر سخفا اليوم من مطالبتنا بالعودة إلى سياسة اصطياد الساحرات و إحراقهن , بطريقة عصرية بعض الشيء , لدفع البلاء . إذا كان من الغباء إهانة أي شيء لمجرد الإهانة , سواء أكان آيات قرآنية أو غيرها فإن الأكثر غباءا أن نقبل لأي سبب من الأسباب بإهانة البشر أنفسهم الأكثر أهمية و الأغلى ثمنا كما يفترض من أي شيء آخر ناهيك عن مطاردتهم إرضاء لأي سماء أو طغم أرضية . حتى الكفر بأي شيء أيا يكن لا يمكن أن يكون مبررا للتنكيل بالبشر , هكذا فقط نتخلص من أبشع وباء أصاب البشرية , و هو وباء ملاحقة الفكر و محاولة إخضاع الإنسان لسلطة خارجة عنه أو فوقه . لا نحتاج اليوم إلى فولتير في مواجهة هذه الهستيريا الطهرية التي انتابت الشيخ البوطي , لأنه كان هناك بالفعل أكثر من فولتير حقيقي ليس فقط في الغرب بل هنا أيضا في هذا الشرق المستلب و المتخلف , و أولا لأن آخر ما نحتاج إليه هو شخص يصدر الأوامر من أعلى يعتقد أنه فولتير أو يريدنا أن نعتقد كذلك , لهذه الهستيريا الطهرية جذور اجتماعية عميقة , يجب مواجهتها بدلا من سياسة مطاردة الساحرات التي يقترحها علينا الشيخ أو بعض العلمانيين الذي اعتادوا على التفكير بمنطق فوقي و نخبوي أو حتى قمعي في كثير من الأحيان .
خاص – صفحات سورية –
تعليق واحد