السلام أم النووي ؟
أمين قمورية
ما سر التزامن بين اطلاق محطة بوشهر النووية الايرانية وتحديد واشنطن موعداً لمعاودة المفاوضات الفلسطينية – الاسرائيلية بهدف الوصول الى اتفاق في غضون سنة؟
العلاقة بين فلسطين والبرنامج النووي الايراني علاقة عضوية . وأحد الاسباب الاستراتيجية الكامنة وراء اطلاق التسوية في مؤتمر مدريد عام 1991 كان الخوف من تعاظم دور ايراني كفيل بأن يقود جبهة ممانعة في الشرق الاوسط يشكل تهديداً استراتيجياً لاسرائيل، وكان السعي لاقناع الدول العربية بالانضمام الى معسكر سلام لعزل ايران الثورية او اضعافها لقطع الطريق على تصدير ثورتها الى خارج حدودها. وفي المقابل كان فشل السلام وسيلة ايران لاستقطاب الرافضين للتسوية ومنحهم الغطاء المعنوي والسياسي والمادي، وكان حجتها لتكثيف تسلحها وتعزيز ادوارها الاقليمية.
بعد 19 عاما، السلام لم يأت وفلسطين ظلت اسيرة الاحتلال ومستباحة وفي المقابل، صبرت ايران حتى نالت شرف الانضمام رسميا الى النادي النووي السلمي الدولي الذي تحلم به منذ اربعين عاماً، اي منذ زمن الشاه وقبل قيام الجمهورية الاسلامية، وتكرست قوة اقليمية كبرى تحت شعار الدفاع عن فلسطين.
من المفارقات، ان البيت الابيض استحضر فلسطين بقوة في يوم تدشين العصر النووي الايراني، اذ دعا الافرقاء المعنيين الى العودة الى طاولة المفاوضات فورا وبت موضوع اقامة الدولة الفلسطينية بعد سنة من الان. فهل قبلت واشنطن بالامر الواقع الايراني وتحول مسعاها من تهديد ايران حتى لا تصير نووية الى محاولة لاحتوائها لاحقا كما فعلت من قبل مع الاتحاد السوفياتي السابق الذي كان غريمها النووي الاول؟ وهل الوعد بدولة فلسطينية تعويض لعرب اميركا خسارتهم المحتملة في العراق وفي ساحات عربية اخرى، ام ان هذا الوعد هو اظهار حسن نية اميركية بتقديم “هدية ثمينة” لهؤلاء في فلسطين من اجل اغرائهم بالانضمام الى “حفلة” الاحتواء اللاحقة لايران؟
واذا كان وراء غض الطرف الاميركي عن انجاز بوشهر، “صفقة كبرى” تعد لها واشنطن بمشاركة دول كبرى في طليعتها روسيا الراعية الرسمية للمحطة النووية السلمية، تقضي بان تتخلى طهران بموجبها عن تخصيب الاورانيوم لاغراض عسكرية في مقابل الحصول على الطاقة السلمية والاحتفاظ بادوار اقليمية فاعلة في اكثر من دولة مجاورة واكثر من موقع استراتيجي مثل الخليج وجنوب لبنان، فما هي الاثمان المقابلة التي يتعين على الاخرين دفعها او قبضها؟ ومن الذي سيدفع ومن الذي سيقبض؟
لاشك في ان اختيار فلسطين “هدية” لارضاء العرب عما قد يخسرونه في اماكن اخرى قد يعوضهم الكثير ، فالدولة الفلسطينية كانت ولاتزال “جائزة كبرى” تستحق الجهد والبذل لمن سيكون له شرف المساهمة في وضع لبناتها، ومن المؤكد ان قيامها سيريح الانظمة العربية ولا سيما منها المنغمسة في التسوية الاميركية حتى العظم … لكن ماذا عن اسرائيل التي يفترض ان “تتنازل” في الضفة وفي القدس ايضا حتى تنهض كهذه دولة؟
هل تقبل اسرائيل بأن تصير ايران دولة نووية على مرأى منها، وان تتحمل في الوقت عينه عبء وجود دولة فلسطينية الى جوارها وعلى ارض لاتزال تعتبرها جزءا من ارضها؟ وهل من لعنة قد تحل بإسرائيل اكبر من هذه اللعنة؟ ومن يضمن لدولة امثال نتنياهو وليبرمان ويشائي الا تغتنم ايران لحظات الوهن الاميركية الكثيرة هذه الايام لتمرر سلاحا نوويا يخل بالتفوق الاسرائيلي الساحق ويجعلها دولة عادية في المنطقة بعد ان تفقد امتلاكها الحصري للقوة النووية؟
من اجل قيام دولة فلسطينية واحلال السلام حددت مهلة سنة. ومن اجل ان تتحول ايران قوة نووية كاملة الاوصاف يحتاج الامر الى سنة ايضا. فمن سيصل الى خط النهاية اولاً: السلام الاميركي ام النووي الايراني؟ ومن سيغير تالياً الثوابت الراسخة في الشرق الاوسط؟
فلننتظر!
النهار