اسرائيلصفحات العالمقضية فلسطين

نموذجان ومسؤوليّة

حازم صاغيّة
وُصفت الصيغة التي استقرّ عليها التفاوض الفلسطينيّ – الإسرائيليّ المباشر في أيلول (سبتمبر) المقبل بالنزول عند رغبات رئيس الحكومة الاسرائيليّة بنيامين نتانياهو. وهذا ليس مبالغة في الوصف، على رغم أنّ المرحلة التي سبقت توحي بأنّ رغبة الرئيس الأميركيّ باراك أوباما لم تكن هكذا.
وقد أجمعت التحليلات على أنّ انتصار الرغبة الإسرائيليّة على مثيلتها الأميركيّة مردّه إلى عوامل أميركيّة محدّدة، في عدادها الانشغال بانتخابات الكونغرس لمنتصف الولاية في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، وأوضاع الحرب المعقّدة والمكلفة في أفغانستان، وظروف الانسحاب من العراق وما يرافقه سياسيّاً، ناهيك عن تطويق الأزمة الاقتصاديّة وسط معارضة جمهوريّة ضارية لإصلاحات أوباما.
لكنْ، لا بدّ من إضافة العناصر الأخرى التي ترتبط بالفاعلين الآخرين. فالاسرائيليّون، الذين تجمع قيادتهم السياسيّة الحاليّة بين الصلف والعقل الأمنيّ الخالص، نجحوا في الحفاظ على قلعتهم متماسكة ومستعدّة للاحتمالات جميعاً. وقد تمّ لهم هذا بعد وقف صواريخ «حماس» على جبهتهم الجنوبيّة، وبعدما تولّى القرار 1701 حراسة حدودهم الشماليّة، فاستقرّت جبهتهم مع لبنان استقراراً نموذجيّاً لم تعكّره إلاّ شجرة العديسة. وغنيّ عن القول إنّ الفلسطينيّين قدّموا، وما زالوا يقدّمون، لوحة من التهافت يتصدّرها الانقسام ما بين سلطتي رام الله وغزّة والذي يتّسع يوماً بيوم ليحتلّ مساحات جديدة في السياسة والاجتماع والثقافة وحتّى المشاعر.
إلاّ أنّ ما يفوق تلك العوامل المهمّة أهميّة يكمن في مكان آخر. فإذا صحّ التحليل الذي يقول إنّ الانسحاب من العراق سيكون تمهيداً لعمل ما ضدّ إيران، تبدّى أنّ الحاجة الأميركيّة إلى إسرائيل باتت تفوق الحاجة الإسرائيليّة إلى الولايات المتّحدة. ففضلاً عن أنّ خياراً كهذا يزكّي، من حيث المبدأ، نظريّة «الصقور» الإسرائيليّين على حساب نظريّة «الحمائم» الأميركيّين، يلوح كأنّ نموذج الـ67 عادت أسهمه إلى الارتفاع على حساب نموذج تحرير الكويت. والمقصود أنّ النموذج الأخير الذي رافقه بناء تحالف دوليّ عريض، شاركت فيه البلدان العربيّة الأوزن والأقوى، أفضى إلى كفّ اليد الاسرائيليّة وردع تلّ أبيب عن المشاركة في هذا الجهد الكبير.
في المقابل، جسّد نموذج الـ67 وإلحاق الهزيمة بثلاث دول عربيّة في ستّة أيّام، حاجة الولايات المتّحدة، المنخرطة يومذاك في الحرب الباردة، وفي امتدادها الناصريّ، إلى الدولة العبريّة، وهذا بعد عقد فحسب على وقوف واشنطن في مواجهة شهيرة مع تلّ أبيب إبّان «حرب السويس» أو «العدوان الثلاثيّ».
وقصارى القول إنّ قدرة أهل المنطقة وأنظمتها على التدخّل في التوازن الأميركيّ – الإسرائيليّ ليست بالبسيطة. وعملاً بموازين القوى الراهنة، في منطقتنا وفي العالم، إمّا أن تُعطى أميركا، كما حصل في حرب تحرير الكويت، أو أن تُعطى، موضوعيّاً وفي معزل عن الرغبات، إسرائيل. لكنْ من قال إنّ الوقوف في صفّ واحد مع واشنطن لإخراج صدّام حسين من الكويت «عطاء» لأميركا؟ أوليس في هذا استجابة لما تمليه المصالح العربيّة ذاتها، فضلاً عن مبادئ الحقّ والواجب والمسؤوليّة؟
الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى