المحامي مصطفى أوسو: الاستيلاء على العقارات السكنية للكرد المجردين من الجنسية وتسجيلها باسم الدولة انتهاك صارخ للقوانين الوطنية والدولية
خلال الأيام القليلة الماضية، قامت بعض أجهزة السلطة، بتبليع عدد من الكرد المجردين من الجنسية السورية بموجب الاحصاء الاستثنائي في محافظة الحسكة عام 1962بوجود دعاوى قضائية ضدهم، لتنظيم عمليات الاستيلاء على عقاراتهم السكنية واستملاكها لتسجيلها باسم: (أملاك الدولة)، بحجة أنه لا يحق للأجانب التملك في سوريا؟!!
وكانت المديرية العامة للمصالح العقارية بدمشق، قد أوعزت في عام 1996 للقضاة العقاريين في محافظة الحسكة بضرورة البت في محاضر التحديد والتحرير العائدة لعقارات المجردين من الجنسية السورية وإمهال أصحاب تلك العقارات مدة شهر لإبراز قيود نفوس تثبت جنسيتهم السورية؟!! تحت طائلة تطبيق أحكام المادة الرابعة من قانون صيانة أملاك الدولة رقم (84) لعام 1955 أي تسجيل تلك العقارات (باسم أملاك الدولة).
وبعد فترة قصيرة من العمل بهذا التعميم وتطبيقه وتسجيل بعض عقارات عدد من هؤلاء المجردين من الجنسية السورية باسم: (أملاك الدولة)، تم تجميده، ليعود الآن ويعمل به من جديد.
ومن المعلوم أن مشكلة الملكيات العقارية للكرد المجردين من الجنسية في سوريا، تعود لبداية ستينات القرن الماضي، عندما جرت عمليات التحديد والتحرير لمدن وبلدات… وقرى محافظة الحسكة، ونظمت محاضر تحديد وتحرير بالعقارات المملوكة للمواطنين بأسمائهم ومنهم المواطنون الذين جردوا من الجنسية السورية، وبسبب إعلان نتائج الاحصاء وفتح باب الاعتراض للمتضررين على قرارات لجان الاحصاء، وتقدم المواطنين الذين سجلوا في سجلات (أجانب محافظة الحسكة) باعتراضاتهم، أوقف بعض القضاة العقاريين إجراءات دعاوى البت في محاضر التحديد والتحرير العائدة لعقارات هؤلاء – المجردين من الجنسية – (معظمها دور سكن) ريثما تبت اللجنة المركزية للاحصاء باعتراضاتهم أو تجد مشكلة الاحصاء طريقها للحل.
وبالعودة إلى هذا الإجراء الجديد المجحف والمستند إلى تعميم المديرية العامة المصالح العقارية، فإنه وبعبارة بسيطة، لا يغدو عن كونه إجراء عنصري بكل ما تحمله هذه الكلمة من دلالات ومعان، تستهدف مجموعة عرقية لها مقوماتها وخصوصيتها القومية… بغية عرقلة تطورها الحضاري والاقتصادي… ومحو وجودها التاريخي المميز في المنطقة… ودفعها في طريق الهجرة والتشرد والحرمان والضياع… وهو يأتي في سياق ممارسة المزيد من الضغوطات على الكرد في سوريا وتشديد وتيرة الاضطهاد القومي بحقه وحرمانه من أبسط مقومات الحياة… وتطبيق المزيد من القوانين والإجراءات والتدابير الاستثنائية بحقه، مثل المرسوم التشريعي رقم (49) تاريخ 10/9/2008 الذي يقضي بمنع وضع أي من إشارات الدعاوى والرهن… على صحيفة العقار في المناطق الحدودية سواء أكان العقار ضمن المخطط التنظيمي للمدينة أو خارجه، إلا بعد الحصول على الترخيص القانوني من وزارة الداخلية، والقرار رقم (2707) تاريخ 18/3/2010 الصادر عن مديرية الزراعة والإصلاح الزراعي بالحسكة والذي يقضي بنزع يد المئات من المواطنين الكرد من أرض أبائهم وأجدادهم.
أن عملية تسجيل عقارات الكرد المجردين من الجنسية السورية باسم (أملاك الدولة) يضرب عرض الحائط بأسس العدالة وقيم الحق ومبادئه…، ويتناقض مع أبسط القواعد القانونية. إذ كيف يتم مطالبة هؤلاء المجردين من الجنسية السورية (أصحاب العقارات) بإبراز قيود نفوس تثبت جنسيتهم السورية، في الوقت الذي تعلم فيه السلطات/ الجهات المسؤولة، استحالة ذلك ما لم تقم بحل مسألة المجردين من الجنسية السورية، وإلغاء الاحصاء الاستثنائي لعام 1962 ونتائجه وآثاره السلبية.. وإعادة الجنسية السورية إلى المجردين منها… وكيف يبت القضاة العقاريين بمحاضر التحديد والتحرير العائدة لعقارات المجردين من الجنسية السورية، في الوقت الذي تؤكد فيه نصوص وقواعد القانون المدني، وجوب ايقاف مثل هذه الدعاوى لحين البت النهائي في اعتراضات هؤلاء الأشخاص (المجردين من الجنسية) على الاحصاء، لأنها تحجب ولاية القاضي للفصل في الدعاوى المتعلقة بهذه العقارات لحين البت النهائي بوضع الاحصاء والاعتراضات التي جرت عليه، وهو ما لم يحدث حتى الآن.
كما أن قواعد ونصوص القانون العقاري السوري تنص على أن: أعمال التحديد والتحرير وقرارات القاضي العقاري، لا تنشىء حق الملكية، وإنما تكشف وتعلن عن هذا الحق، خاصة وأن ضحايا الاحصاء الاستثنائي الجائر في محافظة الحسكة، كانوا مسجلين كمواطنين سوريين في سجلات الأحوال المدنية السورية وكانوا مالكين لعقاراتهم قانوناً، يتصرفون بها تصرف المالك في ملكه، وتجريدهم من حقهم الطبيعي والقانوني والانساني… في الجنسية، الذي جرى لدوافع وغايات سياسية عنصرية بحتة، لا يعني تجريدهم من حق الملكية، وهذا ما تؤكد التعاميم الصادرة من الجهات المسؤولة في الدولة بخصوص – المجردين من الجنسية في سوريا – بأن لهم وضع خاص وهم يعاملون في جميع معاملاتهم وأمورهم معاملة المواطنين السوريين.
أن هذا الإجراء القديم/ الجديد، الذي تقوم به الجهات المسؤولة في الدولة، من أجل الاستيلاء على عقارات ضحايا الاحصاء الاستثنائي الجائر في محافظة الحسكة واستملاكها وتسجيلها باسم (أملاك الدولة)، يشكل انتهاكاً فظاً وخطيراً لأبسط حق من حقوق الإنسان، ألا وهو حق الملكية، وهو يتعارض كما قلنا مع القوانين الداخلية السورية وبشكل خاص الدستور الذي يسمو فوق جميع القوانين الوطنية، وكذلك يتعارض مع القوانين والمواثيق والعهود الدولية… المختلفة المتعلقة بحقوق الإنسان.
أن الكرد في سوريا، هم جزء رئيسي وأساسي من مكونات المجتمع السوري… وساهموا في بناء الدولة السورية وتطورها وتقدمها وأزدهارها… وهذا ما أكده أكثر من مرة رئيس الجمهورية، وطالما أنهم كذلك (جزء أساسي وحيوي من المجتمع السوري)، فمن الطبيعي جداً، أن مثل هذه السياسات والإجراءات العنصرية والتميزية… التي تطبق بحقهم، تخلق لديهم شعوراً بالظلم والغبن والاغتراب… وبأنهم مواطنون من الدرجة الثانية والثالثة… وفي الوقت نفسه فإنها تلحق الضر الكبير بالبلاد ومستقبل وحدته الوطنية… ومن هنا نعتقد أنه من الضروري جداً واحتراماً لحق الإنسان السوري بغض النظر عن جنسه وعرقه وقوميته ودينه… في الحياة والعيش بحرية وكرامة… واحتراماً لحقه في العدالة والمساواة… أن تبادر السلطة الحاكمة في البلاد إلى إلغاء هذه الإجراءات والقرارات والتعاميم…. الاستثنائية، وأن تعالج المعاناة الإنسانية المتفاقمة لهؤلاء المواطنين (الضحايا) المجردين من الجنسية السورية، بإيجاد حل شامل وجذري لها، وإعادة جنسيتهم السورية إليهم وتصحيح أوضاعهم القانونية والاجتماعية والاقتصادية… وأن تبادر إلى رفع الظلم والاضطهاد القومي عن كاهل الكرد في سوريا، ومعالجة قضيتهم القومية على أساس الاعتراف الدستوري بوجودهم كثاني قومية في البلاد ومنحهم حقوقه القومية الديمقراطية في إطار وحدة البلاد، وأن تعمد إلى إطلاق الحريات الديمقراطية وإلغاء حالة الطوارئ والأحكام العرفية… تأسيساً لدولة الحق والقانون، الدولة التي يمارس فيها المواطن حقوقه وحرياته الأساسية المنصوص عنها في القوانين والدساتير الوطنية والدولية بدون أية عراقيل أو قيود، ويؤدي التزاماته وواجباته تجاه بلده ومجتمعه انطلاقا من إحساسه بانتماءه الوطني.
http://www.gemyakurda.net/modules.php?name=News&file=article&sid=35667