النقاب في سوريا إشكالية أم واقع اجتماعي
عصام خوري
المؤسسة الدستورية السورية التي تموج بين العلمانية والتدين، لم تستطع علانية الإقرار القطعي بعلمانية الدولة، وذلك ناجم عن نفاذ شخصيات سورية لها ارتباطاتها الدينية في المؤسسات الحيوية للحكومة.
ورغم هيمنة النظام السوري على السلطة بشكل قطعي بعد أحداث الإخوان بدايات الثمانينات، لكن هذه الهيمنة ما لبث وأن تحولت لنوع من الشراكة بين السلطة وبعض الأطراف المتدينة والتي تولي السلطة نوعا من الطاعة الطوباوية.
فالكنائس التبشيرية “المعمدانية، الناصرية…”، والجمعيات التقليدية الكنسية “مدارس الاحد الارثوذكسية”، والمدارس الصوفية “الخزنوية، القادرية، الرفاعية…”، والجمعيات الاسلامية التعليمية والتبشيرية “القبيسيات، معهد الفتح، مجمع ابي النور، الحسينيات” تناما دورها بشكل كبير في المجتمع مما أدى إلى تحول واضح في هوية الشارع السوري، وأكبر دلالة على هذا الامر هو تبدل نوعي في الزيّ العام للشباب والفتيات السوريين.
الأزياء ومفهوم الحشمة:
يصعب على الباحث تحديد مفهوم الحشمة في سوريا، لان هذا المفهوم متفاوت بشكل كبير بين مدينة وأخرى وبين عشيرة وأخرى، وحتى بين القوميات نفسها، وبين الاديان بطبيعة الحال. وهذا ما يقسم الدراسة إلى ثلاثة اقسام:
الحشمة في المدن الرئيسية: وتمثل المدن الرئيسية “حمص، دمشق، حلب، اللاذقية” المدن الاكثر استقطابا للسكان //أي قرابة 10مليون نسمة//، وتشهد هذه المدن حاليا صراعا كبيرا في تحديد الزي المناسب، فالوكالات الحديثة للازياء مع دخولها الجديد للاسواق السورية، فرضت زوقا عاما مفاده ضرورة التبرج وعودة ازياء التنانير القصيرة وموديلات “البنتكور، المنكور، المني جيب…”، وكانت الواجهات المبهرة لهذه الازياء تلاصق الواجهات التي ينتشر فيها النقاب وازياء المحجبات، مما ادى لمشاهدة عدة فتيات محجبات يلبسن الجنز الضيق ويكثرن من التبرج في الشوارع العامة، وفي المقابل استطاعت المؤسسات الدينية وخاصة الاسلامية منها فرض زيين خاصين بها، يمثلان حاليا ما يدعى بثقافة الزي الإسلامي التي تحدث عنها مطولا الكاتب غسان المفلح : ((أتى الحجاب السوري بفرمان تركي أثناء الاحتلال العثماني لسورية والمنطقة. واستمر في بعض المدن، ولم ينتقل للريف السوري حتى تسعينات القرن العشرين. وكان هنالك نقابان شفافان واحد أبيض للمرأة من أصول تركية، والأسود للمرأة من أصول عربية… كان لباس المرأة السورية الدمشقية المنقبة ملفتا للانتباه، فهي لا تغطي ساقيها حتى الركبتين إلا بجورب لحمي خفيف… الآن نقب الساقان أيضا،هذا النقاب الحالي هو نقاب خليجي- أفغاني)).
المؤسسات الدينية استطاعت أن تبني جمهورها بين الفئات المعدمة والفقيرة، وكان الواقع الاقتصادي المتردي في سوريا، عنصرا داعما لها، وابرز المريدين لهذه المدرسة هم من ابناء الريف القادمين للمدن وخاصة في مناطق الاحياء العشوائية، والمخيمات الفلسطينية.
ازياء الرجال ايضا تأثرت في المدن وبشكل كبير، فبامكانك مشاهدة أعداد كبيرة من الشباب الذين يتحولون في قراءتهم للدين، نحو لباسهم ايضا حيث يلبسون قمصانا طويلة ومزررة حتى أخر زر منها، وهذا الامر تراه واضحا بين المتشددين من السنة والشيعة، في حين تراه بصورة اضعف بين ابناء الطائفة المسيحية حيث يمتاز المتشددين من ابناء هذه الطائفة بالوداعة المبالغ فيها وابتعادهم عن لباس “الشورت، والالبسة التي تدل على الثراء”. ويغلب بشكل عام على الاحياء المسيحية وإن كان قاطنوا بعض مبانيها من طوائف أخرى مفهوم التحرر، وهذا ما استعدى تسمية شارع المتنبي في اللاذقية ذي الغالبية المسيحية باسم “شارع الاميركان” ضمن الاوساط الشعبية، كما بامكان المراقب للشارع الدمشق لمس الفارق الهائل بين احياء الطائفة المسيحية “باب توما، ساحة جورج خوري، الشعلان…” والاحياء الاخرى، الامر ذاته تلمسه في احياء العزيزية والسليمانية والميدان في مدينة حلب، التي تعرف بأحياء “المشوار الرئيسية” في حلب لمدى تحرر اللباس فيها.
الأقليات النصيرية والدرزية والاسماعيلية “فرع من فروع الشيعة” تنحو في بعد تام عن التشدد في اللباس، ولعل السمة الواضحة للمتشددين من الشباب النصيري كمثال تتمثل في وجوههم حيث يطيلوا لحاهم بشكل ملفت للنظر، ويلاحظ على المدن التي يغيب فيها التنافس بين الطوائف هيمنة فكرة التحرر وأكبر مثال على هذا الامر هو مدينة طرطوس.
الحشمة في الارياف: أن مفهوم الحشمة في الارياف كان دائما وابدا مرتبط بالعلاقات الاسرية أكثر من كونه مرتبط بالحالة العامة في البلاد، لكن ورغم ذلك لم تتوانى المؤسسات الدينية عن ايجاد جمهورها الديني في الريف السوري، وقد استطاعت بعض المؤسسات الدينية تغيير الهوية الدينية للكثير من الاسر، لكن الملاحظ العام على نساء الريف أنهن يلبسن النقاب التركي وحده في قراهم، وبعضهم يلبسن الحجاب الافغاني في زياراتهم للمدن، وهذا ان دل على امر فإنه يدلل أن المفهوم الاسري غالب على التحجر الديني، ويمكن تقسيم المنقبات في الريف لثلاثة فئات: إما سلفيات، وإما فرض عليهن الحجاب من ازواجهم وآبائهم، أو تقبلن الحجاب وفق محاكاة اجتماعية لمحيطهم وبيئتهم. الجديد في هذه الارياف هو كثرة الاهتمام برجال الدين سواء من قبل المواطنين أو من قبل السلطة، وهذا في جميع الطوائف، فالكثير من المعاملات الحكومية التي لا ينهيها بعض الموظفين دون رشاوى من المواطنين، نراها سالكة بسهولة في حال اقدم عليها رجل دين او اشرف على متابعتها اداريا. هذا الامر عزز من دور السلطة الدينية في القرى، خاصة مع ضعف المستوى التعليمي العام في الارياف، فبات الكثير من رجال الدين يشجعون على النقاب الخليجي-الأفغاني للفتيات، وشجع على هذا الامر هو كثرة العطايا المادية من قبل الخليجيين والإيرانيين القادمين لضواحي المدن والمصايف السورية، فالمال المجموع من أي من خطبة الجمعة في أي جامع من جوامع بلدة الزبداني كمثال صيفا يتجاوز في حجمه مبلغ 6آلاف دولار، وأحيانا يتجاوز هذا المبلغ بأرقام أكبر بكثير. فاصبح رجال الدين في هذه الجوامع يغالون في تشددهم بغية حصولهم الاكبر على العطايا المادية، طبعا هذا الامر لا يمنع تمجيد النظام والسلطة، مما يجعل رجال الدين محبوبين من قبل السلطة ورجال المال الذين يدعون للتشدد. وفي هذا الامر نرى خطرا كبيرا ينحو نحو تنامي السلفية الجهادية التي قد تجد موطنا لها، في هكذا بيئات بعيدة نسبيا عن العين الامنية للسلطة.
الحشمة في المناطق القبلية: جميع القبائل العربية لا تعترف سوى بزيها الخاص، وهذا الزي لم يتأثر عبر الزمن، لا بل يمكن أن ترى بعض القبائل التي تسمح أعرافها بتشارك الرجال والنساء الرقصات في الحفلات مثل عشائر عدوان، الشرابين، حرب… كما أن بعض الاسر المتعلمة من العشائر سمحت بتحرر عالي لنسائها وفتياتها متى زرن المدن، وهذا إن دل على أمر فإنه يدلل أن النقاب الافغاني- الخليجي حتى وإن تواجد عند القبائل فهو حقيقة أضعف بكثير من ان يسيطر على المجتمع القبلي.
حكاية منع النقاب في سوريا:
بادرت السلطة السورية إلى تحويل عدد من موظفي قطاع التعليم “قرابة 1200 منقبة” من قطاع التعليم إلى وزارة الادارة المحلية، ولاقى هذا القرار ترحيبا من الاوساط العلمانية في سوريا وشجبا كبيرا من الاطراف الاسلامية.
ولكن هذا القرار لم يمضي حتى جاء قرار مفاجئ ومتناقض مع الاخير، من قبل مجلس مدينة دمشق، مفاده إلغاء المشارب الكحولية من مطاعم مدينة دمشق، والسماح بها في أماكن أخرى ضواحي المدينة، وكان هذا القرار بمثابة رصاصة الرحمة لمقاهي دمشق القديمة السياحية والتي يرتادها الاجانب والعاملين في السفارات والدمشقيين المتحررين دينيا.
لم تنتهي اصداء هذا القرار حتى أتت تعليمات شفهية من وزير التعليم العالي تمنع المنقبات من دخول الجامعات وذلك بداعي أن ظاهرة المحجبات تتنافى مع القيم والتقاليد الأكاديمية التي يجب أن تسود داخل الحرم الجامعي.
هذه التعليمات ادت ايضا لجدل واسع في الاوساط الشعبية، فشريحة المنقبات هي شريحة واسعة وحرمانهم بشكل مفاجئ من دخول الجامعات سيكون له تبعات كثيرة لن تلمس في فترة الصيف، لكن ثمارها ونتائجها ستكون واضحة تماما مع بدء العام الدراسي الجديد “2010-2011”. فهل الحكومة جدية في مساعيها، أم أنها ترمي بمقولة معينة من أجل استنباط الرأي الشعبي لإقرار هكذا قرار، أو إلغاؤه!…
آراء حول تعليمات منع المنقبات من دخول الحرم الجامعي:
الحكومة: لم تبادر الحكومة على طرح دراسة تنقد ما نشرته نشرة كلنا شركاء حول اسباب اصدار التعليمات التي تناولت قضية النقاب، وتضمنت هذه الدراسة، التي حملت اسباب اقرار مجلس الامن القومي هذه التعليمات:
“هناك جهات دينية تسيطر على عدد من المدارس الخاصة التي بلغ عددها حتى الآن حوالي 200 مدرسة، ومعظمها أنشئ بطريقة ملتوية، خصوصاً أيام الوزير الأسبق (غسان . حلبي)، وأشارت المصادر المطلعة أن المعلمات في تلك المدارس جميعهن من المنقبات، وهن تلميذات دين عند داعيات اسلاميات. والداعية هي التي ترسل المعلمة وتحدد لها المدرسة التي تعمل بها. كما أن تلك المدارس تضيف كثيراً من المواضيع والدروس الدينية غير الموجودة في مناهج وزارة التربية الرسمية.
أما المديرة المنتدبة من قبل وزارة التربية، فقد أوضحت المصادر أن القائمين على المدرسة يختارونها بواسطة علاقاتهم مع الجهات المسئولة، وإذا ما حصل أمر استثنائي يتضارب مع مصالحهم يقومون باستبدالها فورا. وفي حالات عديدة يعرضون عليها معاشاً شهرياً مقابل جلوسها في منزلها والابتعاد عن التدخل بما ترى وتسمع.
ولدى استفسارنا من مصادرنا عن كيفية حصول هذه المدارس على التراخيص، وما هو الغطاء الذي سمح بذلك، أجابت أن هذه المدارس تحقق ربحاً كبيراً، لذلك يتم شراء المسئولين المباشرين من العاملين في مديرية التربية، وزارة التربية، فرع الحزب، وحتى الأمن المشرف..
وضربت المصادر مثلا على مدرسة البوادر وهي مدرسة قديمة في المزة القديمة، بحدود عشرة شعب صفية، إذ تمكن اصحابها والقائمون عليها من نقلها إلى كفرسوسة وأصبحت أربعين شعبة، وأقيمت في كفرسوسة على بناء موهوب لجمعية بدر الخيرية. وذكرت أن زوجة رئيس الجمعية هيثم السيوفي هي نهيدة طرقجي داعية دينية وأرسلت جميع المعلمات منقبات كي يمارسن التعليم في المدرسة.”
إن هذا الخبر مع استمرار عدم نفيه، فإنه يدلل ان الحكومة تدرك حاليا حجم التوغل الإسلامي داخل مؤسساتها العلمانية الرئيسية “الحزب، الهيئات الحكومية الإدارية”، وهذا يفترض عليها أن تقوم بهجمة دفاعية لتحفظ فكر مؤسساتها، وإلا تحول المجتمع السوري إلى مجتمع مشابه للمجتمع المصري. فهل تنجح الحكومة في مساعيها، أم تهادن في أفكارها، وتراعي حالة اسلمة المجتمع التي بتنا نحصد بزورها القديمة في مجتمعنا السوري.
المعارضة اليسارية: تخبطت المعارضة اليسارية في سوريا بشأن هذا التعميم، فالبعض وصف هذا القرار بأنه قرار سياسي بامتياز، وتوقع أحدهم تبعات قاسية مستقبلا، كمثال رأي المعارض عمار عبد الحميد:
“هناك بعد سياسي للقرار طبعاً، البعد الحقوقي والإنساني لايجب أن يعمينا عن ذلك، النظام سمح بانتعاش التيارات السلفية في مرحلة ما، واخترقها واخترق من قبلها، وتحالف مع بعضها لفترة، والآن، يرتئي أن الأوان قد آن للانقلاب عليها، لماذا؟ ربما لأن النظام يريد أن يفتعل مواجهة داخلية ما تسمح له باستقطاب تأييد الأقليات والتيارات العلمانية مرة أخرى، علاوة على التحصّل على تأييد دولي، والنظام في ذلك يراهن على قدرته على كسب أية مواجهة داخلية مهما كانت عنيفة، وعلى إعادة ترتيب صفوفه مرة أخرى بعدها، المشكلة في هذه الحسابات أن التيارات السلفية ليس مؤلفة من أغبياء وإرهابيين: معظم الإرهابيين سلفيين، لكن ليس معظم السلفيين إرهابيين، الاصطفافات المقبلة في سورية ستكون أعقد مما نعتقد” .
في حين وصف آخرون بأن للقرار تبعات سياسية، لكنها مكسب حقيقي للتيارات العلمانية، ويجب الاشادة به. في حين انتقده البعض الاخر، وكمثال الانسة لانا سعيد//مقيمة في كندا//: “غريب هذا التخلف والقصور العقلي. لماذا يعتقد أنصار قرار منع النقاب، أنهم مع السيد الوزير أوصياء على حرية المرأة، النساء اللواتي تتهمونهن بالقصور العقلي ناضجات، وكنت صديقة عشرات المنقباب في حلب، جميعهن مقتنعات بالنقاب دون ضغط أحد. وهنا في كندا نفعل ما نشاء كعرب دون أن تقيد حريتنا. النقاب حرية شخصية” .
الحقوقيين “يساريين معتدلين”: ويتضح في هذا الجانب رأي واضح، يفيد بعدم شرعية هكذا قرارات، لانها تصب في خانة تقييد الحريات الشخصية، وكان من ابرز الشخصيات التي انتقدت هذا القرار، الباحث نبيل فياض، الذي يدرك أن الكثير من المنقبات هنّ منقبات بغير إرادتهنّ، ويعد اعتماد هذه التعليمات كقرارات سبب رئيسيا في حرمانهم من التعليم، وهذا سيرخي أثرا سلبيا على البلاد.
اما رأي الشخصي، فكان: “الأمر سياسي بامتياز، لكن من زاوية أخرى أرى تصورا أعمق، ومدلوله العام أن السلطة حاليا في أقوى حالاتها، فمنذ قرابة العام والنصف العام سعت السلطة لتغيير العديد من مجالس إدارات المدارس والمعاهد الإسلامية في سوريا، وهذا إن دل على أمر فانه يدلل أن السلطة تتحالف مع مشروع عام يدعى محاربة الإرهاب، لكن وفق آلياتها هي فالسلطة تدعم المقاومات الإسلامية ومنها فرع الإخوان المسلمين في فلسطين “حماس” و”حزب الله” الشيعي الهوى، لكنها تضرب بيد من حديد اي من التنظيمات التي تهدد أركانها ، وكان الخطر القادم عليها هو من المدارس الإسلامية ذاتها، فالفريق الراديكالي الجهادي الذي استهدف فرع الدوريات كان مقيم في جمعية معهد إسلامي معروف في دمشق. وكما أرى إن المغالاة للسلطة في تقويض الحركة السلفية وما يدعى اسلمة المجتمع، هي هدف يخدم النظام نفسه ويعلي من مراتبه دوليا واقليما في ظل الحكومات العربية التي تفشل في زرع الاستقرار الأمني على أراضيها كاليمن…”
الحقوقيين “يساريين متشددين”: جميعهم يجدون في النقاب ذاته أمرا مهينا لحرية المراة، ولحريتها وحقها في الحياة، وابرز هذه الاصوات كان الصحفي بسام القاضي، الذي قارن بين منع الفتاة من دخول الجامعة بثياب البحر، ودخولها منقبة، ووجد في كلا الحالتين أن الأمر لا يغدو عن كونه دخول مخل للحرم الجامعي وللذوق العام، فالمراة المنقبة هي مرأة منتقصة الحقوق أساسا.
الإسلاميين المتشددين: ويقصد بهم الفئة الموالية لحركة الإخوان المسلمين، والسلفيين والمتصوفين، وهي ترى في هذه التعليمات جزء من حرب ضروس تقودها الدولة ضدها، لذا تراها توظف دورها لتبدو بدور الضحية أمام الجلاد الذي يتمثل بالسلطة التي تمتاز بأنها سلطة غير شرعية.
الإسلاميين المتدينين: يخالف هذا القرار كل التصورات عند هذه الفئة، لان هذه الفئة تنظر للدين الاسلامي بمحرماته ومحللاته على أنها مسلمات تندرج ضمن الحقوق الإنسانية التي تتعلق بحق المعتقد، ولعل أكبر الانتقادات في هذا المجال تراها من السيد بدر الدجى عبد الرحيم: “في سورية مجتمع غير ديمقراطي ورئيس غير شرعي وحكومة شكلية مثل ما يعرف الجميع طيب شو الحل ومتى نعيش كبقية البشر؟، سؤال ينتظر الإجابة منذ 67 عاماً، المسألة مسألة حرية شخصية لا تتعارض مع المصلحة العامة.”
وطبعا تتأثر هذه الفئة كثيرا بالكتلة التعصبية للأفكار التي تتبناها الفئة المتشددة.
الحلول والخلاصات:
السلطة السياسية في سوريا لديها الشرعية الكاملة في اقتراح أية تعديلات تناسب سياسة الحزب القائد للدولة والمجتمع، وكون هذا الحزب في بناءة الرئيسي هو حزب علماني، فيتوجب عليه طرح مفهوم العلمانية طرحا اساسيا في صياغة قراراته السياسية، وإن آليات الخجل في اقتراح قراراته، تبدو غير مفهومة للناظر للسياسة السورية، فما الداعي أن تأتي تعليمات من الوزير بغياب اقرار لها من مجلس الوزراء!!…
لاحظ فقرة “حكاية منع النقاب في سوريا”، إن هذه القرارات والتعليمات المتضاربة في توجهاتها العلمانية والدينية، تدلل أن الحكومة تعاني خللا بنيويا في إدارتها لملفاتها. وهذا يستدعي حقيقة التريث والبحث والتمحيص، حول ماهي الاليات المقبلة لتفعيل القرارات، وهل من الممكن أن يتم تجاوز هذه التعليمات بحكم فوضى الادارات؟… وهنا نطرح جملة من الاقتراحات:
الحل الجذري والقاسي ضد الاسلاميين:
إن على الحكومة، وضع تصور استراتيجي لخطواتها القادمة إن سعت لتحويل المجتمع السوري لمجتمع مقارب للمجتمع الاتاتوركي، وإلا كان السقوط نحو الأسلمة مريعا ومدويا وسريعا. وهنا نقترح جملة اقتراحات:
1- اجتماع أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية، وطرح توصية هامة حول هوية هذه الأحزاب وأهدافها: “هل هي احزاب تقدمية صرفة، أم هي أحزاب بين- بين”.
2- إقرار اجتماع برلماني واقتراح تصويت حول علمانية الدولة، وفي حال اقرّ هذا الأمر يرجى تعديل الفقرة الثانية من الدستور: “الفقه الإسلامي مصدر رئيسي للتشريع”.
3- البدء بالتعديلات الإدارية التي تناسب هذا التوجه.
الحل السلمي:
عملية طرح التعليمات والقرار بالسرعة هذه، تؤدي أحيانا لردات فعل سلبية جدا، لذا قد تبادر الحكومة للقيام بهذه التعليمات وفق الإستراتيجية التالية:
1- حذف مادة التربية الدينية من المناهج التعليمية، أو استبدالها بمادة الثقافة الدينية والتي تعلم الأديان كافة كثقافة دينية، ولكل طلبة سوريا بمختلف مذاهبهم.
2- اعتماد توصيات الأمم المتحدة بحق الأطفال، “العمر محدد حتى عام 16″، وهنا قد تفرض الدولة منع الحجاب والنقاب على الفتيات، وذلك لعدم نضجهم فكريا في قبوله، ومنحهنّ الحرية في لباسه بعد هذا العمر.
3- افتتاح فروع للجامعات الرسمية بمختلف المجالات تكون مخصصة للنساء المنقبات.
وخلال هذه المدة الطويلة سيأتي جيل أما مقتنع دينيا بالنقاب، أو يأتي جيل يحترم المنقبات ويقبل التعايش معهم في كل مرافق الدولة. وحتى تنفيذ هذه الإستراتيجية الطويلة الأمد، يسمح للمنقبات بدخول الجامعات ومتابعة دراستهن، لكن على أن يتحجبن فقط، لهدف التأكد من شخصيتهم، وليس لهدف خرق خصوصيتهم الدينية.
ونظريا كلا الحلين المقترحين ينجحان بنسب عالية في المجتمعات الإسلامية والعربية المستقرة أمنيا، أكثر من نجاها في مجتمعات تغيب عنها هذه الظاهرة كالعراق ولبنان واليمن واندونيسيا وأفغانستان، ولو أقدمت الحكومة السورية على هذه الإستراتيجية ستكون بحق مركز استقطاب عالمي في تجربتها هذه، كون العالم الحالي متخوف من ما يدعى الحركات الراديكالية السلفية الجهادية.