عينين مغمضتين .. !
ب
منذ فترة طويلة لم أختبر حالة الأرق هذه ، آوي إلى الفراش أول الليل وأطمر رأسي وأشغله بفكرة وجوب النوم باكراً لعلي أستيقظ نشيطاً في الصباح فأمامي نهار حافل بالترهات ومناكفات العمل والأوراق والفواتير .
في الفراش ، أقضي الساعة الأولى بتحضير الأوراق وأنا مغمض العينين ، ثم تأتي الثانية لأبدأ مناوشاتي مع الموظفين وأنا مغمض العينين ، ثم الثالثة أقضيها في جدولة ديوني والمستحقات الشهرية وأنا مغمض العينين ، ثم الرابعة فالخامسة ….
وهاأنذا.. سمعتُ صوتَ ما تبقى من عصافير الحي بعد أن غادر معظمها نتيجة لتشييد أبنية كثيرة محاذية لبيتي ، وأحسستُ بحاجة للفافة تبغ بالمعنى الحرفي ، نهضتُ بعد طلوع الشمس بساعتين وأنا مغمض العينين ، ألوم فناجين القهوة المسائية على ما فعلتهُ بي ، وأستعد لنهار مضنٍ وشاق لن ينتهِ بلعبة طاولة زهر مع صديقي الآتي مؤخراً إلى دمشق ، ولن ينتهِ أيضاً بمتابعة مباراة بكرة القدم ، لن ينته بإلقاء تحية المساء على تلك الصبية الفاتنة كما اقتضت الأعراف والتقاليد ، بل سينتهي وأنا مغمض العينين .
كما كانتِ الداء _ فناجين القهوة _ ربما أجد فيها الدواء .
ها هي سحبات البخار تنذر بحرارة القهوة ، علبة السجائر لم يتبق فيها سوى واحدة يتيمة أخشى أن أحرقها دون إحساس بطعم .
حضرَ صباح آخر ووجدني حيث أنا ، الكرسي هو الكرسي ، الشباك نصف المفتوح هو الشباك ، ركوة القهوة هي هي ، والأفكار الهجينة هي هي ، تُرى هل سيكون نهاراً جيداً ؟ ، أم أنني سأعود _ ككل يوم _ أجرجر خلف رأسي ألف هاجس حول العمل وما جرى في العمل ، ليتني تزوجتُ قبل سنوات هه ، فلربما استطاعت هذه التركيبة الغريبة التي يسمونها أنثى _ بكل ما تحمله من رقة وعذوبة إن جاز التعبير _ أن تجعلني أنامُ واقفاً ولن يتطلب الامر سوى مفاتحتي بحديث “ بيهز البدن “ ، لا “دخيلك” .. ربما لو كنتُ متزوجاً ،لن أحظى بساعة نوم حتى بعد نهاية وقت العمل .
الحكاية هي ذاتها .. والأيام تكرر الأيام .. ولا جديد تحت الشمس .
هيا .. فلننهض ولنرتدي ثيابنا ولنسرع إلى العمل ..
بعينين مـ ـغـ ـمـ ـضـ ـتـ ـيـ ـن !.
بعينين مغمضتين .. !