الدولة الفاشلة في واقع البلدان العربية
فايز سارة *
ثمة اختلافات بينة بصدد السمات التي يقوم عليها تعبير الدولة الفاشلة، وهو تعبير يجرى إطلاقه على عدد من دول العالم بينها بعض الدول العربية. وكانت السمات التي تميز الدول الفاشلة في القرن الماضي، تقوم على انخفاض مقدار الدخل بحيث يقلُّ متوسّطُ الدخل عن الألف دولار في العام، كما تقوم على عَجْز السلطات عن نشر سيطرتها على كامل تُرابها الوطني بحيث ينتشر الاضطراب وتتعدد السيطرات، وتقوم على ضعف السلطات عن حماية مصالحها الوطنية واستتباعها لإحدى الجهات الإقليمية أو العالمية»، وقد أضيفت لاحقاً سمة أخرى، تتمثل في افتقار اهالي الدول الفاشلة إلى الحريات الأساسية، وضمانات المواطنة المعروفة في العالَم الحديث.
ومع أواخر القرن وبدايات القرن الحالي طرأ تطور على تلك السمات باتخاذها طابعاً اقتصادياً. اذ تحددت اسس جديدة من جانب المؤسسات المالية الدولية، تحدد نجاح الدول وفشلها من خلال نسْبة مَنْ هم تحت خطّ الفقر من المواطنين، فإذا تجاوزت الخمسين في المئة من المجموع، اعتُبرت الدولة المعنية في أزمة، وتستحق المساعدة والتسهيلات، ويمكنها الاستدانة من المؤسسات الدولية، ثم استقر وصف الدول الفاشلة بالاستناد الى سمتين أساسيتين: الأولى تزايد نسبة الفقر، والثانية وقوع الدولة في اضطراب أمني وسياسي.
واذا استندنا الى الخلاصات العامة للسمات التي يقوم عليها تعبير الدولة الفاشلة، وقارناها بواقع الحال في البلدان العربية لأمكن القول ان الكثير منها يندرج في سياق الدول الفاشلة. ففي غالبية الدول العربية، تنتشر حالة فقر شديد في اوساط شعبية واسعة تكاد تصل الى نصف السكان وربما تتجاوزها، وهذا الامر ملموس في المغرب والجزائر وصولاً الى مصر والسودان والصومال،
ثم الى اليمن وفلسطين والاردن وسورية، وفي الكثير من الدول العربية يسيطر الاضطراب الامني والسياسي، لا سيما في العراق ولبنان وفلسطين واليمن والسودان والصومال والجزائر، وفي مجال افتقاد الحريات الأساسية. وحقوق المواطنة، فإن غالبية الدول العربية تندرج تحت هذه السمة، حيث لا حريات اساسية ولا حقوق مواطنة بالمعنى السائد في عالم اليوم. أما في موضوع الاستتباع السياسي فالكثير من الدول العربية، تربطه علاقات استتباع سياسي واقتصادي مع مراكز اقليمية ودولية، ما يجعل هذه الدول مرتبطة بسياسات اقليمية ودولية، أكثر مما هي مرتبطة بسياساتها ومصالحها الوطنية المستقلة، او بالمصالح العربية المشتركة.
وباستثناء توافر السمات العامة للدولة الفاشلة في غالبية الدول العربية، فإن الواقع يشير الى وجود اختلاطات وتداخلات بين هذه السمات. ففي حالات مثل اليمن والسودان، يترافق انتشار الفقر مع الاضطراب السياسي والأمني، وفي العراق وفلسطين يسود الاضطراب السياسي والأمني مختلطاً مع الاستتباع السياسي والاقتصادي، ليس بسبب الاحتلال الاجنبي الاميركي في العراق
والاسرائيلي في فلسطين، وانما بسبب تأثيرات الجوار السياسي ايضاً، وفي الصومال والسودان، يتداخل الفقر الواسع مع الاضطراب السياسي وتتعدد مراكز السيطرة داخل الحدود الوطنية، وكلها ملامح تؤكد مطابقة حالة الدولة الفاشلة على هذه الدول.
ان الأسباب الأساسية في وصول بلدان عربية الى مرتبة الدولة الفاشلة، إنما تكمن في طبيعة الأنظمة القائمة وسياساتها، ويمكن ان تمتد الاسباب الى التدخلات الخارجية سواء كانت اقليمية او دولية. ولعل الطبيعة الاستبداية الاستئثارية والاقلوية للنظام السياسي في البلدان العربية، تمثل الاساس في ظهور الدولة الفاشلة، ذلك ان الاستبداد، يفرض انماطاً في السياسة والاقتصاد والاجتماع والثقافة من شأنها خلق ازمات في الحياة العامة، ثم تأتي سياسات النظام لتضيف تفاصيل في ترديات الحياة العامة، فتدفع الى بلورة بعض سمات الدولة الفاشلة أو أكثرها، وقد تأتي التدخلات الخارجية، فتخلق وتكرس سمات الدولة الفاشلة. ويمكن ملاحظة ان الدولة اللبنانية في سنوات الحرب الأهلية 1975 – 1990، جسدت حالة مثالية للدولة الفاشلة بسبب التدخلات الخارجية الإقليمية والدولية، فيما تمثل الصومال حالة مثالية اخرى للدولة الفاشلة التي تتداخل فيها السمات الداخلية مع التدخلات الخارجية.
ويؤكد المثال اللبناني، ان الدولة الفاشلة ليست قدراً نهائياً. إذ إن بالامكان الخروج من تلك الصفة عبر إعادة ترميم الأوضاع وبنائها بناء جديداً من خلال اقامة حكم رشيد، وتصويب السياسات في الجوانب المختلفة، وثمة كثير من التجارب التي استطاعت فيها دول الخروج من تحت لافتة الدول الفاشلة، وفي البلدان العربية بذل لبنان جهوداً كبيرة ولا يزال للخروج من صفة الدولة الفاشلة.
* كاتب سوري
الحياة