صفحات سورية

تداعيات انتخابات الإخوان المسلمين في سوريا

null
نجيب الغضبان
حظي انتخاب المراقب العام الجديد للإخوان المسلمين في سوريا، المهندس محمد رياض الشقفة، من قبل مجلس شورى الجماعة في يوليو 2010، باهتمام إعلامي لكون الشقفة ليس من الشخصيات العامة المعروفة خارج الجماعة، بل كان أحد المسؤولين العسكريين في فترة الثمانينات من القرن الماضي.
جاءت الانتخابات الأخيرة للجماعة في سوريا بعد انتهاء الولاية الثالثة للمراقب السابق، المحامي علي البيانوني، ولهذا أهمية رمزية في انتقال المنصب من خلال عملية «شورى/ديموقراطية» يحلو للإخوان أن يتباهوا بها.
سبقت انتخابات المراقب العام انتخابات لمجلس الشورى، فازت فيها أغلبية مؤيدة للشقفة. وبالرغم من تأكيد المراقب الجديد، وسلفه البيانوني، على الاستمرارية في النهج الذي اختطته الجماعة، فإن هناك تساؤلات حول مغزى هذا الاختيار، واحتمالات حدوث تحول جذري في مسار الجماعة تجاه النظام السوري. وعموما، فإن الاحتمالات الواردة أمام القيادة الجديدة تتمثل في الاستمرار في التوجه السابق، أو التشدد أمام النظام السوري، أو الانفتاح عليه.
أولا: تركة البيانوني
استطاع البيانوني إخراج الجماعة من عزلتها، بعد الهزيمة الساحقة التي كانت قد منيت بها الحركة في أعقاب مجزرة حماة عام 1982. فمع انتخابه مراقبا عاما في عام 1996، دخلت الجماعة مرحلة جديدة تمثلت في التخلي التام عن المواجهة المسلحة، وتبنت الصراع السياسي والإعلامي ضد النظام. فقد قرر البيانوني التركيز على المعارضة السلمية للنظام، مع إبداء استعداد للحوار. ومع انتقال السلطة إلى بشار الأسد، تحفظت الجماعة على عملية التوريث، لكنها وجدت فرصة لإنهاء حالة العداء مع النظام، مما قد يودي بالبلاد نحو الانفتاح والتعددية.
كما أن الإخوان، وتحت قيادة البيانوني، استطاعت التلاقي مع مواقف المعارضة الديموقراطية التي عبرت عنها بيانات الـ99 (سبتمبر 2000) والألف (يناير 2001)، في المطالبة بالإصلاح الداخلي المتدرج الذي يمر من خلال الإفراج عن المعتقلين السياسيين، والسماح بعودة المهجرين، ورفع حالة الطوارئ وإلغاء القوانين والمحاكم الاستثنائية. كما أن الجماعة، بقيادة البيانوني، أصدرت مشروعا سياسيا في عام 2004 يتبنى مفهوم الدولة الحديثة، وهي دولة تعاقدية، ومؤسسية، وتعددية، وتداولية، ومدنية، وتعلو فيها سلطة القانون. لقد أثمرت هذه الجهود قبولا واسعا للجماعة من قبل القوى السياسية المعارضة في البلاد. فكان الإخوان من مؤسسي إعلان دمشق في أكتوبر 2005، المنادي بالتغيير الديموقراطي الجذري. وشاركت الجماعة بقيادة البيانوني في تشكيل جبهة الخلاص الوطني، مع نائب الرئيس السوري المنشق عبد الحليم خدام وقوى سياسية أخرى، بهدف إيجاد بديل ديموقراطي لنظام الأسد. لكن الجماعة انسحبت من الجبهة في عام 2009، بعد أن جمدت أنشطتها المعارضة بالتزامن مع الحرب على غزة. فمن الصعب تصور ألا تستفيد القيادة الجديدة من هذه الإنجازات، إضافة إلى أن انتهاج إستراتيجية جديدة يتطلب تفويضا من مجلس شورى الجماعة.
ثانيا: تركيبة القيادة الجديدة
باستثناء القرار الأخير المثير للجدل، من المتوقع أن يواصل الشقفة مسار البيانوني. فقد تكون الفوارق في الأسلوب وليست في الإستراتيجية. لا يختلف انتخاب المراقب الجديد في سوريا عن انتخاب آخر مرشد عام في مصر، محمد بديع، في يناير 2010، كون الاثنين من الشخصيات غير المعروفة خارج الأطر التنظيمية للجماعة، ولعل هذا انعكاسا لانسداد أفق العمل السياسي في كلا البلدين، الأمر الذي قد يعني تركيزا أكبر على الشؤون الاجتماعية للجماعة—مثل قضايا التربية والدعوة- مقابل العمل السياسي.
أما خلفية المراقب الجديد العسكرية، فلا تعني بتاتا العودة إلى العمل المسلح. فقد أكد المراقب الجديد، في أول مقابلاته مع صحيفة الشرق الأوسط، أن تلك المرحلة مضت، حيث كان الإخوان في حالة دفاع عن النفس، وأن الجماعة الآن مستعدة للتحول إلى حزب سياسي، إذا ما سمح النظام بالأحزاب وأجاز الحريات.
ولأن الولاء الإقليمي مؤثر داخل الإخوان، فمن غير المستبعد أن يختار المراقب الجديد أغلب أعضاء قيادته من مدينة حماة التي ينتمي إليها، ما قد يقوي الجناح «الحموي» مقابل الجناح «الحلبي» الذي سيطر أثناء قيادة البيانوني. فالجناح الحموي كان أكبر جناح في المنظمة وكان من المعروف أن المجموعة متضامنة أكثر من الفصائل الأخرى. وأخيرا، فإن تواجد المراقب الجديد في اليمن قد لا يسمح له بنفس درجة النشاط التي كان يمارسها البينانوني من لندن.
ثالثا: النظام والتغيرات الإقليمية
مع غياب إصلاحات داخلية حقيقية في العقد الأول من حكم بشار الأسد، ركز النظام على الخروج من حالة العزلة التي فرضتها عليه بعض القوى الإقليمية والدولية (نتيجة سياساته في لبنان والعراق وفلسطين) ونجح مبدئيا بذلك. دفعت هذه التطورات—كما دفعت الحرب الإسرائيلية على غزة- بقيادة الإخوان إلى تجميد معارضتها لنظام بشار، وذلك لموقفه المتعاطف مع حركة حماس. ويبدو أن هذا القرار لم يحظ بتأييد كبير داخل صفوف الإخوان الذين شعروا بأن قيادتهم قدمت هدية مجانية للنظام، لم تقابل بأبسط الخطوات تجاههم، مثل إلغاء قانون 49 الذي يقضي بإعدام المنتمين لجماعة الإخوان.
في هذا السياق، كان قد نُقل عن المراقب الجديد، في صحيفة المصري اليوم، بأن قرار تجميد المعارضة قد انتهى مع نهاية الحرب على غزة، لكن سرعان ما نقل موقع الإخوان الإلكتروني أن مجلس شورى الجماعة لا يزال ملتزما بذاك القرار. وهنا تكمن المعضلة التي تواجه الإخوان، ومعهم كل فصائل المعارضة، فلم تُجد. محاولات المناشدة والحوار مع النظام، كما لم ينجح التصعيد، أثناء فترة الظروف الإقليمية الضاغطة، على إجبار النظام على اتخاذ خطوات على طريق الإصلاح السياسي والاقتصادي.
باختصار، فإن جملة العوامل المذكورة ترجح أن يكون هناك استمرارية أكبر، مع تراجع تدريجي عن موضوع تجميد الجماعة لمعارضتها، إضافة إلى إبداء تركيز أكبر على الشؤون الداخلية للجماعة، وتراجعا في العمل العام والسياسي، نتيجة الظروف الإقليمية والدولية غير المشجعة للتغيير الديموقراطي في المنطقة، ناهيك عن تحديد وسائل الإعلام الخليجية المؤثرة، من فضائيات وصحافة، للهوامش المتاحة للمعارضة ومنها الإخوان.
لكن استمرار النظام في تجاهله لمبادرات الإخوان وغيرهم، وعدم الاهتمام بالتحديات الداخلية، وزيادة الاحتقان الطائفي والعرقي، عوامل من شأنها دفع التدين في سوريا نحو المزيد من التشدد والتطرف، وهذا يعني تهميشا للخط المعتدل الذي يمثله الإخوان، لكنه قد يكون أكثر خطورة على النظام البعثي العلماني.
* ينشر بترتيب مع نشرة الإصلاح العربي الصادرة عن مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي.
القبس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى