صفحات ثقافية

نايبول في رحلاته الجديدة ‘بين المؤمنين’ في سأديان افريقيا القديمة: قناع أم عرض مسرحي إفريقي حيث تختفي الوثنية؟

null
ابراهيم درويش
لا يعدم قارئ فيشا نايبول الكاتب البريطاني- التريندادي الهندي الاصل ـ حس النرجسية وحب الذات المتأصلة فيه، من النظرة الاولى لكتابه الجديد الذي جاء بعد سيرته الرسمية العام الماضي من متابعة هذا الاحساس في عنوان كتابه الجديد الذي يلعب على فكرة القناع الافريقي والقناع باعتباره ترفيها اجتماعيا للارستقراطية الاوروبية في القرنين السادس والسابع عشر حيث يكتب كلمة قناع الانكليزية بطريقة تمت الى ذلك الحس الماضي، ولو غيرت حرف ‘اي’ بحرف ‘او’ لصار العنوان ‘مسجد’ افريقيا ولكن نايبول ليس معنيا بالحديث عن الاسلام والعرب والمسلمين في كتابه هذا الا بقدر ما يكشف عنه القناع من اديان ومعتقدات افريقية غابرة او لا تزال آثارها حاضرة في الحياة الافريقية. وقبل الدخول في تفاصيل هذا الكتاب لا بد من مواصلة ما بدأناه وهو ان العنوان على الغلاف الرئيسي بدا بحروف بارزة ‘مفرغة – بيضاء’ على خلفية سوداء وصفراوية قاتمة تقدم اسم الكاتب اولا ‘في اس نايبول: الحائز على جائزة نوبل للاداب’ وتحت اسم عنوان الكتاب ‘قناع افريقيا : لمحات في المعتقدات الافريقية’ وفي الغلاف الخلفي اكتفى الكاتب او الناشر بكتابة تعليق واحد ووحيد’وهو ما سبق واطلقته عليه صحيفة ‘اوبزيرفر’ البريطانية عليه بانه ‘اعظم كاتب حي في الادب الانكليزي’. نايبول بدأ حياته كاتب رحلات واقام علاقة مع كاتب الرحلات الامريكية بول ثيرو وما يجمعهما هو افريقيا حيث التقيا وافترقا في أوغندا. كان ذلك عام 1966 عندما حصل نايبول على منحة من مؤسسة امريكية للاقامة والبحث في جامعة ماكريري، في بعثة لم تكن واضحة الشروط سوى انها دعم له لانهاء مشروع كتاب كان قد بدأ. في تلك الشهور التي قضاها في أوغندا، كان مثل المسافر المنقطع عن السياق لم يكن يعرف من البلاد او العاصمة كامبلا الا المناظر التي يشاهدها في دخوله وخروجه من سكنه داخل حرم الجامعة او اثناء سفراته قرب بحيرة فيكتوريا لمشاركة صديق له انكليزي في هواية الصيد، حيث كانت في أوغندا اثار الاستعمار واضحة. في ذلك الحين لم تكن كامبلا سوى عاصمة صغيرة محاطة بالمناظر الطبيعية والتلال التي تتناثر فيها ذكريات زمن مضى، كانت السنوات الاولى من الاستقلال ولم تكن أوغندا قد شهدت الصراعات والحروب الداخلية التي بدأت اولا في عهد ميلتون اوبوتي الذي اجبر الملك التقليدي موتيسا الثاني على الرحيل عن البلاد ليموت في المنفى. ويأتي بعده عهد عيدي امين، وهكذا دوامة الحروب الداخلية.

كامبلا غابة من المساجد والكنائس

أوغندا التي لم يعرف منها نايبول في تلك الفترة سوى لمحات يعود اليها مرة اخرى ليكتشف كيف زاد عدد سكانها وقضى التوسع السكاني على المناطق الخضراء، وكيف اصبحت جامعة ماكريري التي انشأها الاستعمار، جامعة وسخة ومرتعا للجريمة والقتل الطقسي، وكيف احتلت المساجد والتلال الكنائس والمساجد، وكيف تحول الدين هناك الى سلعة تجارية يعرض من خلال اليافطات بأسماء مبهرة وتدعو من يريد لحضور القداس. تزامنت زيارة او عودة نايبول الى أوغندا مع زيارة كان يقوم بها الرئيس الليبي للعاصمة لافتتاح مسجد رعته ليبيا وبحضور اربعة رؤساء من دول المنطقة، ( افتتح المسجد الذي يتسع لخمسة عشر مصلّ ٍ عام 2008). وتبدو اهداف نايبول واضحة من الرحلة الجديدة في وسط افريقيا وغربها، فهو مع اقامته في أوغندا لفترة يعترف بجهله بمعتقدات سكانها، وعندما اقام فيها وتجول في شرق افريقيا تصرف مثل رحالة اجنبي لا علاقة عاطفية له بالمكان، وعندما يتحدث اليوم عن المتغيرات الجديدة في البلاد لا يهمه وضع البلاد السياسي، بقدر ما يهتم بالانتعاش الديني الذي تشهده من ‘المولدون المسيحيون الجدد’ وبناء المساجد بل وحتى المعابد الهندوكية التي يقول ان اكبرها رفع علما احمر دلالة على افتتاحه، ولا ينسى الاشارة الى ان الهنود او ‘الاسيويين’ سمحت لهم او دعتهم الحكومة الأوغندية إلى العودة إلى البلاد، ولكن بعد ان قدمت لهم تسهيلات مما يعني ان التوتر لا’يزال قائما والشك منهم خاصة ان عيدي امين قام بطردهم عام 1973. المهم في الامر يرى نايبول في كامبالا وحشا يتمدد على المناطق الخضراء ويقول ان الانفجار السكاني فيها جاء على الرغم من الايدز الذي كانت أوغندا اكبر متضرر منه لانتشاره الواسع بين السكان. نايبول في رحلته هذه، لا يبحث عن مغامرات ولا عن سياسة او يسجل انطباعات بل يريد البحث فيما يجري تحت سطح الاعتقاد المؤسس وهي الفكرة’التي حاول فحصها في كتابه ‘بين المؤمنين’ في رحلاته إلى باكستان وماليزيا واندونيسيا، حيث حاول قراءة ما خلف الايمان ‘الاسلام’ من معتقدات وثنية حاول الاسلام القضاء عليها، ولكنها لا تزال تظهر في الايمان الشعبي في تلك المناطق ذات الغالبية المسلمة، وفي محاولة للاشارة إلى ان الاسلام الذي يعتبره دينا ‘امبرياليا’ قضى على المعتقدات الهندوكية في تلك المناطق.

موتيسا الاول ومرآة التاجر العربي
والتيمة واضحة في هذه الرحلة الانطباعية عن ‘لمحاته’ حول الطقوس والاديان الافريقية، ففي أوغندا يبحث نايبول عن معتقدات مملكة الباغندا، ويبحث في قبور ملوكهم ومزاراتهم التي اعتبرتها اليونسكو تراثا انسانيا خاصة ‘كابكا موتيسا الاول’. وللبحث في المعتقدات الافريقية للبوغندا- الباغندا يقرأ بين السطور او يحاول قراءة ما بين السطور حول اثر الهويات ‘المستوردة’- المفروضة على الهوية الأوغندية وهنا يعني الاسلام والمسيحية على التشوش في الهوية ويلتقي شاعرة شابة اسمها سوزان تقول انها استعادت اسم قبيلتها لانها ترى في الاسم المسيحي تشويها لثقافتها. ويحاول نايبول قراءة او عرض الطريقة التي دخلت فيها المسيحية الى مملكة باغندا وكيف سمح ملكها الرهيب للمبشرين بالتبشير المسيحي، وكيف وصل التجار العرب ‘الدخلاء’ الى قلب العاصمة هذه وقلب الملك حيث اشتروا ايمانه بمرآة شاهد فيها صورته لأول مرة، وكيف تدخل التاجر العربي الذي تختلف الروايات حول نسبه ـ عماني ام حضرمي ـ كي يمنع الملك من قتل رعاياه. ويدخل نايبول في طقوس الموت عند الباغندا، خاصة عندما يموت الملك الذي يشوى جسده على نار هادئة لاشهر ثم تستخرج من جسده الاعضاء النافعة مثل القضيب – رمز الخصب ـ والخصيتين والاسنان وغير ذلك حيث توضع في جلد حيوان، اما الاجزاء الاخرى فترمى او تدفن. وكيف تقوم الساحرات’والنساء بحراسة قبور الملوك. وعلى الرغم من عودة الملكية التقليدية الا ان القتل الطقسي لا يزال يحدث بشكل منتظم في القرى بل في حرم جامعة ماكريري نفسها، ويعتمد نايبول هنا على اخبار تنشرها الصحف المحلية، عن قتل رجل لزوجته، وخوف السكان مثلا من الحظ السيئ الذي يجلبه دخول بقرة مدرسة وقضمها مثلا قميص طالب يحاول استعادة قميصه من البقرة المشؤومة او المسكونة بالارواح الشريرة، وفي محاولته هذه تصيبه البقرة بالعين وتتورم رجله مما يجعل البقرة وصاحبها هدفا للقتل، لانه جلب الشر على الناس فيها. وقصص كثيرة من هذا النوع تطبع رحلته حيث يلتقي اميرا مسلما اسمه قاسم من الجانب المسلم من ملك الباغندا موتيسا الاول وكيف يعترف هو وآخر اسمه حبيب بأن الاسلام وان نظر الى الديانات الافريقية نظرة شك وشجب الا انه اسهم بطريقة غير مباشرة في ضياع الهويات ويحن قاسم الى تراث اجداده’من الباغندا خاصة بعد تدمير قصر الملك عام 1966 واجبار ميلتون اوبوتي الملك على الرحيل، وفي داخل الحكاية دور المبشرين والكنائس في نهاية او موت المعتقدات الاصلية. وفي زيارة نايبول للسحرة وقبور الملوك لا ينسى التعليق في مزار موتيسا على الهدايا ‘الدخيلة’ التي حملها التجار العرب الذين جاؤوا كما يقول بحثا عن العبيد والعاج، وهي بنادق رخيصة ومرايا وعطور قديمة.

مرجعية افريقية ام اوروبية؟

المهم في انطباعات نايبول العجوز هو اعتماده على كتابات الرحالة الاوروبيين الذين شهدوا بعض حروب موتيسا وسجلوا فظائعه وفتحوا الطريق امام المبشرين، وهنا يعيدنا الى ما كتبه جون هانينغ سبيك وجيمس غرانت. ويلتفت نايبول كثيرا الى محاولة استغلال الادلاء له والاستفادة منه ماليا. لكنه في نيجيريا يواجه اشكالية اخرى فقبل سفره الى هناك يقول ان النيجيريين يعرفون بكثرة حقائبهم اثناء السفر وكلما زادت الحقائب دلت على غنى وموقع المسافر، لكن في مطار لاغوس الذي يتسم بالفوضوية يصطف الجميع امام شريط الحقائب لا فرق بين وزير او رجل اعمال، راكب درجة ثانية او اولى كلهم ينتظرون حقائبهم. والمهم في الامر ان المسافرين الى نيجيريا يحذرون عادة من السائقين المزيفين الذين يأتون للمطار تحت ذريعة استقبال اي قادم اجنبي وهو ما حصل لنايبول عندما وجد نفسه في صحبة سائق ليس الشخص المكلف من’الفندق باستقباله. وفي نيجيريا يبحث نايبول في الكيفية التي تداخلت فيها المعتقدات الوثنية بالدين المؤسس خاصة المسيحية حيث يشمل القداس على ساعات من الرقص والغناء والمواعظ ويمتد لأربع ساعات او اكثر، ويلتقي هناك بزعيم او ملك محلي وهو ما يعرف في التقاليد المحلية – يوروبا باووبا. وكما كان دليله في جذور وأصالة الاديان الوثنية في أوغندا انطباعات الرحالة الاجانب، يتخذ من رحلات مونجو بارك ‘رحلات في المناطق الداخلية لافريقيا: تمت في اعوام 1795، 1796، 1797’. صحيح ان نايبول في رحلته التي تبدأ من أوغندا الى نيجيريا والغابون وغانا ومنها الى جنوب افريقيا يعتمد في حكايته للاديان والمعتقدات الافريقية التي سبقت كلا من الاسلام والمسيحية وتشمل كما اشرنا ملوكا وملكات ومدرسين وعمالا ً وسحرة وادلاء واكاديميين وعامة من الناس كلهم يؤكدون وجود هذه الثقافات واستمراريتها في اطارها الخرافي لان الكثير من الثقافات الافريقية غير مدونة بل شفاهية، لكن مرجعية الكاتب تظل اوروبية متمركزة حول ذاتها. مشكلة نايبول انه في محاولته للبحث عن الدين القديم يعمل نفس الاساليب المعروفة عنه، السخرية المرة ويتسم بالوقاحة ويغضب وما يهم انه لا يعترف بأثر الزمن عليه، فهو وان نقل عن السكان هناك اثر الحداثة على المعتقدات الدينية القديمة الا انه يحاول من دون وعي تكييف ـ على الاقل على’لسان من يتحدث اليهم- ثقافة المقاومة للاستعمار من اجل خدمة اهدافه، فهو مثلا ينقل عن سوزان التي استعادت اسمها القبلي أنها تشير بطريقة غير مباشرة الى ما قاله فرانز فانون منظر ثقافة المقاومة للاستعمار. وكما اشرنا فنايبول في محاولته تكييف كتابات وانطباعات الرحالة المكتشفين للنظر لواقع افريقيا الحالي يرى ان المعركة على عقل وروح افريقيا لا تزال قائمة فان كانت الحداثة قد سلبت افريقيا’ومعها الاستعمار روحها القديمة فالمسجد والكنيسة اللذان يتنازعان اليوم يواصلان نفس اللعبة، مع انه يعلق وهو في نيجيريا ان روح افريقيا الحديثة اذا استثنيا منها ‘القطع’ الصغيرة المسلمة تظل ‘مسيحية’. وكتابة نايبول هي نفسها رأيناها في كتبه عن بلد آبائه الهند ورحلاته في افريقيا فيها من المرح الجاف والبرودة والشكوى الدائمة من تأخر السائقين وغش الادلاء ووساخة المكان وطول الرحلة بسبب الطرق التي تجرفها المياه دائما، وصور الفقراء والمرضى. ويضاف الى هذا ان نايبول لا يعي انه يكرر نفسه كثيرا ويعيد نفس الافكار في مقامات متعددة.

الافارقة يأكلون كل شيء

مثلا يحاول اقناع قارئه ان شعب البوغندا كانت لديه حضارة متقدمة وعندهم شوارع مستقيمة وطويلة تماما مثل الرومان، لاحظ هذا في مملكة بوغندا وتورو. لكن رحلة نايبول في نيجيريا التي بدأت بصعوبات حيث اتصل به سائق السيارة صارخا انه ينتظره في المطار ولم يكن يعلم انه ‘خطف’ من سائق بربطة عنق حمراء. وفي هذا البلد يواصل بحثه عن المعتقدات الافريقية في ايفي – التي اقام المتحف البريطاني العام الماضي متحفا كبيرا لها. لم يعلق نايبول اثناء وجوده في أوغندا على كره السكان للقطط التي يعتقدون انها تحمل الارواح الشريرة، لكنه في غانا يعبر عن غضبه عندما يكتشف ان سكان الجنوب من البلاد يأكلون القطط، ويعلق وهو في ساحل الحاج ان الافارقة يأكلون كل ما تجود به عليهم الطبيعة من نبات وحيوان ويأكلون كل شيء باستثناء ما يعتبر طوطما او مقدسا في معتقداتهم. وفي ساحل الحاج يأكلون القطط التي يقتلونها اويربونها مثل الدجاح. وفي اليوم الاخير من اقامته في البلد يكتشف ان احسن طريقة لقتل القطط هي وضعها في كيس ثم رميها في المياه المغلية، وعلى الرغم من اهتمامه بهذه الامور والمتعقدات البدائية يجد الوقت للحديث عن السياسة في غانا ، نكروما وساحل العاج بوانييه الذي كان يؤمن بالاراوح ومع ذلك يجد الوقت ليسجل اعجابه بالكاتدرائية ـ اكبر كنيسة في افريقيا – بناها أليكس هوفيه بوانينه حاكم البلد السابق. وكان نايبول قد علق على حياة الحيوانات في أوغندا، كيف تقتات العصافير الجميلة على النفايات وكيف تقتل الخيول الضعيفة في نيجيريا، ولم يلق في رحلته الى نيجيريا الا رجل اعمال يحب الحيوانات الاليفة ( اديسنا / مسلم)، وحتى المسلمون تأثروا من اعتقادات بقية النيجيريين على الرغم من انه سمع كما يقول في بلدان اسلامية اخرى قصة الرسول صلى الله وسلم الذي رفض ان يوقظ هرة نامت على طرف عباءته. وفي هذا السياق يصدق نايبول القصة التي حكاها له ‘مصدر غربي موثوق’ عن القتل الطقسي الذي تم في ساحل العاج اثناء التحضير لجنازة بوانييه.

مشاكل السفر والادلاء

نايبول مثل غيره من الكتاب”الدخلاء’ او الانطباعيين يرى في ‘براءة’ الطبيعة عنوانا للاصالة. نتذكر هذا في كتابات ويلفرد ثيسجر الذي اعتبر النفط واكتشافه لعنة على الخليج والجزيرة مع ان ثيسجر كان على خلاف بطلنا نايبول متعاطفا مع العرب ومعجبا بهم. ومن هنا يكتشف نايبول في غابات الغابون معنى البراءة الحقيقية. يبدو نايبول مشغولا طوال رحلته بمشاكل الادلاء ويطرح اسئلة حول مصداقيتهم وحرصهم الدائم على المال. وينقل الينا قصص من يلتقيهم وفكرتهم عن الدين والمعتقد، ويدخلنا في متاهة من الاساطير التي يبينها كل شخص عن الدين في مجتمعه، ادسينا المسلم من يوروبا يقول لنا ان هناك ثلاث لغات مقدسة العربية والعبرية ويوروبا وان قبيلته عربية الاصول، وان احد ابنائها جاء من مكة ولكنه لم يكن قادرا على الهجرة مع الرسول لانه كان عاجزا بل ان حضارة افي بالمنظور الشعبي هي مكية الاصول وجذورها في القرآن. في شمال نيجيريا، كانوا، التي يصف اهلها بانهم سود مثل الليل ينقل الينا هموم ابنائها المتعلمين حول الهوية واشكال التعليم العربية ـ الدينية والحديثة، وان سكانها وان شابهوا عرب السودان لا يرغبون في أن يُعتبروا في عداد العرب، حساسية خاصة عند نايبول تجاه كل ما هو عربي. ومع ذلك تلاحقه قصص العرب وحكايات دبي.

عين حساسة تعلق على الوسخ

عين نايبول دائما حساسة وتلتقط الوسخ الانساني فبالاضافة للحيوانات التي تقتات على النفايات لا ينسى ان ينقل لنا صور المجاري في لاغوس التي تمتلئ بالنفايات وتشكل بحيرات، واول ما يلاحظه في كانو ـ شمال نيجيريا ـ تلال النفايات والكلاب الضالة وفي غينيا يتجرأ ويقول لزعيم قبيلة كبير انهى بناء مقره ولكن مشكلة البيت انه يطل على حمام عام وهو ما لا يقلق بال الزعيم لكن نايبول يعلق قائلا انه ـ اي الزعيم ـ يعيش امام بالوعة.
يلاحق القارئ’نايبول في رحلته من وسط افريقيا لغربها ومن ثم لجنوبها، وهو يبحث عن الاعشاب المقدسة مثل ‘ايبوغا’ في الغابون وعن السحرة ومخرجي الارواح الشريرة وعن المعابد او الاكواخ التي عاش فيها الكهنة وقصور الزعماء المحليين كوسومي الغانية، والرحلة في مناطق الزولو. والقارئ هنا يتساءل عن سبب هذا الاهتمام بالطبيعة هل التنبيه لم يقم به الصينيون والماليزيون واليابانيون من مشاريع كما علق في الغابون ام تحليل ملامح الهوية الافريقية، اذ ان كل شخص قابله، متعلما وغير متعلم، مؤمن وغير مؤمن يؤمن بقدر افريقيا الوثني وسحرتها وكهنتها وارواحها الشريرة التي تسكن القطط ام ماذا؟

العجوز يفقد حيويته

يفتقد الكتاب على غيره من كتب نايبول تلك المرارة الصادمة والوقاحة المعلنة لكن نايبول العجوز لديه ما يسخر منه وان كان بصورة اقل. وان فقد نايبول وجهة الكتابة وبوصلة الموضوع الا انه لم يفقد تحكمه بالكتابة، والسؤال الاخير، هل يُقصد من الكتاب أن يكون دليلا ً عن افريقيا اليوم لمن لم يزرها؟ إنه كما علق البعض ‘مسموم’ ولا ينصف افريقيا من اهلها وممن سيقرأ، يبدو في النهاية هذا العجوز غير قادر على التخلص من اشباحه الشريرة.

ناقد من اسرة ‘القدس العربي’
The Masque of Africa
Glimpses of African Belief
V.S. Naipul
Picador/ 2010
القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى