جدار
فيديل سبيتي
عندما حاولت الزميلة أسماء الغول (28 عاما) من غزة، وهي مراسلة مركز “سكايز” للدفاع عن الحريات الثقافية والاعلامية (عيون سمير قصير)، التعبير عن رأيها في محاولات حركة المقاومة الاسلامية “حماس” “أسلمة” المجتمع الفسلطيني الغزاوي (على طريقتها)، قررت القيام برحلة على الدراجة الهوائية مع مجموعة من أصدقائها الاوروبيين، على ان تدور الرحلة حول ساحل غزة. وهي أرادت من خلال ركوب الدراجة أن تكسر نمطا اجتماعيا تقليديا وتفكيرا مكرسا يمنع الفتيات من ركوب الدراجات الهوائية، تجذّر منذ سيطرة “حماس” على قطاع غزة في عام 2007.
أسماء كغيرها من نساء غزة، تعرضت خلال تمضيتها يومياتها الحياتية العادية في القطاع لإستفزازات عناصر شرطة حكومة “حماس” المقالة لأسباب مختلفة، مرة لكتابتها مقالات تتناول ممارسات الاجهزة الامنية في حق مثقفين وكتّاب وإعلاميين في غزة، وارسالها هذه المقالات الى مؤسسة “سكايز”، ومرات لأنها غير محجبة، وهذا أمر نادر في القطاع. وقد تعرضت في إحدى المرات للتوقيف على شاطئ غزة حيث كانت تتنزه مع أصدقائها، على يد مجموعة تدعى “شرطة الفضيلة” لأنها كانت تضحك بصوت مرتفع ولأنها تخرج من دون محرم.
خلال رحلة الدراجات الاعتراضية من غير ضجيج وزعيق، راح رهط من الشبان، يدّعون الانتساب الى شرطة “حماس” ويركبون الدراجات النارية، يمرون بقرب موكب الدراجات بسرعة جنونية، ثم ضرب أحدهم أحد الدراجين على ظهره بعدما بصق في وجهه. لكن المجموعة لم توقف رحلتها.
كانت حركة “حماس” قد أصدرت قرارا بمنع النساء من تدخين النرجيلة في الاماكن العامة، وفرضت على المحاميات ارتداء الجلباب وغطاء الرأس في المحكمة، لكنها تراجعت عن هذا القرار بعد اعتراضات كثيرة من المحامين وجمعيات حقوق الانسان، وقام عناصر من الحركة بضرب أربعة شبان على الشاطئ بسبب السباحة من دون لباس علوي، وأصدرت منعا للرجال من ممارسة مهنة تصفيف الشعر للنساء، وفرضت على أصحاب محال بيع الملابس شروطا محددة لعرض ملابس النساء في الواجهات.
تفرض “حماس” كل هذه القواعد الى جانب مقاومة الاحتلال الاسرائيلي، بإطلاق صاروخ من مكان ما من القطاع ينفجر في أرض بور او في الصحراء مخلّفاً حفرة، فتردّ اسرائيل على هذا العمل المقاوم بتشديد الحصار على القطاع وبالهجوم عليه بالطائرات والدبابات مخلّفةً قتلى وجرحى وجوعى وثكالى ويتامى.
ليست مأساة الشعب الفلسطيني، الغزاوي تحديدا، في أن حركة “حماس” قررت إستكمال طريق المقاومة حتى النهاية، فهذا نقاش يطول وقد لا ينتهي الشد والمد فيه، لكن مأساة الشعب الفلسطيني أو بعضه، أنه في سبيله الى طلب الحرية والعيش بسلام سيصطدم بجدارين، جدار الفصل العنصري الاسرائيلي وجدار حركة “حماس” الفكري والايديولوجي. الى أن يتحقق زمن الحرية والسلام، لا شيء يعلو هذين الجدارين ¶
النهار