حكم الشريعة في التطبيق العملي: المرأة العدو الرئيسي للمتأسلمين
جورج كتن
يرى الإمام حسن البنا المرجع الرئيسي للمتأسلمين في المنطقة العربية أن وظيفة المرأة التي خلقت لها هي “تدبير المنزل ورعاية الطفل”، لذلك لا حاجة لدراستها العلوم أو القانون أو الفنون وغيرها.. ليوافق فقط على تعليمها ما يلزم لوظيفتها من مبادئ تربية اطفال وترتيب البيت وشؤون صحية وقراءة وكتابة وحساب وتاريخ السلف الصالح.. كما يرى أن “المجتمع الإسلامي مجتمع انفرادي لا مجتمع مشترك..” يوجب التفريق بين المرأة والرجل فالاختلاط برأيه من أكبر الكبائر، ويوجب على المرأة ملازمة بيتها، ويجرم الاختلاط في المدارس العامة والمطاعم والملاهي والحدائق..، كما يرفض تبرج المرأة الذي يعتبره تهتكاً وخلاعة، فتعليم المرأة واختلاطها وتزينها بضاعة أجنبية لا تمت للإسلام حسب رأيه..
بناء على هذه الآراء المدعية الاستناد لنصوص دينية اعتمد المتأسلمون من منظمات إسلام سياسي ورجال دين وتيارات سلفية وأصولية، معتدليهم ومتطرفيهم لمحاولة إدامة استعباد الرجال للنساء بصفتهم “القوامون” عليهن، الاوصياء على كل ما يتعلق بحياتهن من تعليم وعمل ولباس وعلاقات، ولمنع تسلل الافكار العصرية حول تحرر المرأة من الهيمنة الذكورية ومساواتها الكاملة بالرجل التي تكاد تسود العالم، لكنها متوقفة امام أسوار جزيرة التخلف والاستبداد الشاملة لبلدان عربية وإسلامية.
ويكاد هذا التمييز المجحف بين الرجل والمرأة يشبه إلى حد ما التمييز العنصري الذي جعل منذ فجر التاريخ ذوي البشرة السوداء عبيداً للأجناس الأخرى وحدد وظيفتهم في خدمتها كما المرأة في خدمة زوجها، والرقيق أيضا مثل المرأة ليس بحاجة لتعلم إلا ما يفيده عمله، كما منع الرقيق من الاختلاط مع أسياده البيض فله أحيائه ومطاعمه ومدارسه ومواصلاته الخاصة.. مثلما حرم المتأسلمون اختلاط المرأة بالرجل إلا مع مالكها زوجها أو محرمها.
إذا كان التمييز العنصري ضد السود قد هزم عالمياً ونهائياً، فإن التمييز بين الرجل والمرأة وخاصة في بلدان المنطقة العربية والإسلامية لن يستمر طويلاً رغم جهود المتأسلمين لتأبيده. ففي ظروف الترابط العالمي الراهن يتم تسليط الاضواء على الاعمال البربرية المرتكبة في بلدان تدعي تطبيق الشريعة، فاضطهاد الطالبان للمرأة الافغانية لم يعد شأنا خاصاً، وقضية “عائشة” التي جدع زوجها أنفها وقطع أذنيها بأمر من محكمة دينية طالبانية بتهمة هجرها بيت الزوجية، أصبحت قضية تهم الناس في أرجاء العالم.
وكذلك حادثة “صدّيقة” المرأة الافغانية التي احبت “خيام” وأرادت الزواج منه فمنعها أهلها -لأنها ملكيتهم- لتزويجها لمن يختارونه لها، لمن يدفع اكثر مثل العبد الذي كان يباع في المزاد العلني. وعندما فرت مع حبيبها اعتبرا “آبقين” وطوردا واعتقلا وقدما لمحكمة الملاّ الطالبانية التي حكمت برجمهم حتى الموت الذي تم أواسط آب الفائت في سوق قرية ضمن منطقة نفوذ الطالبان، وبدا كاحتفال ذكوري لإرهاب النساء وتذكيرهن بمن هو سيدهن.
ما جرى لعائشة وصديقة ليس حوادث معزولة فمسلحي الطالبان يقومون بشكل دوري برش وجوه طالبات ومعلمات بالأسيد لدفعهم للتخلي عن الذهاب لمدارسهن التي أحرقوا 60 منها هذا العام، واطلقوا في عدد من مدارس الإناث في آب الماضي غاز الفوسفات العضوي المستخدم في المبيدات الحشرية مما سبب تسمم مئات الطالبات. وإذا كان الدستور الجديد الافغاني يضمن بعض حقوق المرأة وتمثيلها في البرلمان، فإن الطالبان الإسلامية المسلحة تقاتل بإسم مقاومة الإحتلال لإعادة حرية التصرف في رقيقها النسائي في جميع افغانستان.
فتاوى الإمام البنا مطبقة في بلدان اخرى فمنع الاختلاط ما زال سائداً في السعودية التي تحكم بالشرع حيث تتجول جماعة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر لتطبيق المنع في الشوارع والمقاهي والمطاعم. وفي حزيران الماضي حكم شاب وفتاة بالجلد 90 جلدة والسجن 4 أشهر بعد ان ضبطتهم كاميرا أحدى المولات يتبادلون الضم والقبل.. وصدم العالم من أخبار الحكم بالرجم حتى الموت الصادر عن المحاكم الشرعية للسلطات الدينية الإيرانية ضد سكينة أشتياني لاتهامها بالزنا، وإذا كانت السلطات قد تراجعت عن حكمها أمام الاحتجاج العالمي فقد نفذت مئات الاحكام المشابهة منذ انطلاق حكم الشريعة، وهي بعد الإدانة العالمية تحاول تطبيقها بالسر.
وفي السودان الذي يحكم بقوانين من عهد الإخواني حسن الترابي، يمكّن أحدها من القبض على اية إمرأة بتهمة خدش الحياء العام دون تحديد معايير له، وأقرب مثال قضية الصحافية السودانية لبنى عبد العزيز التي حكمت ب40 جلدة لانها تلبس بنطالاً اعتبر مخالفاً للشرع! وفي مصر والسودان ما زالت ملايين النساء تحرم من المتعة الجنسية بختانها حيث يختلط الديني بتقاليد قديمة لاستمرار العملية البشعة كجزء من التمييز ضد المرأة، دون اتخاذ السلطات لإجراءات رادعة للعملية التي يفتي رجال دين بأنها مستحبة.
أما حماس الإسلامية فتعلن انها لم تطبق الشرع بعد في قطاع غزة لادعاء أنها تقاوم الاحتلال، ورغم ذلك فقد أمرت المدارس بمنع قبول الطالبات الذين لا يلتزمن بالحجاب والجلباب الفضفاض، كما “أنثت” المدارس إذ حظرت المعلمين من التدريس في مدارس الإناث لمنع الاختلاط المخالف للشرع، كما أمرت المحاميات بالتحجب ومنعت الرجال في الصالونات من تزيين المرأة، ومنعت النساء من تدخين النارجبلة في المقاهي وأزالت تماثبل العرض من واجهات محلات بيع الملابس النسائية، وأطلقت رجال ملتحين تابعين لوزارة أوقافها لمطالبة المارة في الاماكن العامة بإبراز عقود زواجهم … كل ذلك وحماس تدعي بانها لم تطبق حكم الشرع بعد، فكيف سيكون حال المرأة ومكانتها بالنسبة لسيدها الرجل بعد تطبيق الشرع؟
إرهاب المرأة “الرقيق” وإبقائها تحت هيمنة الرجل “القوام” بحاجة إلى سلطة، وحيثما استطاع الإسلام السياسي الوصول للسلطة يطبق شرعه لإخضاع المرأة باستعمال وسائل الإرهاب من جلد ورجم والسجن في بيتها ومنعها من الاختلاط والعمل والتعلم للحصول على حقوقها.
لكن لو دامت لاسترقاق العبيد السود في العالم فستدوم لاسترقاق المرأة. ولن ينجح اعتراض المتأسلمين للمسيرة الإنسانية حتى لو احتاج الامر لثورة جنسية، شبيهة بحركة مارتن لوثر كينغ لإنهاء التمييز العنصري، ضد التسلط الذكوري ولوضع حد لاضطهاد المرأة باسم الدين والتقاليد.
– أيلول 2010
خاص – صفحات سورية –