خمس نقاط لإنقاذ الاقتصاد الأمريكي والسياسة الاقتصادية السورية
سعيد عبد القادر
نشرت المحللة السياسية الأمريكية كاترين فاندين هيوفل في جريدة واشنطن بوست الأمريكية مقالا بعنوان
( خمس طرق لإصلاح الاقتصاد الأمريكي) لاحظت فيه أن التشريعات التي أصدرها الكونغرس الأمريكي لم تستطع أن تؤمن الإصلاح الاقتصادي.
لذلك بدأت – حسب رأي الكاتبة – إصلاحات جديدة, تعتمدها الولايات المختلفة, وقد أوردت خمس طرق إصلاح نفذت في بعض الولايات, فقد اعتمدت ولاية ماري لاند خطة السيناتور /جامي السكين/ القاضية بأن يرتبط تحقيق الأرباح في كل شركة بتحقيق أهداف أخرى يستفيد منها الصالح العام – كما ذكرت الكاتبة- مثل الحفاظ على نظافة الهواء, احترام الفضاءات المفتوحة, وتوفير السكن المناسب والرخيص. وتخضع الأهداف التي تحددها الشركات إلى مراقبة ومتابعة طرف ثالث. ليتحول هذا النوع من الشركات إلى نموذج جديد في عالم الأعمال يتبنى منظورا اجتماعيا. وبعد نجاح هذه التجربة بدأت تنتقل إلى خارج حدود ولاية ماري لاند بعد أن تبنته ولاية فري موند والآن تدرس هذا النموذج ولايات أخرى مثل نيويورك وبنسلفانيا ونيوجرسي وأوريجن و واشنطن وكلورادو – والنموذج الثاني الناجح هو ما أسمته الكاتبة (البنوك الموجه للناس)
فقد أغدقت الحكومة مئات المليارات من الأموال العامة لإنقاذ البنوك في (وول ستريت) التي بدورها ردت الجميل بالرجوع إلى ممارساتها القديمة بتخصيص مكافآت كبيرة إلى حد الاستفزاز لمديريها العامين فيما هي عاجزة عن القيام بدورها في تسهيل الاقتراض، لكن بنكاً واحداً لم يحتج إلى الأموال العامة ولا عانى من شح السيولة وهو بنك (شمال داكوتا) المملوك من قبل الدولة والسبب أن المصرف المؤسس منذ عام 1919م تجنب القروض العالية الخطورة والمشتقات المالية مما جعله يمتلك احتياطا ماليا يقدر بحوالي أربع مليارات دولار ليستمر في تلبية حاجات عملائه الائتمانية. والحقيقة أن نموذج البنوك المملوكة للدولة بات خيارا جذابا للولايات وللموطنين الذين سئموا من إعطاء أموالهم للبنوك الكبرى. لذلك تفكر العديد من الولايات حاليا في تبني نموذج البنوك التابعة للدولة مثل ولايات ماساشوستس وفرجينيا و واشنطن وإيلينوي وغيرها.
والنموذج الثالث هو التحكم في الأموال :
ويعني فتح حسابات بنكية في المصارف الصغيرة والمحلية التي تقدم خدماتها للمجتمع وهي الفكرة التي تدافع عنها (ايريانا هافينتجون) من خلال إقناع الناس بنقل أموالهم إلى بنوك أفضل تقدم خدمات أحسن للناس. وقد تجاوبت مع هذه الحملة إحدى أكبر النقابات في نيويورك,بالإضافة إلى المراقب العام للمدينة (جون ليو) الذين وجهوا رسالة واضحة إلى بنوك (وول ستريت) مفادها أنهم لا يقبلون الطريقة التي تتعامل فيها البنوك مع الرهون العقارية, أي طرد السكان من منازلهم ,وانطوت الرسالة على تهديد صريح بأن يحول المواطنون الذين وضعوا أموالهم ضمن صناديق للمعاشات إلى مؤسسات أخرى وهذا سيؤثر على (وول ستريت) لأنه يوجد ما يقارب من خمسمائة ألف عائلة تستثمر أموالها بحسابات خاصة لتأمين التقاعد وإذا لم تتصرف البنوك الكبيرة وفقا لمصلحة الناس وتسهل عملية الإقراض فإنها ستعاني من نقص السيولة مما يزيد من أزمة مركز النظام الأمريكي .
والنموذج الرابع : فرض الضرائب على المضاربات، بعد أن توضح الدور الذي لعبه المضاربون في سوق الأسهم في (وول ستريت) ومراهناتهم على العملة والمشتقات المالية بكونه هو السبب الرئيسي في اندلاع الأزمة المالية وانطلاق الركود الاقتصادي فقد فرضت ضريبة على المضاربات لوضع حد للتجاوزات والتلاعب في استثمارات الناس واعتبر هذا الشكل أن 2.5 % على كل عملية مضاربة لن تكون مشكلة بالنسبة للمضاربين النظاميين ولكنها ستكون مهمة بالنسبة لمن يبحث عن أرباح سريعة ومتكررة, كما أن الضريبة ستدر دخلا على الخزينة يصل إلى 180 مليار دولار في السنة وقد لاقت هذه الفكرة قبولا واسعا على الصعيد العالمي, حيث فرضت بريطانيا 5% ضريبة على كل مضاربة تجري على سوق الأسهم بلندن, كما عبر كل من الرئيس الفرنسي والمستشارة الألمانية عن تأييدهم للضريبة
والنموذج الخامس هو المديربعد ما أشار التقرير لصحيفة واشنطن بوست إن الشركات تخزن ما قيمته 8.1 تلريون دولار فيما تمتنع عن التوظيف بات من الضروري تغير هياكل الشركات وتمكين الموظفين والعمال من حصص في اسهمها حتى تصبح أكثر استجابة لاحتياجات المجتمع, وهذا ما قامت به تعاونية (ايفرجرين) في (كليفلاند) وهي تجمع يضم شركات محلية يملكها العمال بتمويل مشترك بين الخواص والدولة, فالعمال يمتلكون حصصا في الشركات من خلال اقتطاعات شهرية من الأجور مقابل حصولهم على وظائف في مجالات خضراء تحترم البيئة. وبالطبع يتطلب تحقيق هذه البرامج والمقترحات البديلة,التي من شأنها تغير مفهوم القطاع المالي من كونه مهيمنا على الاقتصاد إلى خادم له.تتطلب جهدا كبيرا وتنظيما محكما من المجتمع.
لقد ذكرنا الإجراءات التي يفرضها منطق الأزمة على الحياة الاقتصادية في أمريكا والمرتبطة بعودة الدولة للتدخل في الاقتصاد و ربط الخروج من الأزمة المالية والركود الاقتصادي بتقديم خدمات اجتماعية للكادحين وفرض المزيد من الضرائب على المضاربات أي تقديم الحلول ذات الطابع الاجتماعي والتأكيد من خلال هذه الحلول على فشل السياسة الاقتصادية للإمبريالية وأهمية تدخل الدولة وربط الاقتصاد بالمجتمع وهو ما يحدث عكسه في بلدنا. حيث تذهب حكومتنا العتيدة إلى الأزمة برجليها بعد أن أصدرت القوانين التي تسهل العودة لاقتصاد سوق منفلت يعتمد على الفساد بعد أن ألغت كل قوانين حماية الإنتاج الوطني بشقيه الصناعي والزراعي على حساب فتح الأسواق أمام الاستيراد دون التدقيق بنوعية البضاعة المستوردة. وبعد أن اعتمدت حلولا لأزمتها الاقتصادية المتفاقمة عن طريق زيادة الضرائب على المنتجين وخفض القوة الشرائية لليرة السورية….وبعد مجموعة من السياسات الاقتصادية التي ستوصلنا بسرعة نحو أزمة اجتماعية خانقة.