العرب يسلمون أمورهم للعكيد ويذهبون الى جنان الخلد ‘سكارسا’!
خطيب بدلة
سكان الجنة يوم الثالث عشر من أيلول/ سبتمبر الحالي مررتُ بمحطة فضائية اسمها ‘الثقلين’، وكان فيها عالمُ دين هو الشيخ الدكتور نبيل الحلباوي، يقدم للمسلمين موعظة حسنة..
تحدث د. الحلباوي في موعظته عن أخلاق المسلم الصالح الذي يجب أن يكون بَرَّاً، معطاء، يتقي الله في أحواله جميعاً، ويتقي شح نفسه عملاً بالآية الكريمة (ومَنْ يوقَ شُحَّ نفسه فأولئك هم المفلحون)، صبوراً على الأذى.. إلى آخره.
والحقيقة أن هذا الحديث يُثلج القلب، ويجعلنا نحن المواطنين العرب نطمئن إلى أننا، في يوم من الأيام- بعد العمر الطويل لكم ولحبايبكم- سنذهب إلى جنة الخلد (سكارسا)، من دون وقفات، أو استراحات على الطريق.
فالمواطن العربي، كما يعلم فضيلة الشيخ الدكتور الحلباوي، وتعلمون جميعاً، طيب إلى حد السذاجة، وعاقل كنعجة، وخدوم كعبد، وحباب من طرف واحد، وصبور على الأذى، يتلقى خمسين كفاً على غفلة!.. وهو الذي اخترع سلسلة الحكم والأمثال التي تقول: (امش بجوار الحائط وقُل يا رب سترَك).. و(يا جاري أنت بحالك وأنا بحالي).. و(مَنْ تزوج أمي أناديه يا عمي).. و(دعها تخرب برأي غيري ولا تعمر برأيي).. إلخ.
لم يكن المواطن العربي يشتغل بالسياسة، ولكن المناضلين، النشامى، من كتاب التقارير الخُلّص، لاموه على ذلك، وقالوا له (هذا موقف سلبي)،.. فتحمس من توه، وبدأ يستفسر عن أفضل نوع من السياسات (الإيجابية) التي يمكن أن يتبعها من أجل ان تكتمل مواطنيته ويكونَ صالحاً، فطلبوا منه أن يدعو لحاكم بلاده بطول البقاء والصحة العامرة، والثبات على الكرسي، والنصر على الأعداء المتربصين به وبحكمه الدوائر، دعا، ثم سألهم: ماذا أفعل الآن؟ فأعلموه أن الله خلق له العقل لكي يستعمله في التفكير، وأوضحوا له أن العقل واحد من أعضاء الجسم، والعضو الذي لا يُستعمل يَضمُر..
فما كان منه إلا أن شَغَّلَ عقله، وانتقل من مرحلة الدعاء التي وُصفت بأنها سلبية، إلى مرحلة الفعل الإيجابي، وصار مثل سرحان عبد البصير في مسرحية ‘شاهد ما شافش حاجة’ التي عرضتها عدة محطات فضائية في العيد، كـ (المستقبل) والـ (mbc) والـ (سيفن ستار)، متنبهاً، متيقظاً.. يتفرج على الأخبار بتركيز، ويتحسس الأحداث القادمة قبل وقوعها، فإذا شعر بأن شعبية حاكم بلاده انخفضت، سرعان ما يخرج إلى الشارع مع أمثاله من المواطنين الصالحين في مسيرات تأييد (عفوية)، وإذا اكتشف عقلُه وجود مؤامرة على نظام بلده الوطني الصامد يبادر إلى الخروج في مظاهرة استنكار وتنديد بالمتآمرين الخارجيين، وعملائهم المعارضين في الداخل..
وأما القائمون على أمن هذا المواطن، المسؤولون عن حمايته من المؤامرات والأفكار والمفاهيم الهدامة كالديمقراطية والمواطنة والعدالة، فهم لا يتركونه في الساحة وحيداً، ولا يقولون له كما قال بنو إسرائيل لنبيهم موسى (اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون)، بل إنهم يمشون بجوار مسيرته المظفرة، يسجلون اسمه بين الحاضرين، ليرفعوا عنه اللوم في المستقبل، ويسجلون أسماء الغائبين عن المسيرة لكي يلاقوا جزاءهم العادل فيما بعد.
ليس هذا وحسب، بل إنهم يذهبون بعيداً في حرصهم على المواطنين الصالحين، السائرين، الهاتفين، المعيشين، فيخصصون لهم فريقاً من أطباء الجراحة العامة، وكل مواطن (ينفتق) أو (ينشقّ) من شدة الصراخ والتعييش والتسقيط، يُدخلونه إلى خيمة طبية ميدانية، فيرتقون له المكان الذي (انشق)، ويعيدونه إلى النهر المتدفق من المعيشين المسقطين المؤيدين الشاجبين المستنكرين، لكي يُكمل مسيرته، وتزداد مواطنيتُه صلاحاً.
ضحك أثناء التمثيل
في الندوة التلفزيونية التي أقيمت صبيحة العيد على قناة ‘الدنيا’ وضمت بعض العاملين في مسلسل ‘أبو جانتي ملك التكسي’ قال الفنان الشاب سمير الشماط إن فريق الممثلين والفنيين كانوا لا يستطيعون السيطرة على أنفسهم أثناء التمثيل، من شدة الضحك، باعتبار أن مسلسل أبو جانتي- برأيه ورأي فريق العمل كله- مضحكٌ للغاية، بمعنى أنه ناجح من الناحية الكوميدية.
ولأننا، نحن الكهول و(الختايرة)، قد جردنا محتويات أفواهنا من القواطع والأنياب، والضواحك والقرم وأضراس العقل، خلال عملنا في هذه المصلحة (المهنة)، فإن بإمكاني، أنا أحدَ هؤلاء الكهول، أن أشرح للفتى المتحمس سمير الشماط بعض العوامل التي تؤدي إلى الضحك الحقيقي، لا كما شرحها هنري برجسون في كتابه الشهير (الضحك) الذي أصدره في أواخر القرن التاسع عشر، بل كما يحصلُ في ربوع الوطن العربي الكبير الذي خصصت له الجماهيرية الليبية العظمى محطةً فضائية اسمها (وطني الكبير) تبث، على مدى الأربع والعشرين ساعة، الخطابات التاريخية للقائد العربي معمر القذافي، وبعض الأغاني القومية.
فنحن العرب، يا حبيب قلبنا، نضحك حينما يخطب أحد المسؤولين عن الديمقراطية المتفشية في بلاده في حين الكبت والقمع في بلاده على قدم وساق.
ونضحك حينما يدغدغ أحدٌ ما خواصرَنا من الخلف مثلما كان عبدو (الفنان الراحل زياد مولوي) يضحك حينما يأتي أبو صياح ليفتشه، في مسلسل ‘حمام الهنا’ وهو، على حد تعبير زعيم الكوميديا العربية الحقيقي عادل إمام: بيغير من الحتة دي..
وأما أبناء المسؤولين، وكبار الحرامية من أبناء الشعب العربي، فيضحكون لعدة أسباب، أهمها أن آباءهم كرماء أكثر من حاتم الطائي ذاته، بدليل أنهم يشترون لأبنائهم ما يرغبون من سيارات وفيلات ويخوت ومزارع وعقارات وعرصات، ويضعون في حساباتهم وأرصدتهم الداخلية والخارجية ما فتح الله ورزق من الدولارات واليوروات والينات.. هؤلاء ترتفع نسبة السرور لديهم، بسبب الغنى الفاحش، فيضحكون على أي شيء يرونه أمامهم،.. يضحكون، ليس فقط على حركات الفنان أيمن رضا ذات (الكومكة) الزائدة عن الحد في ‘أبو جانتي’ و’بقعة ضوء’، بل إنهم يضحكون حتى على أفلام محمد هنيدي ومحمد سعد التي تعرضها الفضائيات العربية في كل يوم تقريباً بضع مرات، فمع أن هذه الأفلام لا تُضْحِكُ صوصاً ابن يوم واحد، بل إنها، للأسف، تزيد غمَّ المواطن العربي التعبان غماً، فإنك ترى أبناء المسؤولين والحرامية يقعون على أقفيتهم من شدة الضحك، ثم يخرجون إلى الشارع وهم مسترسلون بالضحك، وأحياناً يزداد سرور أحدهم (حبتين) فيلقم مسدسه ويطلق بضع طلقات في الهواء، وبالخطأ (غير المقصود طبعاً) تقتلُ إحدى طلقاته مواطناً كان يسهر على شرفة منزله، ووقتها يبلغ ضحكه وضحكُ شلته الأوج!
ويكون الضحك عند العرب، أحياناً، بإيعاز، أو ربما بإيعاز ضمني، ولا سيما حينما يلقي أحدُ المتنفذين نكتة مكرورة يحفظها الحاضرون عن ظهر قلب، ومع ذلك يضحكون ويهيصون ويدقون بأيديهم على ركبهم تنفيذاً للإيعاز الضمني.
ونضحك، نحن العربان، أيضاً، حينما يهب أحد الزعماء العرب لممارسة الديمقراطية، فيعلن استقالته من منصبه!.. وفي نفس اليوم تصور لنا الفضائيةُ التابعة لنظامه جماهير الشعب التي زحفت، على نحو عفوي، نحو شرفة قصره، لترجوه وتتوسل إليه وتبوس يده، أن يتراجع عن قراره، لأن شعب هذه الدولة، يمكن أن يموت من دونه!
فتأمل يا ابن أخي سمير، يرعاك الله.
توريث المعكدية
في مشهد مؤثر للغاية من الجزء الخامس من مسلسل ‘باب الحارة’ الذي عرض في رمضان على (mbc) وسورية دراما وغيرهما، يتقدم الفنان وفيق الزعيم ‘أبو حاتم’ من الشاب معتز (وائل شرف)، ويعقد له طرف (لحشته)، كناية عن تهيئته ليكون (عكيد) الحارة القادم، بعد أبي حاتم. ويقول له، بالحرف الواحد، وعلى نحو دراماتيكي للغاية:
– هذه الحارة أمانة برقبتك يا معتز!
تأثر معتز كثيراً بهذا الكلام، واستدارت عيناه، وأخذت فتحتا أنفه تتسعان، وقبل المسؤولية التي حَمَّلها له العكيد أبو حاتم.
هذا المشهد يمكن تعميمه على الحارات العربية كلها من دون استثناء، فهذه الحارات، منذ فجر التاريخ وحتى الآن وهي تسلم (أمانتها) إلى الأفراد، وتلغي، كرمى لعيونهم كل المؤسسات التي تقلص من صلاحيات الأفراد، وتتركهم يفعلون بأهلها ما يشاؤون.. وذلك تطبيقاً للمبدأ القائل (ألق المسؤولية عليه، وهو ووجدانه!)، وهؤلاء العكداء يتمتعون بوجدان نظيف للغاية، بدليل أنهم حفظوا وما يزالون يحفظون أمانات هؤلاء الناس.. ومن لا يصدق فلينظر إلى الازدهار والرفاهية والتقدم التي تشهده الحارات العربية، وليصلِّ على النبي العدنان في سره، لئلا يصيب تلك الحارات بالعين!
كاتب وقاص من سورية
القدس العربي
المواطن العربي كما يقول المقال – هو نعجة – عبد رقبق – لايهش ولاينش – لامن إيدو ولا من حديدو – حايد عن ظهري بسيطة – حط راسك بين الروس وقول ياقطّاع الروس – إذا حاجتك عند الكلب قلّه ياحجي كلبون – كل ذلك وغيرها هو المواطن العربي – ذلك هي التربية الوطنية التي تلقيناها في المدارس – الرئيس المناضل رئيسنا إلى الأبد – القول ماقال الرئيس – المليك – المفدّى وولي عهده الأمين – – ولقد قال غوّار في إحدى مسرحياته التي كانت أفيون الشعب للتخدير ووإظهار أن الوطن بخير وأن هذا غوار ينتقد الدولة وما سجنوه ولا عذبوه – نعم لقد كانت مسرحياته مخدراً فعالاً للشعب – كثر خيره – بس بدي أسأله عن الكرم في ضيعة تشرين الذي كان مهر العروس – ياترى شوصار بهالكرم مارجعه المختار الذي حلق شواربه – حتى ولا إبن المختار مهتم بإرجاع هذا الكرم -طبعا مابعرف لييييييييييييييييش – صحيح نسيت – قال غوار : السجن مدرسة إذا أعددته ——– أعددت شعباً طيّع الأعناق – – وهكذا هي بلادنا الدول المحترمة تكتب صنع في كذا ونحن نكتب صُفع في سوريا – والسلام على النيام – على الأقل قولوا للظالم انت ظالم لأن الساكت عن الحق شيطان أخرس