هذا من فضل ربي..!
ميشال شماس
“هذا من فضل ربي” أو “هذا من فضل الله” شعار يمكن أن تراه مكتوباً على لوحة ورقية، أو محفوراً على قطعة رخام أو حجر تزين فيه واجهات المزارع والفيلات والشركات التي تظهر فجأة. تسأل عن اسم صاحب الفيلا الفخمة ، فيأتيك الجواب أنه فلان من الناس كان يعمل مستخدماً في أحدى مؤسسات الدولة الهامة، وتسأل عن اسم تلك السيارات الفارهة المركونة أمام فيلا أخرى فيأتيك الجواب أنه فلان يعمل بالتهريب، تشاهد مزرعة كبيرة محاطة بأسلاك شائكة كتب على مدخلها أسم صاحب المزرعة ، وعبارة مزخرفة تقول ” هذا من فضل ربي” يدفعك الفضول لسؤال ناطور المزرعة عن العمل الذي يقوم به صاحب المزرعة فيأتيك الجواب: ” أن الله قد أنعم عليه ببركاته “، ثم يتبين لك أنه كان مسؤولاً سابقاً، وفي مكان ليس ببعيد عن تلك المزرعة تُشاهد عدد من المنازل المتواضعة الملاصقة لبعضها، تسأل أحد القاطنين في تلك المنازل عن حاله فيجيبك ” الحمدالله على نعمته مستورة”….
يسافر أحدهم إلى خارج سورية ،بعد أن يقترض أجرة الطريق وثمن الفيزا، ثم تفاجأ بعودته بعد سنة سنتين أو خمس سنوات وهو مثقل بالأموال، تسأل كيف استطاع تأمين تلك المبالغ التي تكفيه حتى إلى ولد ولده، فيأتيك الجواب ” لقد وفقه الله ورزقه بخيراته”.
وأنت في الطريق إلى قريتك تشاهد قصراً كبيراً بني على تلة، تسأل أحدهم عن صاحبه فيجيبك باستغراب قائلاً : ” آلا تعلم أن صاحبه كان يتاجر في المخدرات.؟ وعندما تسأله لماذا يكتب إذاً على باب قصره هذا من فضل ربي؟ فيجيبك : وهل تريد منه أن يكتب هذا من فضل المخدرات!؟
ما زلت أذكر أنني في أوائل التسعينات ركبت البولمان عائداً من القرية باتجاه دمشق، ولست أدري إن كان جلوسي بجانب أحد المهربين صدفة حسنة أم فألاً سيئاً؟ المهم أنني اشتركت مع المهرب في مقعد واحد، ولم أكن أعرف أنني أجلس بجانب مهرب كبير، وفي الطريق عرفني عن نفسه، فأدركت فوراً أنه مهرب الرخام في تلك الأيام ، ودفعني الفضول لسؤاله عن السبب الذي دفعه لعدم ركوب سيارته المرسيدس بدلاً من ركوب البولمان الذي يستغرق وقتاً أطول للوصول إلى دمشق، فأجابني “هيك أريح للجيبة”، فقلت له ماشاء الله كل ها المصاري والأملاك يلي عندك وخايف على الجيبة ؟ شو خليت لغيرك ؟ واكتفى بالضحك، ثم سألته سؤلاً استفزازياً عن سبب كتابة عبارة” هذا من فضل ربي ” على مدخل منزله الفخم؟ فرد عليّ حينها بعصبية: وماذا تريد مني أن أكتب؟ فقلت له : لماذا لا تكتب مثلاً : “هذا من فضل التهريب” حتى تكون العبارة منسجمة مع الأعمال التي تقوم بها؟ عندها قال لي بانزعاج : ” مين بعتك لحتى تزعجني بهذا الكلام؟ فقلت له دائماً الحقيقة مزعجة ، ثم ساد الصمت بيني وبينه بقية الطريق حتى وصلنا إلى كراج القابون بدمشق حيث اتجه كل منا إلى مقصده..
وهكذا نجد اللص والمحتال يطلب العون من الله ويحتمي به في مسعاه عند قيامه بالسرقة أوالاحتيال، ولايتورع ذلك المهرب عن الاستعانة بمعونة الله عند قيامه بالتهريب، أو ذلك المؤتمن على المال العام لايتورع أيضاً على الاستنجاد بالله ليعينه على سرقة ما يمكن سرقته من أموال الدولة. أو ذلك الموظف أو المسؤول المرتشي الذي يستحضر الله في كل مرة يرتشي فيها ليحميه من عيون الرقابة. وماذا نقول أيضاً عن تجار المخدرات وقتلة النساء في جرائم الشرف. إنهم جميعهم يستعينون بالله لضمان نجاح أعمالهم الإجرامية. ورحم الله من قال: “إن لم تستح أفعل ما شئت”
كلنا شركاء