الفساد … الفساد…. لكن من يغطي الفساد؟
في آخر التقارير عن الفساد المستشري في سوريا، قالت الأرقام: إن حجم الفساد الذي تم الكشف عنه في غضون تسعة عشر شهراً مضت، بلغ خمسة مليارات ليرة سورية، تساوي بحساب العملات الدولية مبلغ مائة وأربعة ملايين دولار، ويستند الرقم الى معطيات وبيانات رسمية، أضافت، أن وزارة المالية أصدرت في العام 2009 الماضي 207 قرارات قضت بإلقاء الحجز الاحتياطي على ممتلكات أشخاص لهم صلة بالفساد ضماناً لمبالغ بلغت قيمتها نحو ثلاثة مليارات ليرة سورية.
وكما هو واضح في المعطيات السابقة، فإن ماجرى الكشف عنه في تفاصيل الفساد لا يكشف إلا عن قمة جبل الجليد كما جرت العادة، وذلك يعني أنه يؤشر الى خطورة ما يحصل في هذا الجانب من الحياة الوطنية، التي يؤمن كثير من أبنائها بقول مأثور وشائع، نصه: “ان ماخفي أعظم”، مما يعني ان حجم الفساد الذي لم يكشف عنه هو أكثر من ذلك بكثير. وقد اشار خبير اقتصادي إلى أن حجم الفساد في مجال الجمارك وحده، يزيد عن 15 مليار ليرة سورية، تضاف الى الفساد في قطاعات اخرى منها التهرب الضريبي وسلك القضاء والشرطة وقطاع رخص البناء ولجان المشتريات الحكومية وغيرها، والمقدرة بأكثر من 25 مليار ليرة سورية.
غير انه وبغض النظر عن ” الخفي الأعظم “. فإن معطيات الظاهرة، تؤكد خطورتها. وهي خطورة، تتجاوز ضياع مبالغ من المال كثيرة كانت أو أكثر منها، أو قيام اشخاص بسرقة مال عام والاستيلاء عليه بشكل مخالف للقانون، وهي تتجاوز ذلك الى تداعيات الظاهرة، بمافيها من تداعيات وآثار سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية واخلاقية.
الأهم في تلك التداعيات، ان الفساد اصبح ظاهرة عامة، وان حجمه صار كبيراً، و ان له بنية اجتماعية، وله ثقافة يستند اليهما، بل انه أسس لخرق في البنية الاخلاقية للسوريين، فصار حاضراً في اليومي والمعاش من حياتهم.
وتفسر خطورة تلك التداعيات الأحاديث الصاخبة، التي تدور في سوريا ضد الفساد والداعية الى مقاومته ومحاربته، وفي هذا الامر يشترك أغلب السوريين، من الناس البسطاء الذين تطحنهم الحياة اليومية ولاسيما من آثار الفساد، الى المعترضين والمعارضين لسياسات الحكومة التي تنتج الفساد والفاسدين ممن يدركون خطورة مايجري وآثاره. بل أن الحكومة نفسها، ترفع صوت أركان منها بين حين وآخر ضد الفساد، وقد تصدر قرارات، وتتخذ إجراءات بين حين وآخر ضد أشخاص فاسدين!
وإذا كان من المفهوم اعتراض الناس العاديين ومعارضي السياسات الحكومية على الفساد، فإن موقف وسياسات الحكومة حيال الفساد يبدو في إطار غير المفهوم. فاعتراضاتها، تعني وكأن الامر ليس بيدها، وإجراءاتها التي تبدو شكلية في أغلب الاحيان، لاتطاول سوى هامشيين في ظاهرة الفساد. مما يعني في النهاية، أن الحكومة تغطي الفساد وترعاه. تغطيه عندما لا تدخل في مواجهة مباشرة مع رموزه، ممن تعرف كل تفاصيلهم بالأسماء والأارقام والوقائع جميعها، وهي تغطي الفساد، عندما تساير الجو السوري العام المعترض على الفساد والداعي لمحاربته.
لقد خرّب الفساد حياة السوريين في كثير من مناحيها، وآن الآوان لوضع سياسات والقيام بإجراءات جدية لمحاربته. وكلها تبدأ من قيام الحكومة برفع الغطاء عن الفاسدين الكبار ووضعهم تحت طائلة القانون، وتنفيذ حكم القانون بهم، وهو مايعطي الحكومة مصداقية وقوفها القوي والفعّال ضد الفساد وأشخاصه. هذا التوجه أثبتت التجارب ضرورة ترابطه مع جملة من الإصلاحات، قد تبدأ هنا، لكنها لابد أن تكتمل في كل المناحي الأخرى، فهل ذلك ممكن بعد؟
موقع اعلان دمشق