ميشال عون متحولاً داخل نفسه !
رامي الأمين
بعد لقائه عائلة القيادي في التيار الوطني الحرّ فايز كرم بعيد اعتقاله بتهمة التعامل مع العدو الإسرائيلي، خرج الجنرال ميشال عون عن صمته الذي سببته الصدمة، وصرّح في اليوم التالي أن “ما يصدمنا هو الشخص، وثلاثة من رسل المسيح سقطوا في الخيانة”.
بدا موقف الجنرال في حينه متوازناً، عارفاً بحساسية القضية التي سقط فيها أحد رفاقه وقادة حزبه، وهو بذلك، ترك الأمر للقضاء، كما يفترض بالأمر أن يكون، حتى يقضي الله والقضاء أمراً كان معلوما.
لكن الجنرال، كعادته “الجنبلاطية”، عاد وانقلب على مواقفه، متناسياً تصريحه عن رسل المسيح الخونة، ليشن حملة شرسة على فرع المعلومات، معتقل كرم، ضمن لائحة طويلة من المعتقلين بتهمة التعامل مع إسرائيل، مشككاً، عن حق، بشرعية هذا الفرع، العامل خارج الأصول القانونية. بيد أن هذا الإعتراض على عدم قانونية الفرع، جاء متأخراً جداً، واستنسابياً بما لا يدعو للشك. فتصاريح نواب تكتل التغيير والإصلاح، إذ ما عدنا إلى كثير منها، كانت تشيد بأداء فرع المعلومات في ملف العملاء، والقبض على شبكات التجسس، كما أن تفاعل العونيين في الفترة الأولى مع إعتقال فايز كرم، دلّ على تحوّل نوعي في النظرة العونية إلى العلاقة مع إسرائيل، لكن ما لبثت هذه النظرة أن فقدت رونقها، بعدما بدأت محاولات تبرئة العميد كرم العشوائية، المستندة أساساً إلى السلوك غير الشرعي لفرع المعلومات، لا إلى معلومات مؤكدة عن براءة كرم، الذي تداولت أكثر من وسيلة إعلامية معارضة وموالية أخبار مؤكدة وموثوقة عن اعترافاته بالتعامل مع إسرائيل والإلتقاء بمشغليه كل ثلاثة أشهر بفرنسا، علماً بأن كرم كانت له علاقات سابقة مع إسرائيل.
لكن عون، المفتون بالعودة إلى التاريخ، والمجبول بماضيه العسكري، و”إنجازاته” الميدانية في الحروب والنضالات، لا يستطيع تقبّل فكرة استهدافه وتياره بالإنتقاد، على خلفية ملف كرم، وهو ربط الأمر بملفات كان يحاول فبركتها الرئيس رفيق الحريري، مشيراً إلى أن من يفبرك شهود الزور، لن يكون غريباً عنه فبركة قضية عمالة لفايز كرم. ولو صحّ هذا الأمر، يصير لزاماً على عون النطق بما هو أكثر جرأة، وهو المطالبة بإعادة النظر في قضايا العملاء الذين قبض عليهم فرع المعلومات في الفترة السابقة، والذين لم يحرك عون ساكناً لأجلهم، ولم ينتفض في وجه الفرع غير الشرعي، إلا لنصرة صديقه المتهم بالعمالة.
كما أن الجنرال، الغارق في حزبيته وطائفيته، لم يعد يفكر سواسية بمواطني شعب لبنان العظيم، فالأقربون وحدهم أولى بالمعروف، ولن يهتم الجنرال مثلاً باعتقال السلطات السورية الشيخ حسن مشيمش، اللبناني أباً عن جد، بتهمة العمالة لإسرائيل، لأن المخابرات السورية جهاز لبناني شرعي، أما فرع المعلومات فلا. ولم تتحرك، والحال هذه، حمية الجنرال وعصبيته اللبنانية والقانونية، بل أنه انزعج كثيراً من “تسريب المعلومات عن التحقيق مع العميد المتقاعد”، متناسياً التسريبات التي كانت تصل إلى وسائله الإعلامية عن عملاء آخرين سقطوا في قبضة الأجهزة الأمنية على اختلافها.
من نابذ لسقوط كرم في الخيانة، ومصدوم بشخصه، يتحول عون عن سابق تصوّر وتصميم، إلى “غنوصيّ” يستخدم اعتقال كرم لشن حملة على فرع المعلومات، تكون بمثابة تمييز قضائي للحكم الأولي على خائن (بحسب تعبير عون نفسه)، كما برأ الإنجيل الغنوصي القبطي يهوذا الأسخريوطي من جريمة الخيانة وردّ له اعتباره ورفعه بإجرامه إلى مصاف المرسلين!
صحافي في قناة “الجديد
“