الشيخ سعد الاستقالة أرحم من الإقالة..
غسان المفلح
التعاطف مع الحالة التي وصلت لها الحريرية، لا يعني أبدا أن نترك لهذا التعاطف أن يحتل مساحة ما من العقل، فمكونات اللحظة التاريخية، لا تعترف بمثل هذه التعاطفات ولا تقيم وزنا لاعتبارات رمزية كثيرة، والدليل أن” سعد الحريري في ورطته التي وضعته فيها( س- س) يعرف ويدرك ومتأكد أن النظام في دمشق هو من اغتال والده، ليس متأكد وحسب، بل متيقن لدرجة الإيمان، عندما صرح أنه أخطأ هو وغيره عند اتهام النظام السوري بمقتل والده، وهو اتهام سياسي وليس جنائي، مع أن سعد الحريري مقتنع بأن التهمة جنائيا وسياسا تلبس النظام في دمشق. تماما كحال السيد وليد جنبلاط، الذي لا يعرف من قتل والده وحسب، بل متأكد من كل كلمة قالها في السابق ومؤمن بها..لكن السيد وليد جنبلاط لم تسعفه علاقاته مع أية دولة إقليمية أو غير إقليمية، في تخليصه من رحلة العبور إلى دمشق، بما حملته من دلالات سياسية وقيمية، أعتقد ان وليد جنبلاط، ربما قد تجرع الكثير من مهدئات وغيرها لانعرف، لكي يستطيع ابتلاع هذه الطريق نحو قصر الشعب في قاسيون، لكن سعد لاعتبارات كثيرة أسسها والده المرحوم كان هنالك من رحمه من بعض ما مر به وليد بك..
إنني إذ اتعاطف مع سعد الحريري، أقول أنه ربما هنالك خيارا لم يناقشه سعد وطاقم مستشاريه العباقرة، وهو” خيار أن تستبعد عائلة الحريري من المشهد السياسي اللبناني، ولنا في عائلات لبنانية كثيرة مثل ومثال، كعائلة آل سلام وعائلة آل الصلح…ما أريد قوله أن ما يجري على الأرض يسير بهذا الاتجاه، لهذا أقول للسيد رئيس وزراء لبنان- س- س- س أن يستقيل..” أعرف أن في هذا الكلام ما لا تعترف به السياسة اللبنانية والإقليمية، وربما يرى بعضنا أنها مجرد حالة تعاطف، أبدا هذا كلام غير صحيح.. الحريرية بعد إقالة سعد الحريري من رئاسة الوزراء ستنقل مقرها إلى جنيف، كما فعل المرحوم حافظ الأسد بالمرحوم صائب سلام” والزمن هنا ليس محددا يمكن أن تتم هذه النقلة بعد سنة أو سنتين أو عشر سنوات ليس مهما،
المهم أنه ما كان لسعد أن يقبل بالتوزير، كما قلنا في أكثر من مقال سابق، حتى قبل الانتخابات اللبنانية الأخيرة، ولكن على الشيخ سعد الحريري، ألا تسجل نهاية الحريرية السياسية على يديه، لهذا أرى من واجبه تجاه مشروع أبيه” أن يستقيل طالما أنه لم يستطع ان يحقق حدا أدنى من العدالة” ومع ذلك كان لسعد الحريري مبررات جدية لو أن تنازلاته المتعددة، قد أفضت إلى تحسن حال الدولة اللبنانية سياديا ومدنيا، عندها تكون الأعذار مقبولة، أما أن تتراجع مدنية الدولة اللبنانية وسيادتها حتى على مطارها- لاحظوا استقبال جميل السيد من قبل حزب الله، والطريقة في استعراض القوة التي تمت، مؤشر على أن سعد ليس رئيسا لوزراء لبنان- بل رئيسا لوزراء ربما قسم من قوى الرابع عشر من آذار- نعم هنالك ما كان يغيب عن البال في الحقيقة، أن خيار إنهاء الحريرية في لبنان، ربما يكون قرارا اتخذ في الثلاث سينات( س- س- س) السين الثالثة بالطبع ساركوزي…كيف سيواجه سعد هذا الخيار، وكيف سيكون نهاية مشروع والده وهو رئيسا للوزراء، ولصالح ما رفضه والده أقصد التمديد لرئيس لبناني، تريده دمشق وطهران…
الملفت في الانتباه، هو نص الخبر الذي أورودته صحيفة الشرق الأوسط السعودية الصادرة من لندن في عناوينها الرئيسية07.10.2010! وعلى لسان مراسلتها في لبنان وكاتبتها السيدة سوسن الابطح، عنوان الخبر” الزعيم العلوي رفعت عيد يقول: طرابلس تحولت إلى قندهار2″ أما بقية الخبر نورد منه التالي” وبدا رفعت علي عيد، مسؤول العلاقات السياسية في الحزب العربي الديمقراطي، غاضبا أمس، من وقوع جريحين في منطقته، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «الوضع خطير للغاية وما عاد يحتمل. تتدفق على منطقة الشمال اللبناني منذ مدة عناصر سلفية بينهم نيباليون، ومصريون، وصوماليون، ومن جنسيات أخرى، وهم يدخلون برا وبحرا وجوا، هذا عدا الأسلحة التي باتت تدخل بكميات كبيرة. لقد تحول الشمال بسبب هذه الجماعات إلى (قندهار رقم 2) والدولة اللبنانية تعرف أين يتمركزون، وما الذي يخطط؟ لقد باتت رؤوس المعارضة مطلوبة، ونحن كحزب نأتي في آخر اللائحة، قبلنا أسماء كثيرة، مطلوب تصفيتها في طرابلس وعكار والضنية والمنية، وفي كل مناطق الشمال». ويتابع عيد: «بالأمس (أول من أمس) عشنا أجواء حرب حقيقية بسبب الانفجارين، اللذين تزامنا مع تشنج سياسي كبير». وعمن يحرك هذه العناصر قال عيد: «نحن حذرنا منذ مدة طويلة من وجود مخابرات مصرية تعمل في الشمال، وكذبونا حينها” ويقول: «أريد أن أعرف ما الذي تفعله القوات اللبنانية في طرابلس، وكيف نسي السنة دم رشيد كرامي؟ وإذا كان الأمر كذلك فليتسامحوا بدم غيره» ويقصد الراحل رفيق الحريري انتهى التصريح.
يبدو أن البداية ستكون من طرابلس في حال، استمرت المحكمة الدولية، بالطريقة التي أشار إليها الأمين العام للأمم المتحدة السيد بان كي مون..
إن هذا اللحن الذي تعزفه الشرق الأوسط، إضافة لافتتاحيات رئيس تحريرها السيد طارق الحميد في الآونة الأخيرة، تشير إلى أن خيار إنهاء الحريرية في لبنان، وإنهاء كل ما ترتب ويترتب عليها، قرارا قد اتخذ وانتهى الأمر، لكن الموضوع بحاجة إلى ترتيبات، وسيناريوهات لكي يتقبل الرأي العام اللبناني السيناريو الأخير، لإجهاض التجربة العراقية!* والتي هي الجامع والقاسم الأهم في معادلة السينات الثلاث…
لن تأتي الضربة من حزب الله بل من طرابلس عاصمة الشمال السنية في لبنان! وكأن المتسربين من مختلف الجنسيات الذين ذكرهم السيد رفعت عيد يهبطون على لبنان بالمظلات، وكأن المخابرات السورية لا وجود لها في طرابلس! أما قضية مصر وتدخلها هناك فهذه تتناسب مع قضية العلاقة بين النظام في دمشق وبين مصر هذه الأيام، مصورا المصريين وكانهم قادرون على حرب أهلية في طرابلس، ولكن الإشارة للمصريين يبدو أنها تسر الطرفان” رفعت عيد وصحيفة الشرق الأوسط!! ثم لنلاحظ في افتتاحية الصحيفة الإسرائيلية يديعوت أحرنوت 6/10/2010 نقلا عن صحيفة القدس العربي، تخصص هذه الافتتاحية للحديث عن السيد سعد الحريري، وعن زيارة الرئيس الإيراني للبنان، ولكن ما يهمنا هنا هو قول الصحيفة” لكن دمشق لا تتخلى عن ألعاب الاذلال. فقبل أن ينظفوا السجاد الاحمر لزيارة احمدي نجاد التاريخية للبنان في الاسبوع القادم، تقع مفاجأة على الحريري: فقد أصدر الاسد أوامر اعتقال لثلاثة وثلاثين مسؤولا بارزا في بيروت وزير العدل، والمدعي العام، واعضاء من المجلس النيابي، وسفراء ورجال قانون وصحافيين قدماء. يسهل أن نلاحظ القاسم المشترك بين الأسماء التي تلمع في قائمة المطلوبين: فقد تم اعلام الجميع بأنهم مقربون من الحريري وتجرأوا جميعا على توجيه انتقاد لسورية”
وهذه الافتتاحية عكس ما ترمي إليه في هذه السطور وغيرها، من أنها موجهة ضد زيارة الرئيس الإيراني للبنان، يمكن للقارئ الكريم العودة إليها كاملة، إنها تشير إلى قرب نهاية الحريرية السياسية في لبنان، فالمصلحة الإسرائيلية ضد إيران كما تراها إسرائيل، هي أيضا تتلخص في إنهاء المرحلة الحريرية دون ذيول تذكر.
لهذه الأسباب وغيرها، أرى من أي باب تريدنه، أن يتقدم الشيخ سعد الحريري باستقالته من رئاسة وزراء لبنان، حتى لو اقتضى الأمر أن يشتري مقر إقامة رئيس وزراء لبنان الأسبق صائب سلام في جنيف.
فعذرا شيخ سعد، ماكان لنا ألا أن نكتب ما نراه مع تمنياتنا أن تكون رؤيتنا خاطئة وتكون أول رئيس وزراء لدولة لبنانية حقيقية وعابرة للطوائف وفوق المصالح الإقليمية والدولية، ولكن…؟
*إعتبر رئيس “حزب الكتائب” أمين الجميل أنه “تقريباً لم يتغيّر شيء أساسي- في السلوك السوري حيال لبنان- لقد كان هناك مسعى من قبل رئيس الحكومة لترطيب الأجواء مع دمشق على إثر التقارب الذي حصل بين الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز والرئيس السوري بشار الأسد وقد دعمنا وشجعنا في حينه هذا التوجّه، وعلى ما يبدو، كان تركيز هذا التقارب على القضايا الإقليمية أكثر مما كان على القضايا اللبنانية”. الجميل، وفي حديث إلى صحيفة “صدى البلد”