أجل الاستقالة يا دولة الرئيس
سعد محيو
حين اتصل كاتب هذه السطور بأحد قادة “تيار المستقبل” اللبناني البارزين، طارحاً فكرة استقالة رئيس الحكومة سعد الحريري، استشاط غضباً، وثارت ثائرته .
قال إن هذه الخطوة ستُعتبر استسلاماً سياسياً كاملاً أمام ضغوط حزب الله، وستُفسّر على أنها ضعف ما بعده ضعف من قِبَل الأعداء كما الأصدقاء .
وقال إنها ستعني أيضاً استقالة من المحكمة الدولية، التي تعهّد سعد الحريري أمام ضريح والده أن يمضي فيها حتى الثمالة إلى أن تتكشف الأيدي الملطخة بدمه .
ثم إنه قال، وهنا الأهم، إن الخروج من الحكومة سيجعل الحكم اللبناني لقمة سائغة في فم القوى التي تعمل على إخراج لبنان من الفلك الغربي العربي “المعتدل” لإدخاله في المحور الإيراني السوري المُتشدد .
منطق مُقنع؟ ليس كثيراً . أو حتى ليس البتة .
فالاستقالة، كما أشرنا بالأمس، فعل شجاعة لا عمل تقاعس أو جبن . إنها بالأحرى تجسيد لموقف رجل الدولة الذي يرى ما هو أبعد بكثير مما يراه رجل السياسة ومُمتهنها . وما يراه هذا الأخير ليس، هذه الأيام، سوى المصالح الخاصة حتى ولو كانت مُغمّسة بدماء الأبرياء وصرخات ألم الأمهات والأطفال .
القرار صعب بالفعل . لكن الخيار الآن في هذه اللحظة الدقيقة والخطيرة من تاريخ لبنان، ليس بين الحسن والأحسن، بل بين الشر والأقل شراً . فالقرار الظني للمحكمة الدولية على الأبواب، وهو (في حال تواصلت حال الاستقطاب السياسي الحاد الراهن) سيقود حتماً إلى انفجارات أمنية واسعة في أسوأ الأحوال، أو إلى شلل سياسي وحكومي وبرلماني شامل في أفضلها .
وفي كلا الحالين، ستكون حكومة الحريري لزوم ما لا يلزم وقشة تتقاذفها أنواء عاتية لم يسبق لها مثيل ربما منذ العام ،1975 وهذا لسبب قوي: قضية المحكمة الدولية ستكون النقطة الرئيسة التي ستتكثّف فيها الصراعات الإقليمية الدولية الراهنة حول مستقبل الشرق الأوسط ونظامه الإقليمي الجديد .
فالمعسكر الغربي و”الإسرائيلي” سيعتبرها عقب أخيل الإيراني الذي يمكن عبر تشديد الضرب عليه، تعرية طهران قانونياً وأخلاقياً أمام أعلى المنابر الدولية: مجلس الأمن والمحكمة الخاصة . وبالطبع، هذا لن يكون ممكن التحقيق إلا على جثة استقرار لبنان ووحدته الوطنية، وربما الكيانية .
والمعسكر “الشرقي” (سوريا وإيران) لن يقبل أن يُسجن في هذا القمقم الخانق، وسيعتبر أن الحل الوحيد هو قطع علاقة لبنان كلياً بهذه المحكمة، لأنه غير قادر على إلغائها دولياً . وبالطبع أيضاً، هذا غير ممكن إلا على جثة اللون الحالي للنظام اللبناني .
حكومة الحريري، في حال بقائها، ستكون هي كيس الملاكمة الرئيس الذي سيُوجّه إليه الجميع لكماتهم . وفي الوقت نفسه، لن تكون هذه الحكومة قادرة على التقدم إلى أمام حيث تريد المحكمة الدولية (تنفيذ أحكام القرار الظني)، ولا التراجع إلى الوراء عبر التنصّل منه ومن المحكمة الدولية برمتها .
الحل الأمثل لها هو الاستقالة لتمهيد الطريق أمام حكومة أكثر تسووية، ربما باتفاق ووفاق سوري سعودي، ثم تشكيل اللجنة المشتركة من الموالاة والمعارضة التي اقترحها السفير السعودي في لبنان لبلورة موقف مشترك من القرار الظني والمحكمة .
الكرة الآن في ملعبك يا دولة الرئيس سعد . لكنها قد لا تبقى طويلاً هناك . فالملعب سيُصادر قريباً، وقريباً جداً، لصالح المباراة الكبرى (أي حروب الآخرين) على أرض لبنان .
الخليج