صفحات العالمما يحدث في لبنان

نظريـة الفــخ

ساطع نور الدين
في الوثائق والسجلات ان اميركا لم تكن يوما مهتمة بالوضع في لبنان إلا من زاوية وحيدة هي حماية اسرائيل والدفاع عنها، ولم تكن معنية بأي شأن داخلي لبناني إلا من زاوية تأثيره على منطقة الحدود اللبنانية الاسرائيلية، بغض النظر عمن يزعمون انهم اعداؤها او يظنون انهم حلفاؤها، ويتصارعون بين الحين والآخر تحت هذا الشعار، ليكتشفوا ان الاميركيين في مدار ناء، لا يمانع ان يغرق اللبنانيون بدمائهم، ما دامت هذه الدماء لا تسيل الى الخارج ولا تنجرف في اتجاه الجنوب تحديدا.
الصراع الحالي في لبنان حول المحكمة الدولية فرصة للبرهان على ان اميركا لن تستجيب لبعض اجراس الانذار ونداءات الاستغاثة الصادرة من بيروت هذه الايام والتي تحذر من ان لبنان على وشك السقوط مرة اخرى تحت هيمنة سوريا وإيران وحزب الله، بل هي تفضل ان تراقب من بعيد وتنتظر الشكل الذي ستتخذه تلك الهيمنة، والديناميات الداخلية التي سيولدها، كي تحدد ما اذا كان يمكن استثمارها والاستفادة منها في قضايا اكثر اهمية من حرب اهلية لبنانية، هي بمثابة تقليد قديم وسلوك دائم في الجمهورية البائسة.
التقدير صحيح الى حد بعيد، ان اميركا، بناء على نقاش داخلي مع الاسرائيليين، لن تمانع في ان يسيطر حزب الله على لبنان، وان يؤدي ذلك بالتالي الى تعزيز الدور السوري والايراني فيه. وهو تقدير يُبنى على موازين القوى التي لا يمكن الاخلال بها الا بتدخل عسكري اميركي واسرائيلي مستحيل وغير ذي جدوى، لمصلحة حلفاء لبنانيين لا يمكن الاطمئنان اليهم ولا الوثوق بهم ايضا. وفي هذه الحالة، يبتعد حزب الله عن الحدود التي تشهد منذ اربع سنوات هدوءا لم يسبق له مثيل في تاريخ الصراع العربي الاسرائيلي، ويتحول الى مسؤول مباشر عن الوضع اللبناني برمته، عن الدولة ومؤسساتها وتصرفاتها، كما تعود دمشق لتشكل مرجعية لبنانية، او عنوانا واضحا للتعامل مع الوضع اللبناني وقناة اتصال مع جميع اللبنانيين من دون استثناء، كما تصير طهران شريكا علنيا في ادارة لبنان والتفاوض حول شؤونه، مثلما هي الآن شريك في ادارة الوضع في العراق، وضمان لاستقراره.
ومثل هذا المنطق ينسحب على حلفاء اميركا العرب الذين لن يتأخروا في التوصل الى الاستنتاجات اللبنانية نفسها التي توصل اليها الاميركيون والاسرائيليون، والتسليم بأن لبنان بات قضية خاسرة ـ مثله مثل قضية العراق ـ لا تستدعي اي استنفار او تدخل من نوع خاص، كما لا تسمح بأي جدال مع واشنطن وتل ابيب المنهمكتين بأولوياتهما الافغانية والباكستانية والفلسطينية، ولا سيما ان الزاوية التي انحشر فيها حزب الله او حشر نفسه فيها، نموذجية بالنسبة الى جميع اعدائه وخصومه، بغض النظر عما اذا كانت نتيجة تخطيط اميركي مسبق ام لا.
نظرية الفخ الذي نُصب لحزب الله ليست وهمية، ومعها فرضية ان سيطرته المقبلة على لبنان ليست من صنع الخيال، ولن تؤدي الى اي توتر اميركي او اسرائيلي او عربي.
السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى