الخوف: البنية النفسية للسوري المرعوب من المخابرات
جابر السقا
صفيح ساخن
رغم الحديث الشيق في إفتتاحيات الصحف السورية “الكبرى” المترعة بالأمل والغد المشرق، ورغم الموسيقى التصويرية المؤثرة لبرامج تلفزيوننا الوطني وخصوصاً في برنامج سوريا اليوم والتي يريد منها نقل الأمل بغدٍ مشرق الى نفوسنا ورغم الخطب الحماسية للمسؤولين في الحزب القائد وأحزاب الجبهة والتي تؤكد أننا كسوريين نعيش نعيماً تحسدنا عليه كل الدول بما فيها الصومال الشقيقة… رغم كل ذلك فما زلنا كسوريون نشعر أننا بلا أمل.. وبلا أي قبعة تقينا اللهيب المحرق للذاكرة العميقة أو الذاكرة اليومية على الأقل، وقيل في المثل الفرنسي أن سنونوة واحدة لا تكفي لقدوم الربيع، ولكننا نصدق وإن من باب الوهم أننا قادمون الى الربيع..
والعلاقة بين ذواكرنا الجماعية كأفراد و بين ذاكرتنا الجمعية كأمة في مهب التغيرات العميقة التي تلف العالم.. أشد تماسكاً من أن تبعثرها ومضات تتألق هنا وهناك ثم تخبو.. فنحن لم نزل نرى الأشياء من منظار الذاكرة الفردية ونعيد التأكيد على الخسارة من الفتحة الواسعة التي تنزف منها الذاكرة الجماعية..! والسؤال الذي لا تسطيع مقالة أو مقالتين مبشرتين أن تجيبا عليه هل نستطيع أن نطهر هذه الذاكرة من تاريخ كامل يمتد لأكثر من خمسة وأربعين عاماً متخم بسيطرة العقلية الأمنية علينا..؟
هذه العقلية التي تأخذ شكل وجودها من وجود الأجهزة سيئة الصيت في الحراك اليومي للمجتمع السوري.. و لكنها تأخذ حيزها الأخطر من تمترس مخلفاتها في جل الممارسات اليومية للناس في الشارع و في المدرسة و الجامعة و كافة مؤسسات المجتمع..
فالمواطن السوري الذي قد يصحو في الصباح على زمجرات السيارات المنفلتة من عقال القانون الأخلاق في ممارسة القيادة قد لا ينهي يومه إلا عبر الإستماع للتعابير اليويمة المبنية على لغة السيطرة و القوة..
الشرطي في الشارع الذي لا يستطيع أن يطبق قانون السير لأنه يخشى دائماً من الشخص الذي يخالف وممن يقفون وراء هذا المخالف كما أن هذا الشرطي هو ذاته من يتنمر على الأشخاص الذين يبتزهم لمعرفته الحدسية بأن هؤلاء بلا دعم و بلا ظهر يسندهم..هذا الشرطي هو الصورة الأخرى للمدير الذي تتحكم القوة و السيطرة ومراكز القوى الأمنية بحراك مؤسسته فيقوم ببناء الحراك المؤسساتي وفقاً لطبيعة القوى المؤثرة ولطبيعة القوى غير المؤسسة… وعليه فإن المواطن الذي يفاجئك بسؤال دائم عمن يؤثر على من لا يستطيع أن يكون خارج هذه الإعتبارات الكريهة التي تقوده في حياته…
من يستطيع أن يخلص السوريين من ميراث العقلية الأمنية التي تحكمهم..؟
منذ لحظة نزولنا الى الشارع كنا نخشى أن نسأل الناس هذا السؤال
- هل مازلت تخاف من المخابرات..؟ لأن أول ما يستبادر الى ذهن هذا المواطن سؤال معاكس يقول “من هؤلاء الذين يسألونني هذا السؤال الملغوم..؟” و رغم أننا حظينا بالعديد من المواطنين الذين لم يرعبهم الأمر إلا أن المشكلة كانت أعمق من أن يجيب أحد ما بأنه مازال يخاف من المخابرات… أو وجود جرأة لدى البعض بأنهم لم يعودوا خائفين من هذه القوى الأمنية التي وجدت كي تذود عن أمنهم و أمن الوطن…
المواطن س – ط لم يقم بردة فعل على السؤال طيلة عدة ثواني لكنه قطب حاجبيه للحظات ثم قال لنا
- أنتم صحفيون في صحف الحكومة أم في صحف المعارضة..؟ وحين أجبناه بأننا لسنا هنا ولسنا هنا؛ قال لنا و بشكل حازم حلّو عن ربي بلا وجع راس…!!
ومثله قال لنا ع – ق لكنه زاد عليه بأن الصحفي الذي يسأل هكذا سؤال لن يكون سوى مخابرات…
ف – س قال لنا أنه لم يعد يخاف المخابرات منذ قدوم الدكتور بشار الأسد الى السلطة و لكنه خاف كثيراً حين سمع أنهم أعتقلوا رياض سيف ومأمون الحمصي…و حين عرف أنهم قد حوكموا أسترد شيئاً من شجاعته…غير أن الأحساس بالخوف من المخابرات عاد إليه بعد أحداث الحسكة و هجوم المزة و تفجيرات الموساد…؟ و حين حاولنا أن نستوضح منه سبب عودة الخوف إليه ذكرنا بنكتة الأرنب الذي أعتقل و طيلة التحقيق معه كانوا يعذبونه كي يعترف أنه حمار..!!
هل يمكن للخوف من المخابرات و الأجهزة الأمنية أن يكون نكتة مضحكة..؟ أغلب الإجابات على سؤالنا المربك لم تكن تشي بأي نوع من أنواع المزاح فالحقيقة تقول أن الرعب المبثوث في عقول و قلوب السوريين أكبر من أن يطالب وزير الإعلام أو وزير الداخلية الصحفيون أو الناس بإعادة الروح للنفس النقدي الذي يمكن له أن يصوب العلاقة بين الناس و الحكومة والناس و السلطة بشكل أعم…
الصحفي م – ع قال لنا بعد أن سره موضوع التحقيق أنه يخاف من أن يفصل من عمله إذا قام بالبحث في قضية تخص واحداً من أصحاب النفوذ.. و حين سألناه هل يتوقف خوفك عند حدود الفصل من العمل أجاب:
- أخاف أن أعتقل بتهمة ملفقة و أخاف أن أعتقل بلا تهمة…!!
جابر السقا
كما هو واضح من سياق التحقيق يبدو أنه قديم، وجدار ينشره رغم أنه لايلبي الشروط الصحفية لتحقيق صحفي نظراً لاعتبارات الخوف… الخ