صفحات ثقافية

هل تؤمن بالجوائز؟ القمحاوي وفؤاد وعبد السلام وخشان يجيبون

null
انها جوائز صدقة أو مكافأة ولا تمنح لشاب وقد تصنعها العلاقات العامة
عناية جابر
الجوائز الأدبية التي تمنحها بعض الدول والمؤسسات الأكاديمية ووزارات الثقافة للأعمال الأدبية، ليست جديدة في عالمنا العربي، فهي امتداد للجوائز التي كان يحظى بها الأدباء والشعراء في عصور زاهية غابرة. المبدع كان يتلقى جوائز وأعطيات (الشعراء منهم على وجه الخصوص) من ذوي الجاه والغنى والسلطان، ما استدعى إطلاق صفة المتكسب على الشاعر، الذي يتخذ من شعره أداة لكسب المال. في عصرنا الراهن، تغيّرت الحال بالطبع وتطورت المقاييس لتطغى القيمة الأدبية على تلك المادية، وتتسامى بها الجائزة إذا كانت صادرة من جهة عريقة ترعاها، رفيعة المستوى وذات سمعة طيبة في الأوساط الأدبية. منح الجوائز على الاعمال الإبداعية بشكل عام، سلوك حضاري يشجع على الإنتاج والإبداع والعمل الهادف المخلص كما يجري في البلدان المتحضرة، ولا نتكلم هنا على الجوائز المحكومة بعوامل سياسية او دينية وعرقية. هذا في البلدان المتحضرة، فما الذي يجري في بلداننا العربية؟ هل هي فعلاً كما قرأنا في أكثر من مكان: الجوائز الأدبية العربية بين سياسات الحكومات وتسلق الأثرياء! الجوائز الأدبية ترقيع مرتعش لثوب مهترئ! الجوائز الأدبية محنة التنويم الثقافي. الجوائز الأدبية والاقتراب من الهاوية. الجوائز الأدبية كوميديا سوداء!
هل الصورة قاتمة الى هذه الدرجة مع ان تشجيع الإبداع كان أمراً موجوداً في كل المجتمعات وفي كل الأزمنة، وحتى الأمس القريب شهد عصر النهضة جوائز حظيت باحترام وتقدير واسعين. ما الذي يحدث على مسرح الجوائز وفي كواليسه الآن؟ وهل للجوائز جانبها المتشكك المظلم فحسب، ويشبه في حال أكيد حالنا السياسية والاجتماعية والثقافية المتردية.
عن سؤال واحد لا غير: ما الذي تراه في الجوائز الأدبية، وهل يعنيك منها شقها المعنوي او المادي؟ اجابنا الروائي المصري عزت القمحاوي، والشاعر المصري عماد فؤاد، والشاعر المصري كريم عبد السلام، الكاتب الفلسطيني عماد خشان.
عدم العدالة
الروائي والصحافي المصري عزت القمحاوي يرى انه من قبيل الكذب، ان يقول كاتب انه لا يهتم بتقدير عمله، والجوائز احد اشكال التقدير، وفي الوقت نفسه لا احد يرفض ان يكون لكتابته مردود مادي سواء جاء من حقوق النشر او الجوائز. هذا عن المبدأ بشكل مطلق، لكن الجوائز العربية يشوبها الكثير من عدم العدالة مما ينزع عنها قيمتها المعنوية. لا أحد يعتد الآن بالتقدير الأدبي الذي تمنحه الجوائز، بينه وبين نفسه على الأقل. ويبقى الجانب المادي الذي يحتاج إليه كل البشر، وبالنسبة إليّ «يمكن ان يحقق الفوز باليانصيب الغبطة نفسها التي يمكن ان تحققها الجائزة الأدبية».
في الحقيقة ـ يضيف القمحاوي ـ لا توجد جائزة فاسدة وجائزة صالحة على طول الخط. مانحو الجوائز، سواء كانوا دولاً او أفراداً لديهم بعض الأهداف من وراء منح الجوائز، لكن من الواضح ان الحصة الأكبر من فساد الاختيار تقع على عاتق المحكمين، وبالتالي فإن نتيجة كل دورة من اية جائزة، مرهونة بنزاهة لجنة محددة في عام محدد.
الإجابة الهادئة حتى اللحظة، التي أتت من الروائي القمحاوي، توازت مع حكاية لطيفة حكاها لنا الشاعر المصري عماد فؤاد (يعيش في بلجيكا)، يقول فؤاد: في مارس من العام 2007 اعلنت في بلجيكا وهولندا نتائج جائزة «البومة الذهبية» التي تقدر قيمتها بـ25 ألف أورو، والتي كان التنافس فيها في تلك السنة بين خمسة أسماء، أربعة من الروائيين الشباب وروائي وشاعر واحد كبير اسماً وقامة وسناً وأثراً في الأدب المكتوب باللغة الهولندية هو الشاعر والروائي الهولندي ريمكو كومبرت (1929)، ومن بين هذه الاسماء الخمسة نال الروائي الهولندي الشاب أرنو نغرونبرغ (1971) الجائزة عن روايته «Tirza» متفوقاً بذلك على اربعة اعمال روائية اخرى لكل من الروائي والشاعر البلجيكي توملانواه (1958)، والهولندي كريستيانو ايتس (1976) والبلجيكي ديميتريغير هولست (1972) وريمكو كومبرت ذاته!
طيّب يسأل فؤاد، لنفترض ان جائزة عربية ما، اعلنت عن ترشيح خمسة اعمال روائية جديدة كي تتنافس على نيلها، ومن بين هذه الأسماء، روائي كبير، اسماً وسناً وقيمة وأهمية، اما المتنافسون الاربعة الآخرون فمن الشباب، إلى مَنْ من هؤلاء تذهب الجائزة؟ المؤكد، بحسب المعايير العربية السائدة، ان تذهب الجائزة الى هذا الكاتب الكبير، بغض النظر عن استحقاق عمله المرشح للجائزة أم لا، ذلك لأن الجوائز العربية عادة ما تلتفت الى معايير اخرى غير قيمة الأعمال المرشحة وأحقيتها في التنافس في ما بينها.
ثمة الكثير من الحقيقة في ما قاله الشاعر عماد فؤاد، والكلام هنا ليس لنا، بل ان نظرة متأملة الى تاريخ جوائزها، ترى تطابقاً بين ما قاله فؤاد، وما أورده في متابعته المتأنية لسير الجوائز الأدبية ودوراتها عندنا.
المكافأة
الشاعر والكاتب المصري كريم عبد السلام يرى ان هناك جانبين للسؤال حول الجوائز الأدبية، ووجودهما يجعل اجابته عن سؤال التحقيق الجاري هنا، بالايجاب وبالسلب معاً. الجانب الاول يعنى بالجوائز في العالم من حولنا: نوبل، غونكور، بوليتزر، بوكر، وغيرها من الجوائز المرموقة التي ننتظرها بشغف عاماً بعد عام متطلعين الى ما تقدمه من كتّاب وإنجازات أدبية. من الاشياء التي اهتم بها كريم عبد السلام وما زال، تلك الكلمات التي يدونها كبار المبدعين عن إنجازهم، وما تحمله من استبطان في دواخلهم ونظر لصناعة الشعر والنثر، والطريق التي سلكها كل منهم نحو اكتشاف دروبه الخاصة وتقنياته… هذه الخبرات المقطرة، مثلت بالنسبة إلى عبد السلام اضاءات مهمة في الصناعة الأدبية وارتبطت دائماً بالجوائز الكبرى، لذا يمكن لعبد السلام القول انه معني ومهتم بتأثير الجوائز على النتاج الأدبي.
الجانب الثاني ـ يقول عبد السلام ـ يتعلق بالجوائز في العالم العربي، وحالها، كما هو معروف، بائسة وتكشف عما تعانيه مجتمعاتنا العربية من فساد وترد، فالجوائز الرسمية التي تمنحها وزارات الثقافة في هذا البلد العربي او ذاك، تمنح اما على سبيل الهدية والمكافأة للمحسوبين على الانظمة المانحة، او تمنح بمنطق بيروقراطي ضد الابداع نفسه مثل منح جائزة تشجيعية لشيخ تجاوز الستين، او لعجوز على فراش المرض حتى تنفق من اموال الجائزة على علاج مرضها، ومثل هذه الأوضاع المقلوبة تفرغ الجوائز العربية من مضمونها وتجعلها وصمة بدلاً من ان تكون تقديراً.
الجوائز الوصمة والجوائز الهبة والجوائز الصدقة والجوائز مكافأة الولاء ـ يقول عبد السلام ـ جعلت ما وراء قرار منحها من صراعات وصفقات ومؤامرات وصغائر ونميمة، الشيء الأكثر جاذبية في سهرات الأصدقاء من المثقفين، غير ذلك لست معنياً لا بالمعنوي في الجوائز ولا بالمادي منها.
العلاقات العامة
الكاتب عماد خشان (يقيم في نيويورك) يرى ان الجانب الأهم في الجوائز هو ذلك التقدير المعنوي والمهني الذي يأتي ممن هم أهل اختصاص وخبرة. الممثلون يحلمون بالأوسكار، والأدباء بجائزة نوبل او غونكور او جائزة بوكر التي صار لها الآن فرع عربي. المشكلة تبدأ حين تصبح الجائزة هدفاً وأرقاً نسعى للحصول عليها مهما كلف الأمر، ومهما اضطررنا لمساومات ومناقصات. المشكلة أيضا اننا لا نترك للجوائز ان تأتي إلينا، بل نضيع وقتنا في العلاقات العامة وفي دعاية تسويق أنفسنا بدلا من ان نترك أعمالنا تتكلم علينا. ولعل أسوأ ما في الجوائز، التي من المفترض ان تكون مناسبة سعيدة للاحتفاء بعمل وشخص أديب، او شاعر، هو موسم ما بعد اعلان النتائج حين تبدأ التشهيرات والإهانات. الأسوأ، حين يكشف اشخاص لا نكن لهم عادة إلا كل التقدير والاحترام، عن جوانب من شخصياتهم اقل ما يقال فيها انها مخيبة. المحزن ان نرى كتاباً كباراً ينقلبون أطفالاً صغار لا يعرفون كيف يخسرون بكرامة او يربحون بتواضع. أن ينال شاعر مثل ت. اس. إليوت جائزة نوبل على ما قدمه من تجديد وتطوير في الشعر الانكليزي شيء، وان ننقلب على أنفسنا ونشهر بأهلنا وتاريخنا وأوطاننا وغيرنا كطريق للوصول الى الجائزة هو أمر مختلف تماماً وهو أمر يستحق جوائز سياسية لا أدبية.
تصوروا ـ يقول خشان ـ لو ان العالم المصري أحمد زويل الذي نال جائزة نوبل للكيمياء ترك أبحاثه العلمية وتفرغ لمهاجمة النظام والتخلف في مصر وغيره من انظمة القمع العربي، لعله كان سينال جائزة للكيمياء، لكنها لن تكون جائزة نوبل. سوى ذلك كلها جوائز ترضية وطقاطيق بلاستيكية مذهبة تجلس على الطاولات تجمع الغبار من عمل ليس إلا هباء.
عماد فؤاد يعود الى اسئلته: تسألينني عن الجوائز العربية، فلا أجدها، اين هي هذه الجوائز؟ لا اعثر على جائزة عربية محترمة للشعراء، هناك جوائز في كل بلد، لكنني لم اعد أثق بشيء، المشكلة تكمن في العقلية العربية التي تمنح هذه الجوائز، فهي اما تنشئ جائزة باسم احد الشعراء المكرسين الراحلين وتبدأ في منحها على طريقة «توزيع الزكاة» على الشعراء المحتاجين، وإما جوائز تابعة لوزارات الثقافة العربية التي لا تعرف عن الثقافة شيئاً، او جائزة خليجية تحمل احد الاسماء الغنية هناك والتي خيّل لصاحبها في وقت ما انه يملك موهبة رص الكلمات بجوار بعضها البعض، متتبعاً احد بحور الشعر العربي، فصدّق نفسه وصدقه الآخرون!
جائزة للشعر
بهذا المعنى، لا يعتبر عماد فؤاد ان هناك جائزة عربية (محترمة) للشعر، ربما هناك جوائز للأشكال الإبداعية الاخرى، لكنه أيضا لا يحترمها، وعن نفسه يقول فؤاد: «اتمنى لو تكون هناك جائزة عربية للشعر على غرار الجوائز الاخرى الموجودة للرواية مثلاً، والتي تجعلني أرقام جوائزها الفلكية ادخل في دوامة من أحلام الثراء المؤذية جداً. إذاً، فلتذهب القيمة المعنوية للجائزة الى الجحيم، ما دامت كل الجوائز سمك لبن تمر هندي، ولتحيَ ثقافة البنكنوت.
الهدوء الذي شاب اجابة القمحاوي، اعقبته ملاحظات في عمق معنى الجوائز الأدبية، يقول عزت: «هناك عيب تشترك فيه معظم الجوائز العربية وهو اشتراط تقدم المبدع بأعماله للجائزة، وهذا لا يناسب كرامة الكتابة. من المفترض ان تكون لجان الجوائز على اطلاع بما يصدر وان تختار من تلقاء نفسها مع ترشيحات الهيئات والناشرين، لكن حتى الجوائز في الدول العريقة مثل مصر ولبنان والمغرب سارت وراء مخاوف المانحين الخليجيين الذين يشترطون موافقة الكاتب مسبقاً لتحاشي بيانات الرفض، رغم ان هذا الإجراء الاحتياطي لم يمنع بعض الفائزين من مهاجمة تلك الدول وجوائزها بعد الفوز. ومن هذه الزاوية تحديداً، احب ان أدافع عن جائزة «البوكر» التي رميت بكل الأحجار، فهي تتلقى ترشيحات الناشرين ولا ترغم الكاتب على كتابة استرحام وإقرار، ومصدر الهجوم عليها يأتي في جانب كبير منه بسبب حيويتها، فهي مفتوحة لكل الاعمار، وتتعامل مع كتب وليس مع اسماء أصحابها، ولا ترتب بحسب السن والأقدمية كما في الجندية.
انفتاح البوكر على الشباب ـ يختم عزت ـ يجلب عليها الهجوم، لأن الشباب لديه القدرة على الانتقاد والصراحة بأكثر مما يستطيع الشيوخ في الجوائز المنذورة لهم مثل العويس وزايد، ومن لا يصبه الدور هذا العام يفضل التريث ليحصل عليها في قابل.
السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى