حرية الفرد ” المواطن السوري”!
فلورنس غزلان
وضعت كلمة المواطن السوري بين قوسين، وذلك تجنباً للبس وحفاظاً على المكانات والطبقات، فلا يجوز الخلط بين الزيت والماء، كما لايجوز اعتبار أبناء الست بنفس المكانة التي يحظى بها أبناء الجارية، لهذا ارتأينا أن نفصل بين السادة والعبيد، بين طبقة النبلاء، وبقية الرعية ممن خصهم الله دون البرية بهذا البلاء ، فهل من دواء وشفاء لمعضلة عمرها أربعة عقود مازالت تصيد وتسود؟! ، وبما أن الموضوع المطروح له علاقة بتلك الكلمة المبهمة…في عالم ” المواطن السوري”…الحرية..فمن الواجب علينا نحوه ، بما أنه منا ونحن منه…علينا التلويح والتوضيح كي لاينزلق أحد منكم في منزلق يأتي بأجله قبل أوانه..وكي لايقع أحد منكم في قبضة من لايرحم من طواقم تزداد مكاتبها ومحاسبيها وأصنافها وتلاوينها، المجهزة والموظفة من أجل استقامتكم!…من أجل ” حرياتكم العامة والخاصة” ..فقلت في نفسي…بما أنه تسرب لي من مصادر موثوقة معنى أن يكون المواطن حراً، ويمارس حريته دون أن يقع في المحذور أو تطاله عواقب الأمور..فعاهدت النفس أن أكشف لكم عن هذه القواعد كي تجنبكم الاصطياد أو المطاردة من كلاب البوليس السري القابعة في كل زاوية من بيوتكم والمراقبة لحركاتكم وسكناتكم.
ــ أيها المواطن السوري ..أنت حر ومن قال لك أنك لست حراً؟!..فأنت حر بأن تصرخ..لوحدك دون صوت ..وداخل الحمام.
ــ أنت حر أن تظل طيلة حياتك صغيراً لايكبر، قاصراً لايعقل، حتى لو رأيت العالم من حولك ينضح ويكبر..فلا تقف مذهولا كي لاتتبخر.
ــ أنت حر أن تشعل النار..في بيتك وأن تصرخ ملء فمك بوجه زوجتك وأبنائك ، أن تضربهم الواحد تلو الآخر وتفش خلقك بهم كما يحلو لك، فكل قوانين البلاد تقف معك..كلها ذكورية من أجلك أيها الفحل في البيت فقط…فلا سلطة لك خارج حدوده ولو بمتر واحد.
ــ أنت حر بالتزمير والتطبيل والتهليل…لاكيفما يقول لك عقلك ، بل بالضبط تماماً كما يملى عليك..من فوق..من هناك…حيث تمسك رقبتك ورقاب الرعية مثلك.
ــ أنت حر، ومن قال لك أنك لست حراً في أن تقول للقمر قم وسأجلس مكانك فأنا أجمل منك والذي يليق به أن يكون قمراً منيراً، لكن لاتنس أن هناك أقماراً وشموساً لاتغيب ولا يمكن لأي شخص مهما بلغ جماله ومكانته أن يأخذ مكانها..فهي الثابت وأنت المتحول.
ــ أنت حر في أن تحصل على ترفيع وتسوي أوضاعك ..إن أحسنت تمسيح الجوخ وأتقنت النفاق والتزلف لمن هم أرفع منك منصباً وأطول باعاً وذراعاً ــ ” تدخل هنا وهناك في الجيوب وفي الصناديق، في الحسابات والنفقات ، في المصاريف والتصريفات” ــ..احذر فلا تقنع نفسك بأنك حر أن تترفع من باب الاقتناع بأنك جدير ومؤهل…وقدير ومؤمن بما قاله القانون والعرف أن ” الرجل المناسب في المكان المناسب”، فالمكان المناسب هنا لاينطبق على جميع المؤهلات وحاملي الشهادات والقدرات ، ولا المتفوقين في العلامات الدراسية والسلوكية، إنه يدخل في حسابات غير حساباتك ..وفي مجالات غير مجالاتك، فإن أتقنت بفضل مواهبك الاستثنائية الأخرى ما يراد منك عمله كي تصبح مناسباً يليق بمقام الترفيع ويحسن الترقيع في مسائل تخص الجميع من آل الغش والبخشيش البديع…حينها وحينها فقط تفوز وعلى أعلى المناصب تحوز..فالمكان المناسب هنا يخص الحكومة في الرد على العدوان..وهذا ليش شأنك كمواطن…فطين ونبيه يحسن من أين تؤكل الكتف.
ــ أنت حر في أن تركب المواصلات العامة من سرافيس ” الجرادين والخنافيس” أو باصات السفر برلك..تسير الهوينا دون أن تتوقف وعلى البنزين سائقها يدوس…فعليك تعلم العربشة وإتقان الضحك والفرفشة، في لحظة العصر والدفش أو الفصل والرفس..من أبضاي حاله يشبه حالك لكنه منفاخ باعتباره حضر واستُحضِر من بلاد واق الواق…إلى عش البراق والوقواق..ليُستخدم ملطشة وممسحة في بيوت الحراسة والفراسة..ويتسلبط عليك وعلى أمثالك في لحظة الازدحام واللطام..من باصات إلى ترام، ويحلف بأغلظ الايمان عليك الحلال وعليه الحرام إنه من أهل الشام ناصبي الخيام على ضفاف بردى الناشف وروافده وملحقاتها من نفايات أولاد الست وبقايا موائدهم العامرة..ليقتات عليها أبناء الجارية الفاجرة، الذين لايشبعون من الشكوى ومن البكاء والاستعطاف للحصول على رثاء وحسنات أهل النعم وزكاة أهل الكرم والإيمان
ــ أنت حر في السكن بالعشوائيات، أو بالخيام..أن تهجر قريتك لتصبح من سكان المدن…لأن قريتك جف ضرعها ولم تعد تروى أرضها..واحذر …السماء هي السبب…فلم تَجُد عليك بالمطر ولا بالسُحُب..أما حصتك من الحكومة من ماء وكهرباء ودواء…فأنت من يكفر بالنعمة ويهوى ” عيشة الحرية” في مضارب الخيام البدوية…فما دخل الحكومة في هواياتك الشعرية أو النثرية؟.
ــ أنت حر وتملك كامل الحرية في التعبير عن مكبوتك ورغباتك وأنت نائم..تحلم وترى الكوابيس كما يحلو لك تقفز من فراشك ملدوغاً مرعوباً..فهذا هو المطلوب والمرغوب لتكون المواطن الصالح المحبوب..تعلم الصمت والكبت والخرس في بلاد التطويع والتركيع لأنها وسيلتك للعيش الذليل ووسائلهم في السيطرة على الإنسان المتبقي فيك..وعلاقتك بالحياة لاتتعدى حدود الوهم بإنسانيتك.
ــ لك كامل الحرية في أن تقتني هاتفاً محمولاً..تسجل فيه اسمك ورقم هاتف أمك وأبيك وأخوتك وأشقاءك فقط ..لو كنت ذكياً حريصاً..فهذه وثيقة تحتاجها في أي دقيقة من دقائق التفتيش والتنبيش على أصلك وفصلك في أي سفر ولو قصير بين مدن وقرى الوطن الآمن المسالم!.. الحريص عليك من ألاعيب ابليس العدو المتربص للايقاع بك عميلا وجاسوس ، متعاوناً معه دون علمك ودرايتك!…أما إن سجلت أرقام أصدقاءك وأحبابك…فقم بإلقاء محمولك في أقرب فوهة من الفوهات المفتوحة لمجاري الصرف الصحي المنتشرة في مدينتك…قبل أن يلقى القبض عليك متلبساً بالصداقة والعلاقة مع جارك أو زميلك السجين السابق أو المُوَقع على بيان يدين الحكومة ويشكك بتقصيرها..بحصر سعر كيلو البندورة بستين ليرة فقط..أن تأكل بندورة أو لاتأكل لايهم..فعليك الحذر من مصادقة هؤلاء …لخطورة صداقتهم على الوطن وأمنه.
ــ لك كامل الحرية أن تضع لبيتك أكثر من باب وتكثر من النوافذ المطلة على معالم الوطن، ولا يهم أن تكون ستائرك سميكة أم رقيقة فأشباح شيوخ الطريقة يصحون في الليل وينامون في النهار…يجوبون الطرقات ويشمون روائح الطبخ في البيوت..ولهم من كل بيت نصيب..ويعلمون علم اليقين أنك كاتب بالحبر السري على بابك ” الحيطان لها آذان”..فتعلم الهمس وتغزل بزوجتك بالإشارة أفضل من العبارة..فسجلك بأيدي أشباح الشيوخ…يجب أن يبقى أبيضاً ناصعاً كمواطن حبوب صالح وطيوب.
ــ أنت حر أن ترتدي من ” البالة” وأن تأكل من ” الزبالة”أو حتى تأكل التراب..أليس تراب الوطن غالي؟ لهذا تحبه لدرجة أكله بدلا من اللحم والعسل والسمن واللبن..المهم أن تفهم معنى كلمة” خوف، صمت، سكوت” تطبق فمك وعيونك وآذانك عندما تكون مولوداً في بقعة من أرض الوطن السوري محكوماً بحكومة دائمة في عزها وبقاءها فوق رأسك وراس أبوك.
ــ أنت حر في أن تفخر بعروبتك وانتصاراتها سابقاً عبر التاريخ التليد والحاضر ” الرغيد”!..خاصة منذ تسجيل اسكندرون في باب الهبة والهدية لجيران لنا معهم عهود ووعود..أمجاد لا أحقاد..مياه مشتركة وأخوة وَرَقية مفبركة..نحتاجها اليوم من أجل السلام وعودة مايسمى” بالجولان”..ــ إن كنت مازلت تذكره أو قرأت عن قراه ومدنه في الجغرافيا والتاريخ في مناهجنا الوطنية العظيمةــ !..أما لو تجاسرت وقلت أنها خسارة وضياع ونكبة..فعلى عيون أهلك ستأتي بالمصائب والنكبات ..ففي كتب التاريخ التي يقرأها ابنك وحفيدك منذ عهد القيادة الرشيدة..أننا خسرنا المعركة…لكننا لم نخسر القيادة..وهذا ماكان يخطط له الاستعمار والامبريالية…فقد دحرنا مخططات العدو وأجهضنا محاولاته التآمر على الحكومة…فربحنا معركة الحكومة…وبفضلها سيعم السلام المنطقة ويعود الجولان…بدون أن نطلق طلقة واحدة ولا أن نسيل نقطة دم واحدة من دماء شعبنا الزكية الطاهرة…ألا ترى كيف تحرص الحكومة على حياة أبناءها؟…فلا تقع في مصيدة العدو ومكائد الاستعمار…كن حراً في الوقوف والدعم ورص الصفوف وراء حكومة السلام.وأيد مساعيها ..لتعتبرك الابن البار للنظام.
ــأنت حر في جنونك…في مغامرتك العاطفية وغزواتك النسوية..وليركب جنونك البحر يغادر وينفى لايهم..تغرق أو تموت حسرة في غربتك..المهم ألا يصل صوت جنونك للداخل وألا يغزو الشوارع ويصل لمسامع من يقبعوا هناك…فوق قمة قاسيون.
اغزو حيث تريد واصطد الأسماك الصغيرة والكبيرة من نساء الداخل في الوطن الأشم كما تحب وتشاء، فقد كرست لك الحكومة كل القوانين الشرعية التي تحمي ذكورتك وفحولتك الشرقية من عهر وغواية المرأة ومكيدتها المتربصة بك…فمن يدريك أن أبليس الغرب غالباً مايدخل من خلال عقل المرأة( القاصر) للايقاع برجال الإيمان والعصمة…كي يبتليهم بالتفرقة والشرذمة..فاضرب دون أن تكسر عظماً أو تسيل دماً وربي نساء الوطن على الخضوع والسجود لأزواجهن الميامين…كي ينصروا الوطن في كل الحقول والميادين، وهكذا تضمن الحكومة نصف الوطن بأيديها والنصف الآخر تحت سيطرتها.
ــ أنت حر في أن تكون أرعناً غبياً تضرب بمهاميزك اللغوية خواصر الصديق والشقيق قبل العدو، كي تمهد الطريق أمام نفوذ الحكومة للتدخل في شؤون المنطقة وتمد ذراعيها على مساحات أكبر وملايين أكثر..وبهذا تدخل التاريخ النظامي كمواطن يختم ويبصم ويدعم ” حكومة الوطن”…لأنها خير خيار…لمواطنين لايحسنوا الاختيار.
ــ أنت حر في أن تزهد من الحياة وتزهق روحك فتنتحر وتسبق الموت إليك، ولو مت من غضب لم تستطع الإفصاح عنه ..فستفوز بالترحم عليك وتقال فيك الأشعار..وتدفن كما يدفن ” المواطن الصالح البار”..
ــ كن حراً في نسيانك ، انس كل شيء حولك..انس حتى نفسك ، وتذكر فقط أن تأكل لتعيش، وأن تنام كما تنام الأنعام، وأن تخور كما تخور الثيران، وأن تضاجع كفحل…وأن تموت وحيداً من القهر.
ــ أنت حر في النهاية أن تخالف فتختار طريق السجن من أجل ماتؤمن به ، وهنا تبدأ مشوار حريتك وحرية الإنسان في وطن لايحتمل بعد حياة العبودية وتسيير الشعب كما القطعان.
ــ باريس 08/10/2010
خاص – صفحات سورية –