صفحات من مدونات سورية

شظايا.. XV

إن أجمل ما يمكن أن يحدث لمجنونٍ هو أن تحمله الحياة إلى مصادفةٍ تجمعه بمجنونٍ آخر (أو مجنونة) من نفس مدرسة الجنون, ليكتشف فجأة أنه, رغم اعتقاده الراسخ الذي زاد من جنونه يوماً ما, ليس وحيداً في عالم الجنون. هذه قد تكون إحدى النهايات السعيدة لقصة حياة مجنون.. النهاية السعيدة الأخرى تكون في أن يحلّ على قومٍ من العقلاء فينجح في شفائهم من علّتهم هذه, ثم يودي بهم إما إلى الهلاك بتعاسة أو إلى الهلاك بسعادة..
أعتقد أن النهاية السعيدة الثانية يمكن أن تنفع كتعريف للفكر الشمولي..
عدا عن هذه النهايتين السعيدتين.. حياة المجنون موسومة بالوحدانية ككل المبدعين, أو.. حياة المبدعين موسومة بالوحدانية, ككل المجانين
..
لا أدري أيّ الكتابات أفضّل.. أتلك التي تُخطّ بتأنٍ و عناية و تطرز كالمنمنمات أم تلك الأخرى التي تكتب بسرعة و ألم و كأن القلم جمرة مشتعلة تحرق أصابع الكاتب.
..
لا أؤمن بالحدود بشكل عام, لكن هناك حدودٌ لا أؤمن بها أكثر من لا إيماني بحدودٍ أخرى, و لعل الحدود التي يتعصّب لها البعض أكثر هي بالذات تلك التي لا يؤمن بها عدد أكبر من الناس.
لا أؤمن بالحدود و لا أثق بمن يتعصّب لها.. من يصاب بالهوس بالحدود ينسى ما بداخلها, و من ينشغل بمن يدخل الحدود و من يخرج منها ينسى ما تتضمنه و من تتضمنه.. عدا عن ذلك, الحدود هي أحد أكبر الأوهام القادرة على إشغال الملايين.. و إشعالهم.
الحدود قد تكون خطوطاً في خريطة, قد تكون صورةً مسبقة في ذهنٍ قاصر.. قد تكون كلمة, قد تكون صمتاً, للأسف لا حدود للأشكال التي يمكن أن تتخذها الحدود!
..
للانتصارات آباء.. للهزائم أبناء
أبوّة الانتصارات امتيازٌ رفيع, بينما بنوّة الهزائم فرضٌ من استبداد القدر.. و في أحد أيام التاريخ رأى أحدهم أن هذا القانون الطبيعي وبالٌ على آمال الشعوب و رغباتها و مشكلة لمن يريد أن يمتطي هذه الآمال و الرغبات فاخترع أسطورةً عن طائرٍ ناري يخرج من رماده, أي أنه, و يا له من شرير, أراد أن يوهم أبناء الهزيمة أن تحوّلهم إلى آباءٍ للانتصارات ممكن بسهولة. هذا وهم, و لو لم يكن وهماً لما تحوّلت قصّة عن نارٍ تخرج من تحت الرماد إلى أسطورة تسرقها الحضارات من بعضها البعض.. هل سمعتم يوماً عن أسطورة تتحدّث عن غليان الماء عند وصوله إلى مئة درجة؟ الظواهر الطبيعية ﻻ تتحوّل إلى أساطير.. و وجود أمثلة مكتوبة بالذهب في التاريخ عن أبناء هزيمة تحوّلوا إلى آباء نصرٍ ﻻ يكذّب كلامي هذا بل يؤكده, لو لم يكونوا استثناءاتٍ في قاعدة لما اهتم التاريخ بوشم جسده بأسمائهم.. أم أنكم قرأتم في كتب التاريخ عن أناس عاديين (أو عن مهزومين)؟ أكرر.. الظواهر الطبيعية ﻻ تستحق التنويه.. ﻷنها طبيعية!

عذراً للتشاؤم.

http://www.syriangavroche.com/

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى