صفحات من مدونات سورية

يوم عمل مع الصليب الأحمر

من يعرفني جيّدا ً يدرك ُ تماما ً رغبتي الدائمة لأن يكون َ برنامجي اليومي ّ مليء بالأحداث و مفعم ٌ بالواجبات ، فهذا هو تعريف ُ اليوم ِ الجيّد بالنسبة إلي ( أن أنجز َ فيه قدر المستطاع ) . و لذا و بالرغم من التزامي في الدوام الجامعي و العمل إلّا أنني أبحث ُ منذ ُ فترة ٍ عن مجال ٍ ما أستطيع ُ التطوّع به دون التضارب بينه و بين َ إلتزاماتي الأخرى.
و بعد َ طرق العديد من الأبواب تمكنت ُ مؤخرا ً التطوّع في الصليب الأحمر الأميركي ّ في شيكاغو . و نظرا ً لأن ّ خبرتي ما تزال ُ محدودة ً جدّا ً فقد تمّ قبولي في فريق إيقاف الحرائق الذي لا يحتاج ُلخبرة كبيرة ، فهو يختلف ُ تماما ً عن عمل رجال الإطفاء ، بل و تأتي مهمته ُ قبل َ مهام رجال الإطفاء .
يتضمـّن العمل على الدخول إلى منازل بعض الأحياء التي تعتبر من الأحياء ذات نسبة الحرائق المرتفعه ( و التي هي في الغالب أحياء فقيرة جدّا ً ) و الحديث مع العوائل حول َ كيفيّة تفادي وقوع الحرائق و من ثم ّالقيام بجولة سريعة في منازلهم للتأكد من عدم وجود ما يلفت ُ النظر و يشكل خطرا ً قد ينشب عنه حريق و من ثم ّ القيام بالشرح حول َ مجموعة من أدوات إطفاء الحريق و الإسعاف الأوّلي و كيفية استخدامها قبل َ إعطاء كلّ عائلة مجموعة أدوات لإطفاء الحرائق الأولية و الوقاية منها.
كنت ُ ، بعد تدريب بسيط و مشاهدة فيديو ، قائدة للفريق و أصغر المتطوعات ، مما جعلني أشعر ُ ببعض الخجل من إخبار سيدات بعمر والدتي ( فرقي كان فريق نسائيّ فقط) حول َ ما يجب عليهن ّ القيام ُ به و هنّ ينظرن إلي ّ و يبتسمون لحماستي !!
بدأ العمل الساعة التاسعة صباحا ً و إستمر ّ حتى الـ 11 و النصف تقريبا ً .. توزعت المهام على تسعة فرق ، دخل كل ّ فريق ما يقارب الخمسة منازل. و في المنازل الخمسة التي دخلتها جميعا ً كان هناك َ ما يدخل ُ عميقا ً في داخلي و يحرّك ُ في ّ شيئا ً إنسانيّا ً لا يشبه الشفقة أبدا ً بل هو غاضب و ثوريّ و حزين ؛ المرض ، الموت ، القدم ، التعب ، الحديث عن العصابات ، الخوف من خروج بعض الأبناء من المنزل كي لا يتم ّ قتلهم من قبل ٍ بعض العصابات المعادية .
بعد َ أن إنتهينا من توزيع كامل المعدات و الحديث عنها ، تناولنا الغداء و انطلق كل ّ إلى منزله ، و منذ ُ تلك اللحظة و حتـّى الآن لا يمكنني التوقف عن التفكير فيما رأيته ُ ، أعلم ُ جيّدا ً بوجود الفقر و المرض و التعب و كل ّ ذلك و لكن رؤيته ُ تجربة مختلفة تماما ً ، تجربة تولـّد ُ الرغبة الفوريّة بصنع المعجزات. نظرت ُ إلى نفسي بسخرية بعدها ، ليس َ لأنني أتمتع ُ برفاهيّة مفقودة لدى الكثيرين و لكن لأنني مهما إقتربت ُ و حاولت ُ الإقتراب للتوحد مع انسانيّتهم ، اصطدمت ُ بحواجز كثيرة ، اجتماعيّة و ثقافيّة و فكريّة و ربما عنصريّة.شيئ عميق في داخلي تغيّر بعد َ هذا الصباح، لا أعرف ُ ما هو َ و لا أعرف ُ كيف َ يتغيّر و لكنّه ُ الآن يشبه ُ الأرض َ بعد ليلة ٍ ممطرة ، ناعم ُ الملمس ، مفعم ٌ بالرطوبة و الكسل لكنـّه ُ قادر ٌ إذا ما حاولت َ التمرّد عليه ٍ أن يبتلعك غضبا ً !!
لذا لم أحاول التمرّد عليه ، تركت ُ له ُ أن يلعب َ على أفكاري طوال اليوم و ها أنا ذا أحرره ُ أفكارا ً عشوائيّة ً فربما كان الحديث ُ عنه ُ قادرا ً على تحريره ِ من رأسي و حسب .
سأذكر ُ في هذا الصدد بعض إجراءات السلامة التي ربما كان على الجميع معرفتها لتفادي الحرائق ( فقط بعض الأمور التي قد تغيب ُ عن الأذهان و ليس َ البديهي ّ منها كعدم استخدام الأدوات الكهربائيّة في المناطق الرطبة أو إبعاد المدافئ عن الملابس و غيرها من البديهيات ) :
. التأكد دائما ً من الحديث مع أفراد العائلة حول َ نقطة تجمـّع خارج المنزل و لكن قريبة منه ُ في حال حدوث حريق لتسهيل عمل رجال الاطفاء : ربما لا تكون هذه الخطوة مفهومة دائما ً بالنسبة للجميع و مهملة غالبا ً و لكن ّ عندما تتفق العائلة على نقطة لقاء ، في حال حدوث حريق سيجتمع أفراد تلك العائلة في تلك النقطة ( و لتكن مثلا ً أمام دكان ٍ ما أو مكتبة أو حديقة بالقرب من المنزل ) و عند حضور رجال الأطفاء سيعرف الأهل و رجال الأطفاء إن كان العدد كاملاً أم أن ّ هناك أشخاص مازالوا داخل المنزل بحاجة إلى إنقاذ قبل َ إطفاء الحريق.
. غالبا ً ما نسمع عن وفاة أطفال ٍ في حرائق في أثناء غياب الوالدين لذا الحديث مع الأطفال في هذه المسألة مهمّ جدّا ً، فالأطفال لا يقدرون َ حجم َ الأخطار دائما ً لذا قد يحاول طفل البحث عن أمـّه أو لعبته أو الخوف و البكاء و الإنتظار في الوقت الذي يجب عليه ِ الهرع خارج المنزل .
. تحديد مخرج احتياطي في حال تعثـّر الوصول إلى المخرج الرئيسي، بمعنى الإتفاق بين أفراد العائلة على اسهل المخارج الثانويّة (نافذة تطلّ على نافذة مقابلة ربما كان القفز منها أقل ّ خطورة من غيرها ) القيام بتحديد مثل هذه التفاصيل البسيطة في سلام أفضل بكثير من الإنتظار حتـّى وقوع الحادثة و وفاة بعض المقربين و الأحباء.
. في حال حدوث حريق ، لا تركض و حاول الزحف على الأرض حيث ُ أن ّ الهواء الملوّث يتجمـّع في الأعلى.
. دائما ً قم بوضع نسخة إحتياطيّة من جواز السفر و الأوراق الثبوتيّة و غيرها في حقيبة يد صغيرة سهلة الحمل في حالة الطوارئ.
و ليحفظ الله الجميع سالمين !

http://www.freesham.com/2010/10/blog-post_10.html

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى