عن مجتمعنا الذي بلا شرف
مدونة خربشات
من الأشياء التي تبهج القلب هذه الأيام هو الاهتمام الذي يبديه البعض من المدوّنين السوريين باليوم العالمي للتضامن مع ضحايا جرائم الشرف، في 29 من تشرين الثاني وهو ذكرى اليوم الذي تمّ فيه إطلاق سراح شابٍ قتل أخته المدعوّة زهرة في جريمة شرف.
وجريمة الشرف هي مصطلح في القانون السوري يخفف عقوبة من يقوم بقتل أخته أو زوجته أو أمه لداعٍ شريف إلى سنتين ونصف سجن في حدها الأقصى.
هكذا إذاً يعاقب القاتل بعقوبة مخففة لمجرد ادّعائه تنفيذ جريمته بداعي الشرف في مجتمع أقلّ ما يقال عنه أنه بلا شرف.
نعم مجتمعنا ( لا بل مجتمعاتنا العربية بأسرها) بلا شرف. فمجتمع يبرّر لمجرمٍ قتل امرأة بداعٍ شريف ويسكت عن مئات قضايا الفساد التي تتآكله وتفقره وتجوّعه، هو بالتأكيد مجتمع بلا شرف.
مجتمعنا بلا شرف، فمجتمع يغضّ الطرف عن تضاءل حقوقه السياسية وحرياته يوماً بعد يوم، ويتمرجل على نساء ضعيفات هو مجتمع بلا شرف.
مجتمعنا بلا شرف، فمجتمع يفاخر في القرن الواحد والعشرين بمسلسات رجعية متخلفة من أمثال باب الحارة وأهل الراية التي تعيد إحياء تقاليد يفترض بأننا تجاوزناها من أمثال “الشخت على البلوعة” ومعاملة المرأة كحرمة يحرم عليها أن يكون لها كيانها المستقل. ويهلل لهذه المسلسلات مدعياَ أنها تستعيد القيم العربية الأصيلة، وتتحدث عن المروءة والرجولة. هو بالتأكيد مجتمع بلا شرف.
مجتمعنا بلا شرف، تقوده عقلية ذكورية منافقة تتلطى وراء التفسيرات المتشدّدة والبالية لبعض النصوص
الدينية لتخوّل لنفسها ما تحرمه على المرأة. ولعل أقسى ما يعبر عن حالة النفاق هذه هو ذلك التصريح الذي أدلى به رجل دين يدعى محمد رشيد إلى موقع دويتشه فيله الألماني، مبرراً عدم وجود ما يخفف عقوبة جريمة مماثلة تقوم بها النساء قائلاً:
يحق للرجل المساكنة والمصاحبة وتعدّد الزوجات وهذا ما أحله الدين والشرع، لكن لا يمكن للمرأة القيام بذلك لأنها مؤتمنة على عرضها بالدرجة الأولى.
بربّكم من أين تأتي هذه التفاسير؟
ما يثير العجب هو أنه في بلد مثل سوريا، وفي ظل حكم دام ما يقارب النصف قرن لحزب البعث العلمانيّ، ما تزال مثل هذه المواد القانونية عاراً على دستورنا. ما الذي فعلته منظمات ثل الاتحاد النسائي طيلة هذه الفترة؟
يحزّ في نفسي عدم وجود مجتمع مدني في بلدنا، فاعل وقادر على النهوض بحملات توعية لتبيان خطورة مثل هذه القوانين وتخلفها.
للأسف مشكلة التمييز ضد المرأة لا تقتصر على جرائم الشرف وحدها، إذ ما تزال المرأة تعامل في الشرق كقاصر فاقدة للأهلية. ففي السعودية، حكم مؤخراً على امرأة مطلقة “سمر بدوي” ولها ولد له تسع سنوات بالسجن بتهمة عقوق الأب. ذلك أنها تريد الزواج من جديد وأبوها يمنعها فما كان منه إلا أن ادّعى عليها بالعقوق فسحنت لمدة ستة أشهر وأعيدت إلى بيت أبيها. متى يحق للمرأة اتخاذ قرار مستقل؟ في حالة سمر هذه، انتقلت من سلطة أب إلى سلطة زوج ظالم لتعود إلى سلطة أبيها، ولن نستغرب اليوم الذي يتحكم فيه ابنها فيها! فمتى تبلغ نساؤنا سن الرشد؟
وفي إيران ما يزال يطبق حد الرجم على النساء الزانيات ولعلنا ما نزال نذكر الضجة التي أثيرت حول الجكم الصادر بحق السيدة سكينة محمدي أشتياني. إقرأتدوينتي السابقة حول الرجم في فيلم رجم ثريا.
لنجعل يوم التاسع والعشرين من تشرين الأول يوماً للنضال لإعادة الاعتبار للمرأة في مجتمعاتنا العربية، لكل ضحايا التخلف الاجتماعي الذي يتخذ مسميات مختلفة (جرائم شرف، عقوق الوالدين…).
ملاحظة: جرائم الشرف منتشرة في مجتمعاتنا العربية والشرقية في مختلف طبقاتها الاجتماعية وفئاتها الدينية وإن اختلف الأمر من بلد إلى آخر. ففي الأردن مثلاً يمارس المسيحيون كما المسلمون مثل هذا النوع من الجرائم، فالتخلّف واحد.