صفحات من مدونات سورية

التاسع و العشرون من تشرين الأول.. من أجل ضحايا جرائم الشرف المزعوم و الكاذب

قبل نهاية هذا الشهر بقليل ستمر ذكرى أليمة, ذكرى صفعة بوجه كلّ مناهضي التساهل القانوني مع القتلة باسم الشرف الكاذب و بوجه المرافعين عن حقوق الإنسان.. التاسع و العشرون من تشرين الأول من العام الماضي كان يوم الفضيحة, يوم العار, يوم الخجل.. يوم حكم قاضٍ مؤتمن على حياة و حقوق و حرّيات مواطني و مواطنات بلده بإخلاء سبيل قاتل المغدورة زهرة عزو, شقيقها.. سبع البرمبة. أصدر القاضي حكماً بالسجن ثلاثة سنوات مع التخفيف لسنتين و نصف, ما عنى إخلاء السبيل الفوري لاحتساب فترة التوقيف.
لم تنته المأساة بأن القاضي وجد لجريمة قتل بدم بارد, مع سبق الإصرار و الترصّد و ﻻحق الفخر و اﻻعتزاز و البهجة “دافعاً شريفاً” يستحق التساهل, لم تنته المأساة عند تعليق وسام “شرف” (هو شرفٌ حسب مصطلحات التخلّف و الدموية و التحجّر البغيض بطبيعة الحال) على صدر القاتل المجرم, بل أن عائلة القاتل حاولت أن تلاحق العديد من الشخصيات العامّة التي حضرت جلسة الحكم قانونياً.. يبدو أن عرس الدم و الزلغطة و التصفيق للقاتل لم يكن كافياً.
لم تكن زهرة أولى ضحايا الموروث المتخلّف الذي يسمح بالقتل باسم “الشرف” للأسف, و للأسف أيضاً لم تكن الأخيرة.. لكن كانت قصتها محمّلة بكل العناصر التي تجعل منها رمزاً لوباءٍ طال جثومه على صدورنا.. كانت قصّة موتٍ معلن (مع الاعتذار لماركيز) لم تستطع الجمعيات الناشطة في هذه المسألة أن توقفه, كما لم تتمكّن إنسانيّة خالة المغدورة و ابنها ( زوج زهرة حين قُتلت) أن تنزل ساطور الشقيق المجرم بعيداً عن عنق شقيقته المسكينة, ابنة الستة عشر ربيعاً. لقد قتلت زهرة مرتين, مرّة عندما حزّ شقيقها عنقها بشهوانيّة الجزّار المتعطّش للدم و مرّة عندما لم يأخذ القانون حقّها و كافأ قاتلها و أخرجه من قاعة المحكمة كعريسٍ بين أهله, و كل ضحيّة من ضحايا جرائم الشرف تقتل مرتين كزهرة, و تقتل ذكراهنّ كلما انضمّت ضحيّة جديدة لقافلة الموت المجّاني.. و آن لهذه المأساة أن تنتهي فقد طال مسيرها.
لقد اختار الناشطون و الناشطات يوم الجريمة القانونية بحق زهرة يوماً عالمياً لمناهضة جرائم الشرف كمبادرة جديدة تُضاف إلى الجهود التي بذلت و تبذل على مدى السنين الأخيرة, و التي حققت الكثير من التقدّم إن كان على صعيد إنجاز وجود إعلامي لمأساة مسكوت عنها منذ عقود أو حتى على صعيد نشاطات قانونية, لكن الطريق ما زال طويلاً و شاقاً و مليئاً بالعقبات و الحواجز.. ما زال هناك الكثير بانتظار الإنجاز إن كان على الصعيد القانوني كمحاربة التساهل و الدعم الحقوقي لمجرمي الشرف إن كان بالمواد القانونية الجائرة أو ببعض العقليات المريضة التي تمشي في أروقة المحاكم, أو على صعيد تحقيق الوجود الإعلامي و الثقافي الذي يساهم في زيادة التوعية و في زيادة حساسيّة الضمير الجماعي تجاه هذه الآفة بشكل خاص و كل ما يتعلّق بالعنف في مجتمعنا بشكل عام.. ما زالت المعركة في بدايتها, و رغم أننا ﻻ نشكّ لحظة في أننا سننتصر فيها على الظلام و التخلّف إلا أن هذه القناعة يجب أن تتجدد و تكون دافعاً للاستمرار في العمل و ليس للاتكال و الخنوع, و لذلك دعم كاتب هذه السطور و يدعم إعلان التاسع و العشرين من تشرين الأول يوماً عالمياً لمناهضة جرائم الشرف.
يقبع بلدنا في مراكز صدارة ﻻئحة الدول المصابة بوباء جرائم الشرف, و هذا “شرفٌ” نرفضه إنسانياً و وطنياً و نريد له أن ينتهي بأسرع وقت ممكن.. ليست لوائح الإجرام و الفساد و القمع و الخوف هي التي نريد لنا و لبلادنا.. نريد سوريا في لوائح التقدّم و العدالة و الحقوق و العلم و الثقافة, ﻻ نريد أن يبتلعنا الظلام بل نريد أن نكون مشعل نورٍ .. و هذا مطلب مشروع, و ممكن, و سوف يتحقق… و كخطوةٍ في هذا الطريق ندعو الأصدقاء إلى التضامن مع ضحايا جرائم الشرف في التاسع و العشرين من هذا الشهر في مدوناتهم و على الشبكات اﻻجتماعية و على أرض البلد و حيث يستطيعون و يريدون.. و نتمنى أﻻ نحيي هذا اليوم مرّة أخرى العام المقبل, ليس ﻷننا مللنا و يئسنا و نسينا, بل ﻷن جرائم الشرف قد أصبحت من كوابيس الماضي التي يجب أن تُرمى في مزبلة التاريخ.

http://www.syriangavroche.com/

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى