هل يستجيب النظام الإقليمي العربي للتحديات ؟ (*)
الدكتور عبدالله تركماني
لم تتمكن القمة العربية الاستثنائية بسرت من التعاطي المعمّق مع إعادة هيكلة جامعة الدول العربية، ولم تحسم الموضوعين الرئيسين اللذين عُقدت من أجلهما، وهما تطوير العمل العربي المشترك ومنتدى الجوار العربي، إذ قررت تشكيل لجنة وزارية للبحث في إعادة صياغة المشروع الأول وعرضه على دورة خاصة لمجلس الجامعة على مستوى وزراء الخارجية خلال ثلاثة أشهر تمهيداً لعرضه على القمة المقبلة في مارس/آذار المقبل، كما قررت تشكيل لجنة وزارية أخرى لمواصلة درس اقتراح إقامة منتدى الجوار من كل جوانبه، خصوصاً التوقيت الملائم لإقامته. مما يشير إلى أنّ النظام الإقليمي العربي في حالة ضعف واضحة: تمزّقٌ وتنافرٌ، خلافات بينية، ضعف وترهّل بلغ في بعض دوله حد الإنهاك وفي أخرى حد الدول الفاشلة. وهناك التحدي المزمن الذي يمثله الاحتلال الإسرائيلي ووجود حكومة إسرائيلية تقوم سياساتها على الاستيطان والضم وأحلام الترحيل. وبلغ التفكك والتنافر، رغم انتظام عقد القمة العادية بشكل دوري منذ العام 2000، في السياسات والمصالح درجة غير مسبوقة، تقلص معها العمل العربي المشترك وبدأ التركيز على مصلحة الأنظمة الخاصة. وقد تجلى هذا السلوك بوضوح في الموقف من القضية الفلسطينية، حيث تراجع مستوى التعاطي معها إلى حدوده الدنيا.
لقد أثّرت مجموعة عوامل في إضعاف أداء النظام الإقليمي العربي، ومن أهمها: غياب التمثيل الشعبي في أجهزة الجامعة ومؤسساتها، وعدم وجود آلية لمتابعة مدى التزام الدول بقرارات الجامعة، والتمسك بقاعدة الإجماع في القرارات، وعدم الأخذ بالمنهج الوظيفي لتحقيق الأهداف المشتركة المقرة في إطار الجامعة.
ولا شك أنّ النظام الإقليمي العربي يواجه اليوم تحديات جسيمة تستوجب إدراكها والعمل الجدي للتقليل من آثارها السلبية، وكذلك الاستفادة مما يمكن أن تنطوي عليه من فرص لتوليد استجابة عربية إيجابية تجاه التطور الحاصل في النظم الإقليمية وفي النظام الدولي.
وإزاء ذلك تبدو الحاجة ماسة لإعادة هيكلة النظام الإقليمي العربي بما يتوافق مع الأوضاع الجديدة التي فرضتها المعادلات الجيو – استراتيجية في المنطقة والعالم، ويستند إلى دول عربية عصرية تقوم على أسس الحق والقانون والديمقراطية وحقوق الإنسان، ويدرك عناصر القوة الكامنة لدى الدول العربية ويفعّلها لما يخدم الأهداف المشتركة.
وتتمثل الإشكالية الرئيسية التي تواجه العالم العربي اليوم بـ: إيجاد صيغة لنوع من السيادة الجماعية في بعض المجالات من دون التفريط بجوهر السيادة الوطنية لكل دولة عربية. إذ يبدو أنّ الأمر يتعلق بضرورة إعطاء الجامعة سلطة ” ما فوق وطنية ” مقابل تنازل الدول الأعضاء عن جزء من سيادتها، كما أنّ تحولاً سلوكياً في اتجاه التوافق بين الدول الأعضاء على الحلول الوسط يبدو ضرورياً أيضاً.
وعليه، يصعب إطلاق ديناميكية مؤثرة إن لم تكن ديناميكية ناضجة، تتعاطى مع التحديات بعقلانية في سياق تأكيد التحرر الوطني وإعادة بناء الدول والمجتمعات العربية على قواعد احترام الكرامة الإنسانية وسيادة القانون وحماية الضعفاء وحرية الرأي.
وإذا ما تم كل ذلك، داخل كل قطر عربي، يمكن أن تكون جامعة الدول العربية منظمة إقليمية لها أهدافها ورؤيتها، وتمتلك آليات تنفيذ قراراتها، وتتمكن من إيجاد توازن من نوع جديد بين العالم العربي وإسرائيل قد يمكّن من فرض تسوية عادلة وشاملة ودائمة للصراع العربي – الإسرائيلي ونقل الصراع إلى مواجهة حضارية تتماشى مع قواعد النظام الدولي الجديد.
إنّ الحكومات العربية التي تتصدر الجامعة، هي التي بحاجة إلى إصلاحات عميقة في أنظمتها السياسية وبناها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإدارية، وهي التي تواجه مطالب متصاعدة من قبل شعوبها. فالمطلوب أولاً أن تتجاوب أنظمة الحكم العربية مع مطالب الإصلاح الداخلية، وتعيد ترتيب بيتها على أسس ديمقراطية سليمة. فالجامعة – في نهاية المطاف – هي جامعة حكومات عربية، وليست جامعة شعوب، وهي انعكاس صادق لأحوال هذه الحكومات وسياساتها.
من هنا الحاجة إلى إعادة الهيكلة والبناء والتركيب للحياة والمجتمعات العربية والعمل العربي المشترك على أسس جديدة، باستثمار الطاقات المعطَّلة والانخراط في إعمال المفاهيم والقيم والنظم المجدية، التي تثمر معرفة وثروة وقدرة وقوة، بها نحسّن سمعة الأمة ونستعيد الكرامة العربية المهدورة.
تونس في 19/10/2010 الدكتور عبدالله تركماني
كاتب وباحث سوري مقيم في تونس
(*) – نُشرت في صحيفة ” القدس العربي ” – لندن 22/10/2010.