صفحات العالمما يحدث في لبنان

حكاية جون بولتون للاغتيال والتحقيق الدولي

حسام مطر
«الاستسلام ليس خياراً» هكذا يعتقد جون بولتون بحسب عنوان كتابه المنشور عام 2007 والذي يسرد فيه تجربته في الامم المتحدة بين العامين 2005 و 2006 كمندوب للولايات المتحدة، ربما أكثر ما يثير الغرابة في الكتاب هو مدى فقدان كاتبه، الممثل الدبلوماسي لأقوى دولة في العالم لدى أكبر منظمة دبلوماسية, للحس الدبلوماسي بشكل فظ ومتعجرف وساخر. يكشف الكاتب كماً مذهلاً من التفاصيل حول جملة من الملفات الحساسة خلال تلك المرحلة ومنها ما هو متعلق بلبنان، سواء بالنسبة لقضية اغتيال الرئيس الحريري أو بالنسبة للحرب الاسرائيلية عام 2006. إلا أنه من المفيد في هذه المرحلة إعادة استخراج وقراءة مجموعة من تعليقات بولتون حول ظروف اغتيال الرئيس الحريري وعمل لجنة التحقيق الدولية وأداء رؤسائها المتعاقبين, وخاصة لأهمية موقع ودور وشخصية بولتون في تلك المرحلة، على أن يبقى عنوان الكتاب أي «الاستسلام ليس خياراً» حاضراً في الذهن أثناء القراءة لما له من دلالات عميقة.
يستعرض الكتاب احداث العام 2005 وما تلاها بالتسلسل الزمني وهذا بدوره يفيد كثيراً في فهم طبيعة العلاقة والترابط بين مجموعة من الاحداث والمواقف المتلاحقة ابتداء من القرار 1559 الذي اعتبره الكاتب «يعبر طبعاً عن إرادة لبنان بأن يتخلص من الاحتلال العسكري السوري وكذلك الجهد السوري المتواصل لابتلاع لبنان ضمن سوريا الكبرى وإنهائه كدولة مستقلة». ويشير بولتون في هذا السياق الى تجاهل سوريا للقرار واستخفافها به واعتباره محدود المفاعيل لا سيما بسبب الانقسام الدولي حوله في مجلس الامن، إلا أن حدث اغتيال الرئيس الحريري في 14 شباط أدى بحسب بولتون الى أن «الحسابات السياسية تغيرت كلياً» بشكل أدى للانسحاب السوري خلال شهر ولاحقاً إصدار القرار 1595 حول إنشاء لجنة التحقيق الدولية.
إذا ً يعتبر بولتون أن القرار 1559 لم يشكل بذاته تحدياً حقيقياً بالنسبة لسوريا في مرحلة ما قبل الاغتيال، ففي الاشهر الفاصلة بين الحدثين (القرار ـ الاغتيال)، لم يتغير نسبيا المسار السياسي والتوازنات الداخلية اللبنانية، وهذا كله انقلب مع الاغتيال، إذاً يتفق بولتون مع قوى 8 آذار أكثر من حلفائه في 14 آذار في قراءة ظروف الاغتيال، أي أن القرار افتقد قوة الدفع الذاتية وعندها حدث الاغتيال.
يكمل بولتون متحدثاً عن الهدف من المساعدة الخارجية في التحقيق عبر لجنة التحقيق الدولية, وهنا يفترض أن يتكلم بولتون عن الحقيقة والعدالة كهدف، إلا أنه يكمل قائلاً بصراحة: «المساعدة الخارجية في التحقيق ضرورية، بسبب اختراق سوريا العميق والشامل للنظام القضائي والمؤسسات الأمنية اللبنانية، وبدون لجنة التحقيق الدولية، يمكن لسوريا بسهولة إعلان أن الجريمة غير قابلة للحل، وسيؤدي هذا التأثير الارهابي الدراماتيكي بشكل مطلق الى القضاء على ثورة الارز، التي تفجرت بشكل عفوي بعد اغتيال الرئيس الحريري». إذاً، لجنة التحقيق الدولية تهدف لصون ثورة الارز، وهذا ما كان ليتم بدون اتهام سوريا، وهنا يأتي دور ميليس ولارسن.
رغم ميل بولتون للانتقاد والتهكم بشكل عام إلا أنه لم يستطع إخفاء اعجابه الشديد بكل من تيري رود لارسن وديتليف ميليس. يبدأ الحديث عن لارسن من خلال اللقاء معه في 17 آب 2005 في نيويورك حين أراد لارسن «أن يستخدم تقرير لجنة التحقيق الدولية المقبل حتى يكون قاسياً جداً مع سوريا، وهذا كان يلائمني بالتأكيد» بحسب قول بولتون. أما حول ميليس فيصفه بولتون «بالمحقق المحترم، قاسي وغير منحاز». ويذكر بولتون أنهما تناولا الفطور معا في صباح اليوم التالي من قيام ميليس بتسليم تقريره الى مجلس الامن حول التحقيقات بتاريخ 20 تشرين الاول 2005 حيث شكا ميليس من عدم تعاون سوريا كلياً مع اللجنة، وخوفه من عودة سوريا الى لبنان لتنفيذ عمليات انتقامية، وسائلاً بولتون إذا ما كان سيعارض اقتراحاته التصحيحية لمجلس الامن، أجاب بولتون بالنفي، وسأل ميليس مباشرة إذا كان يعتقد «أن الرئيس السوري بشار الاسد كان متورطاً باغتيال الحريري، فابتسم (أي ميليس) وأجاب: طبعاُ».
إذاً على ذمة بولتون، فإن ميليس غير المنحاز «متأكد» خلال فترة أشهر قليلة من بدء عمله من أن الاسد متورط بالاغتيال، فيما الشريف الآخر لارسن يريد تقريراً شديداً من لجنة ميليس حتى يستخدمه بوجه سوريا. تجدر الإشارة الى أن بولتون يعتبر أن السبب الرئيسي لاستقالة ميليس، كانت الضغوط التي تعرض لها من الامين العام للامم المتحدة كوفي انان، الذي كان يسعى دائماً لتخفيف لهجة تقارير ميليس بخصوص سوريا، سواء لجهة الاغتيال، أو عدم التعاون مع اللجنة .
كما لا يفوت بولتون الفرصة للإشادة بالمحقق برامريتز بناء على لقاء معه بتاريخ 10 شباط 2006 في مكتب رئيس مجلس الأمن، الذي كانت تترأسه الولايات المتحدة حينها, والذي كان كافياً لأن يستنتج بولتون أنه «لا يظهر وجود لاختلافات أساسية مع ميليس بخصوص المنطق القائل أن أعلى مستويات الحكومة السورية متورطة في اغتيال الحريري». وعليه يبدو أن لقاءات رؤساء لجـنة التحقيق المتعاقبين بالدبلوماسيين الاميركيين وإطلاعهم على رأيهم حول الجهة المرتكبة وسير التحقيقات، هو سلوك منهجي منتظم، وفي هذا السياق كان لقاء بلمار وفيلتمان في اجواء الحديث عن القرار الظني المحتمل للمحكمة وإتهام عناصر من حزب الله.
من الواضح بمعزل عن كتابات بولتون, الترابط الوثيق بين القرارين 1559 و1595، حيث إن القرار الاول يخرج سوريا من لبنان والثاني يسعى لإخراجها من الصراع، إلا أن بولتون يكشف عن استغرابه من التوتر الفرنسي، لأي محاولة ربط بين القرارين، رغم انهما بحسب رأيه يعالجان موضوع استقلال لبنان عن الهيمنة السورية، وهو ما يظهر جهلا في فهم المقاربة الفرنسية تجاه لبنان وسوريا، حيث ان فرنسا كانت مهتمة أكـثر بإخراج سوريا من لبنان لما في ذلك من استعادة لدورها فيه ولم تكن تسعى لخوض مواجهة اقليمية مع سوريا.
بالخلاصة، يكشف هذا الفصل من كتاب بولتون كيف كانت الولايات المتحدة بحاجة الى حدث كاغتيال الرئيس الحريري ولتوظيفه من خلال لجنة التحقيق الدولية، كاستكمال للقرار 1559، ليس فقط لإخراج سوريا من لبنان، بل أيضاً لخلق قاعدة معادية لسوريا في لبنان والهيمنة عليه وذلك كخطوة أساسية لإعادة التوازن للصراع في المنطقة.
السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى