إيران شر أم خير لا بد منه؟
غسان المفلح
لا يمكن مهما كانت الحجج والذرائع، الحديث عن الوضع الإقليمي من دون التطرق للمعادلة الإيرانية فيه، سواء كان العرب فاعلين او الكرد قد حصلوا على حقوقهم كاملة غير منقوصة، أو نشأت دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل، او دولة واحدة لشعبين، وسواء تخلصت مجتمعاتنا من أنظمة السوء لديها أم لم تتخلص، نجح حزب الله في إقامة نظام لبناني على مقاسه أم لم ينجح، نجحت المحاولة العراقية في إقامة نظام ديمقراطي أم لم تنجح، أصبح لدينا مجتمعات حرة وديمقراطية أم لا، نجح التحالف الإيراني السوري في إسقاط المحكمة الدولية أم لم ينجح.. كل هذا وغيره، لن يجعل إيران خارج المعادلة الإقليمية والدولية في منطقة هي مدولنة أساسا على قاعدتين لا تراجع فيهما أو عنهما في المدى المنظور النفط وإسرائيل.
لدينا الآن انخراط إيراني بات مزمنـــــا في القضــــايا الإقليمية، وانخراط تركي يعاد إنتاجه من جديد، وبصيغ مختلفة عن السابق، ولدينا أيضا نظم عربية لا تحول ولا تزول، قوية على مجتمعاتها، تتفنن في تفتيت مجتمعاتها ومجتمعات بعضها بعضا..
إيران قبل زيارة نجاد لبيروت، التي كنا قد تطرقنا إليها في أكثر من مقال، والتي تأتي تتويجا لسياسة سبقتها، وليس إنتاج سياسة جديدة، بين لبنان الدولة وإيران الدولة، لأن الأهم هو ما يربط إيران المشروع الإقليمي مع قاعدته الأكثر التصاقا به، وهي حزب الله، ولكن يتمنى المشروع الإيراني ويحاول أن يجعل لبنان كله حزب الله، حزب الله رغم كل الانتصارات التي حققها على جبهة الجنوب مع إسرائيل، إلا أنه أصبح بعد القرار الأممي 1701 بعد حرب تموز/يوليو 2006 الذي نص على وقف كل العمليات القتالية في لبنان الجنوبي، وأصبح حزب الله دولة تهادن دولة جارتها، وهي هنا إسرائيل، وأهم نتيجة لهذا القرار، والتي في الحقيقة لم يتم التطرق لها، هو درس الهدنة في الجولان السوري المحتل، هذا الدرس أنتج عمليا القرار 1701 ولتصبح الحالة في الجنوب اللبناني مشابهة إلى حد كبير للحالة في الجولان السوري المحتل ‘لا حرب ولا سلم’ وحتى قضية مزارع شبعا، لم تعد موضع عمليات المقاومة اللبنانية. ومن مفاعيل هذا القرار، أنه جعل حزب الله أكثر التصاقا بالمشروع الإيراني، وأقل بكثير لبنانيا، مع ذلك هنالك حقيقة لابد من تأكيدها هنا، وهي أن سلاح حزب الله هو سلاح إيراني، وبات أكثر كلفة بكثير من ذي قبل لأي جهة تفكر في انتزاعه، فسلاح حزب الله ليس بنادق وصواريخ فقط، بل هو عمق شعبي ومؤسساتي، لأكثر من مليون شيعي لبناني وغيرهم من الطوائف الأخرى، وهذه هي القاعدة الإيرانية الأساس، أما الصواريخ والبنادق فتدمر ولكن هذا العمق يأتي بغيرها، لهذا فالرئيس الإيراني أحمدي نجاد لم يعد بحاجة لغطاء عربي في سياسته اللبنانية، سواء كان سوريا أم سعوديا.. سيبذل الرئيس الإيراني وفريقه جهودا من أجل إيجاد علاقة مؤسسية مع الدولة اللبنانية، ولا أحد يستطيع منعها نهائيا، ولكن يمكن عرقلتها إلى حين.
أمريكا في هذه اللحظة، لم تعد خائفة على إسرائيل من حزب الله، فالدرس السوري يترسخ يوما بعد يوم على جبهة الجنوب اللبناني، ولبنان لم يعد أولوية لإدارة أوباما.. لديهم سلاح واحد أعتقد في هذه المرحلة هو ملف المحكمة الدولية، إيران وحزب الله ومصلحة سورية، تقتضي إلغاءها، لهذا سيبقى الوضع اللبناني قابلا للتفجر مهما سمعت كل الأطراف لتطمينات من الرئيس الإيراني، قبل زيارته أو اثناءها أو بعدها.
إيران أقوى اليوم في لبنان أكثر من أي يوم مضى.
نأتي للعراق، بعد أن قام نوري المالكي بانعطافة إيرانية، قبل الانتخابات العراقية الأخيرة، واستطاع أن ينتزع المقام الأول إيرانيا حتى اللحظة، ومن ثم سورية، أصبح نصف العراق لإيران، في الجنوب والوسط والشمال، لأن علاقة مام جلال الطالباني مع إيران ثابتة لا يزعزها سوى تغير استراتيجي كبير في السياسة الدولية تجاه الملفين الإيراني والعراقي، فسواء شكل المالكي الحكومة العتيدة العراقية أم لم يشكلها، لإيران نصف العراق سياسيا.. وفشلت الرياض في فرض مرشحها، هذا إذا كان غاية الرياض فرض مرشح ما.
إيران في اليمن باتت لها حصة وإن كانت لا توازي حصتها في لبنان أو في العراق، فالطرف المقابل للرئيس اليمني وقواته جل دعمه من إيران.
أما في بقية دول الخليج العربي، فلإيران على الأقل، مذهبيا وسياسيا، حضور مرجعي للأقليات الشيعية في هذه البلدان.. ويختلف هذا الحضور من دولة لأخرى، لكنها حاضرة، وحضورها يتقدم يوم بعد يوم، وهذا ما يقلق السياسة السعودية بشكل أساسي.
إيران وتركيا، هنالك تبادل المصالح والتوجس بالآن معا، وهذا ملف يرتبط بجملة من التحولات التي يمكن مراقبة السياسة التركية من خلالها تجاه إيران، فالإقليم الشرق أوسطي يحتمل شراكة من نوع خاص بين الطرفين، ولكنها شراكة ستبقى ملغومة، باعتبار أن جملة الملفات المطروحة على الطرفين من الصعب إيجاد تفاهم استراتيجي طويل المدى، فالعمق الذي تبحث عنه تركيا إقليميا سيبقى مصدر قلق إيراني، خاصة في العــراق وسورية، لتركيا ميزة اقتصاد قوي ينمو ويتوسع إقليميا مع ما يترتب على ذلك مستقبلا، وهذا ليس متوفرا لإيران، خاصة بعد سلسلة العقوبات الدولية.
في الملف الأفغاني سياسة إيران واضحة بهذا الخصوص، ومجسدة عمليا، لا استقرار في أفغانستان حتى خروج القوات الأطلسية أو التفاهم مع أمريكا، ضمن ما تسميه السياسة الإيرانية ‘تفاهم الحزمة الكاملة’ على كل أمور المنطقة، وليس فقط على الملف النووي الإيراني، هنا بيت القصيد الإيراني، وأمريكا ليست جاهزة لتقديم هذه الحزمة، خاصة ان حلفاءها خسروا امتيازات كثيرة نتيجة موقفها تجاه إيران وقضية العقوبات، خاصة ألمانيا التي وصل حجم التبادلات التجارية والأعمال مع إيران إلى 4 مليارات دولار سنويا قبل سنتين على الأقل.
أما فرنسا فرغم ما راهنت عليه بعد الثورة الإيرانية إلا انها خرجت بكفي حنين من إيران، بعد الثورة مباشرة، والإيرانيون لا يقيمون وزنا كبيرا لهذه السياسة الفرنسية، لهذا يظهر ساركوزي أكثر تشددا في الملف النووي الإيراني من بقية مجموعة الدول الست الكبرى.
ما تجدر الإشارة إليه أن الوضع الدولي والأزمة الاقتصادية العالمية، وتعثر السياسة الأمريكية في أكثر من منطقة، وبروز بداية لتعدد قطبي للنظام الدولي، يجعل موضوع الخيار العسكري ضد إيران أبعد احتمالا بغض النظر عن جعجعات النخب الإسرائيلية التهديدية، لكن المشهد الفلسطيني إيرانيا، مريح لسياسة اليمين الإسرائيلي، لأنه مشهد يفرض إعاقة لأية مفاوضات من دون أن يكون لديه بديل جاهز، وهذا من شأنه أن يريح السياسة الإسرائيلية، ويبعدها قليلا عن دائرة المسؤولية. أما على صعيد سلطات دول المشرق العربي، فإيران تجاوزت مرحلة أن تحسب حسابا لأية سلطة عربية، بمعزل عن الحزمة التفاوضية مع أمريكا.
هذا الحضور الإيراني لن يتوقف هنا، شرا أم خيرا إلا أنه مستمر.
‘ كاتب سوري