صفحات العالمما يحدث في لبنان

محكمة الحريري: الخشية الحقيقية من القرار الظني هي في سوريا

حسن شامي
لا يزال الجدال حول «شهود الزور» في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري محور الانقسام الداخلي في لبنان، ولا يبدو أن حسما قريبا لهذا الملف يلوح في الأفق، بل يُنتظر أن تشهد المواجهات السياسية موجات شد وجذب، تتصاعد أو تهدأ وفقا للتطورات وحسابات الأفرقاء، وإن كانت جلسة مجلس الوزراء الأخيرة أظهرت أن الأمور لا تزال مضبوطة على الإيقاع الإقليمي.
الواضح أن أيا من طرفي الصراع في لبنان ليس على استعداد للتراجع قبل أن يمضي إلى الحد الأقصى في السعي نحو تحقيق مبتغاه.
ففريق 8 آذار، بزعامة حزب الله وقياداته، يريد إدانة المحكمة الدولية بما بات يعرف بـ«شهود الزور»، ويسعى الى التعجيل بمحاكمتهم، من خلال الإصرار على أن يتولى النظر في قضيتهم المجلس العدلي (وهو هيئة قضائية استثنائية، ينظر في القضايا التي تأخذ طابع تهديد السلم الأهلي، ويتصف بسرعة البت في ما يعرض أمامه). وعلى هذا الأساس يريد حزب الله وحلفاؤه أن تكون محاكمتهم هي الأساس الذي يدعم القول بأن المحكمة مسيسة، وتقوم على أباطيل تجعلها غير ذات صدقية.
أما فريق 14 آذار، فلا يمكنه التسليم بأولوية ملف شهود الزور، واعتباره قضية يجب حسمها في الاتجاه الذي يدعو إليه خصومه. وقيادات هذا الفريق يقولون بوجوب أن ينظر القضاء اللبناني المختص في ما إذا كانت هناك قضية شهود زور من أصله. ويبدو على يقين من أن التسليم بمحاكمتهم أمام المجلس العدلي، يعتبر اعترافا بتوجيه المحكمة الدولية وتسييسها، الأمر الذي يفرض التراجع عنها كقضية مركزية في معركته «الاستقلالية»، وهذا سيجر عليه إذعانا لمطالب وشروط أخرى لا يخفي حزب الله وحلفاؤه نواياهم في فرضها، ومنها وقف التمويل الحكومي اللبناني للمحكمة الدولية، وسحب القضاة اللبنانيين المنتدبين إليها، مما يفضي إلى تفريغ المحكمة من بعدها اللبناني، ويفقدها فعاليتها المتوخاة.
قضية.. ولا قضية
القبس سألت مختصا بالقانون الدولي، ومطلعا على شؤون القضاء اللبناني وإجراءاته، عن الحكمة من التمسك بالإحالة على المجلس العدلي، والحجة في الرفض، فلفت إلى أن المسألة لا تولج من هذا الباب، وإلا كان تقرير وزير العدل، وهو قانوني لا يُشك في مهنيته، المدخل الأنسب.
وأضاف المختص أن المسألة ليست إلا «تسجيل نقاط وتثبيت أحجام»، لأنه حتى لو تمت إحالة الملف على المجلس العدلي، فهذا لن يمكنه البت فيه طالما لا يملك المعطيات اللازمة. فهذه المعطيات هي الآن في حوزة مدعي عام المحكمة الدولية دانيال بلمار، الذي له وحده الحق في الاحتفاظ بسريتها أو نشرها.
الخشية الحقيقية
إذا كان حزب الله والجو العام في لبنان على علم يكاد يكون يقينا، من أن القرار الظني للمحكمة الدولية سيطال بالاتهام عناصر قيادية من الحزب، وفي الوقت نفسه يعلم الجميع أن أي تحرك لبناني داخلي لا يستطيع وقف مسار المحكمة، فلماذا هذه المواجهات المتحورة حولها؟
مصدر سياسي على صلة ومعرفة بما يجري من وراء الصخب الدائر، قال لـ القبس: إن حزب الله قد يقبل بتوجيه الاتهام الى بعض عناصره بالضلوع في جريمة اغتيال الحريري، إذا ما وقفت مسألة الاتهام عند حدودها القضائية. ذلك أن قيادات الصف الأول في الحزب ــ بدءا من عماد مغنية الذي اغتيل في دمشق، وصولا إلى دائرة القرار ــ تلاحقهم اتهامات وأحكام صدرت في أكثر من دولة عربية وأجنبية، ولم يؤثر ذلك سلبا على صورة الحزب، ولا على موقعه القيادي ونفوذه الاستثنائي ودوره المؤثر في السياسة الداخلية.
ويرى المصدر أن الاتهام أو الإدانة «لا يهز صورة القادة في لبنان، خصوصا الذين لهم هيمنة وسيطرة داخل طوائفهم. والدليل الحي قائد القوات اللبنانية سمير جعجع، الذي لم تتأثر زعامته كثيرا بسجنه إحدى عشرة سنة (بتهمة اغتيال رئيس الوزراء رشيد كرامي عام 1987)». ويضيف أن الخشية الحقيقية من القرار الظني هي خشية سورية، لأن القول بـ«عناصر غير منضبطة» نفذت جريمة بحجم اغتيال الحريري، لا يقنع حتى السذج.
بـ«العربي الفصيح»
وتابع المصدر: إن الصراع حول المحكمة الدولية يعني صراعا على السلطة، بحيث أن من سيربح معركة المحكمة يكون بإمكانه الإمساك بها. «فالوضع المائع حاليا ليس في مصلحة فريق 14 آذار الذي لا يملك من مقاليد السلطة شيئا يذكر، ولا في مصلحة الفريق الآخر، خصوصا قائده حزب الله، الذي استطاع في السنتين الأخيرتين أن يقلب المعادلة لمصلحته ويملك زمام المبادرة. فبين الفريقين اختلاف وتباين جوهريين».
وقد جاء ما يشبه التأكيد لهذا الاستنتاج على لسان مسؤول كبير في حزب الله، نقل عنه وفد أجنبي غير سياسي، قوله إن الحزب لن يرضى بأن تراوح الأمور طويلا من دون حسم، لكن من الذي سيحسم؟ وكيف؟
الجواب الحاضر اليوم هو أن أحدا لا يستطيع ذلك، طالما لا توجد معطيات إقليمية حاسمة في هذا الاتجاه أو ذاك.
والواقع أن الأطراف اللبنانية على اختلافها تريد مخرجا ما من المأزق، لكنها لا تعرف كيف أو لا تستطيع. وثمة معطيات تقول إن الطرفين الرئيسيين في المعادلة التناحرية يعانيان محنة الخيار الصعب بين المضي بعيدا في ما هما فيه، من جهة، والبحث عن حل حقيقي يفرض تنازلات مؤلمة من جهة أخرى. والطرفان متيقنان ضمنا أن البلد المحكوم بمعادلة الطوائف لا يمكن أن تستقيم أموره إلا بتسوية الأمر الواقع، التي ستكون صعبة وثمنها كبيرا. فالرئيس سعد الحريري لا يبدو حاسما في خيار الرهان على ما سيتبع القرار الظني من تداعيات، وهو في الوقت نفسه لا يبدو أنه في وارد المضي بعيدا في الخيار البديل الذي يفضي الى تسوية ما.
في المقابل، لا يمكن أن يكون حزب الله مرتاحا وهو يجد نفسه مضطرا لمواصلة الاشتباك مع خصومه، من غير أن ينال منهم اعترافا بما يعتبره حقه في تغيير معادلات السلطة واللعبة السياسية، وقد بات يملك فائض قوة يهدد بإعاقة دوره، عندما يحين أوان الحلول الكبرى، التي لن تخرج عن طابع التسوية.
جواب آخر نقرأه في الحيرة التي أصابت رجال السياسة في لبنان، وهم يحللون مغزى زيارة الرئيس السوري الخاطفة إلى الرياض ومباحثاته مع العاهل السعودي، وهي حيرة ممزوجة بخيبة مردها ما تأكد من أن لبنان لم يكن إلا بندا عابرا في مباحثات الزعيمين.
القبس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى