صفحات الناس

زعران الشوارع .. يأخذون على عاتقهم “الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر”

null
رامي نخلة
مشهد لا يقل فظاعة عن جريمة اغتصاب جماعية علنية، تشارك فيها الدولة والقانون والدين والعرف والمجتمع! على جسر السيد الرئيس في دمشق ومن حولها الناس تعد بالمئات، أدخل يده بين فخذيها وقرصها بعنف شديد! تلوت على نفسها كأن تياراً كهربائياً صعقها، ابتعد وهو وينظر من فوق كتفه إلى ردات فعلها، نظرت حولها بحياء كأنها تستطلع حجم فضيحة ما!
أخفضت رأسها خجلا وخزيا! دمعة سوداء لطخت حجابها الأبيض وهي تمضي مسرعة بين الزحام.
مشهد مُذلٌ تدور أحداثه على بعد أمتار منا، كنا مجوعة من الشباب والشابات عائدين من الجامعة نناقش على الرصيف بأصوات تعلو هدير السيارات، أفكار ثورة الطلاب الفرنسية بين موافق كلي ومؤيد جزئي ومعارض تام نحمل على أكتافنا حلم تغيير هذا البلد نحو الأفضل، لذلك واحتراما منا للواجب الذي نحمله نحو مجتمعنا، لم نرضى أن يمر المشهد وكأننا لم نراه (كالعادة)!، قررنا دون تشاور أن نعالجه بطريقة ما، طلبنا من شابان معنا أن يمسكاه بأي حجة، أن يكذبا أي كذبة، أن يدعيا بأنهم رجال أمن مثلا، ولحقنا بالفتاة المُغتصبة.
كانت الدموع تنهمر من عينيها، وما أن أوقفتها زميلتي حتى انهارت على كتفها تجهش بالبكاء، هدءنا من روعها قليلاً واستنكرنا سلبيتها وضعفها، ورحنا نرجوها أن تدعي عليه، لكنها رفضت، وأصرت على رفضها وهي تقول مبررة “لا أرجوكم لدي ثلاثة أخوة شباب فلو عرفوا مالذي فعله سيشربون من دمه، ولن أرضى بأن أتسبب لهم بهذا النوع المشاكل، ولن أجرؤ على النظر بوحه أبي وأمي وزوجاتهم إن حصل لهم أي مكروه بسببي”! بعد حوار دام خمس دقائق فشلنا وبكل السبل من إقناعها بالأدعاء عليه، وأن مكروها لن يصيبها ولا داعي لتدخل أخوتها، كوننا في بلد القانون والمؤسسات، وهناك من هو معني برد اعتبارها.
قل لا للعنف ضد المرأة
عدنا نجر إذيال الخيبة، كان المعتدي يقف بينهم وقفة المنتصر، رأسه شامخ في الهواء بعد أن أدرك بأنهم طلاب من الكتب التي يحملونها، لكنهم هددوه بالعنف إذ لم ينتظر قدومنا مع الفتاة، اعتذرنا منه بلطف كي لا يدعي علينا، وقبل أن نمضي سألته زميلة: “كيف ترتضي على نفسك أن تتصرف على هذا النحو الدنيء!؟”  فأجاب بثقة : “كيف ترتضى هي على نفسها أن ترتدي حجاب وبنطال جينز على قد جسمها فلو كانت سبور مثلك كنا قلنا… لكنها محجبة فهي بهذا تستهر بديننا و بالله ورسوله “.
رد عليه صديق آخر “وما دخلك أنت فهل عينت حارسا شخصيا على الله ورسوله ودينه!؟” فقال وكله سخرية من جهلنا! “من رأى منكرا فليغيره بيده” وبابتسامة ساخرة حذرة أدار ظهره ومضى …
مشهد لا يعد غريبا عن أي شارع من شوارعنا وإن اختلفت شدته، في حال كان المقياس أن التحرش اللفظي (الذي يصل إلى درجة من الوقاحة تقشعر لها الأبدان) أقل من التحرش المادي كالقرص والضرب بالكتف واللمس المباشر وصولا إلى محاولات الأغتصاب في الأمكان المنعزلة.
مشهد يمر بتواطؤ الجميع معاً الحكومة والإعلام والعرف والمجتمع وخصوصا الفهم الذي قد يكون خاطئا للدين، فلم نسمع يوما خطيب جامع واحد يفرد جزء بسيط من خطابه للحديث عن هذه الظاهرة، ولم نسمع في “السرافيس” التي تحولت حديثا إلى دور وعظ ديني إجباري، أي درس ينهي عن التحرش في الشوارع، هذا وأن كنا نحمل رجال الدين جزءا من المسؤولية فنحن نؤمن أن المسؤول الأول هو دولة القانون والمؤسسات، فالدين بالنهاية أمر شخصي وحسابه عند الله، فمن آمن أمتثل لأوامره ونواهييه، ومن لم يؤمن فحسابه عند ربه، لذلك ما هو موقف حكومتنا وتشريعاتنا من ذلك، هل تترك النساء تغتصب في كل شارع، بعد أن ثبت فشل القانون الذي يقتضي أن تقوم المرأة بالإدعاء على مغتصبها أو المتحرش بها، لأننا في ظل أعراف وتقاليد تقول، أن تعرض المرأة لاعتداء جنسي يجلب العار لها أولا ويحمل أهلها مسؤولية الرد والأنتقام الذي يتجلى غالبا بالأنتقام منها شخصيا عن طريق تقيد حريتها أكثر فأكثر (فلا يغيب أبدا عن أذهاننا أن الكثير من الفتيات تحرم من أبسط حقوقها في الخروج من المنزل وحيدة نتيجة لتفشي ظاهرة التحرش الجنسي في كل شارع).
فإذا كان تغيير العرف والعادات يتطلب عشرات أو مئات السنين (هذا في حال كان هناك عمل جاد على كافة الأصعد لتغييره) فهل ستبقى دولتنا بتشريعاتها القاصرة تلعب دور المتفرج السلبي على التحرش الجنسي، بعد أن تحول إلى ظاهرة مسلمٌ بها في شوارعنا، تطال كل فتاة، إن كانت في طريقها إلى المدرسة أو العمل أو كانت في نزهة قصيرة أو حتى في طريقها إلى دور العبادة.
فهل من الصعب حقا ضبط حالات التحرش هذه! ألا نتمتع بأجهزة بوليس تحسدنا الدول المتقدمة عليها، منتشرة في كل شارع ومفرق، مستعدة لضبط الهمس بغض النظر عن مكان صدوره، أم أن هذه الظاهرة لا تعتبر إخلالا بالأمن، لأنها لا تمس سوى المواطن أو بالأحرى سوى المواطنات (كون الفرق كبير في قوانيننا وشرعنا!) هنا نتساءل حقا ما هو الثمن الذي علينا أن ندفعه كي ننعم بشوارع آمنة؟ هذا وبالرغم من خبراتنا المحدودة جداً مقارنة بأصحاب الاختصاص، لكن يمكننا الجواب على هذا السؤال، كوننا لن نتمكن في القريب العاجل من تغيير عرف درجنا قرونا على إتباعه فما الضير من نشر خمسين عنصراً من الشرطة فقط، في كل مدينة، يجوبون الشوارع التي تكثر بها حالات التحرش بلباس مدني ، مخولين ومدربين  لإلقاء القبض على أي معتد فور اعتدائه، واتخاذ الإجراءات القانونية بحقه وكي لا ينتشر الفساد وابتزز المارة، أسوة بشرطة المرور!، فلا بأس من أخذ إفادة فورية خلال دقيقة واحدة من الفتاة المعتدى عليها) ألا يكفل هذا الحل أن يحسب أي “أزعر” ألف حساب لأي لفظ بذيء أو تصرف  لا أخلاقي قد يبدر منه، ألا يكفل هذا الحل خفض نسب التحرش إلى خمسين بالمئة إن لم يكن أكثر، أم أن نصف النساء في سورية لا تستحق أن تنعم بشوارع أمنة!
لابد وأن حجم المشكلة كبير، والحل قد يكون أبسط بكثير مما نعتقد في حال وجدت الأرادة الحقيقية من قبل المؤسسات المعنية لوقف هذه الظاهرة، فهل ستتحمل هذه المؤسسات دورها أم أنها ستترك الباب مفتوحا للأعراف التي تكتم حس النساء في الغالب، أم ستتركه لرجال الدين الذي لا سبيل أمامهم من منع أزعرٍ في الشارع أن يلوك حديثا قدسيا على هواه أو ربما على هوى شيخه أو ربما كما اشتهاه هو أن يكون
نساء سورية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى