صفحات الناس

رهائن

null
مصطفى الحاج صالح
لا تقل شرور ليالي الشتاء الباردة الطويلة عن شرور ليالي الصيف ؛ البرد كالحر يرسل السجين إلى الأرق ؛ للجسد حدود وطاقات؛ قدرات واستطاعات إن تجاوزت الأثقال قدراته راح يئن متقاصرا ما لم تسعفه الروح كي يسمو وفي السجن لا يحضر السمو دائما فشرط الحياة دون المستوى الذي يبيح للنفس زجر الجسد كي يرعوي قليلا ؛كي يكف عن الارتجاف بردا وخوفا ؛ كي يتجاوز المحن دون إحداثات مخجلة .
في ليلة من ليالي شباط الباردة كنا على موعد مع امتحان آخر ؛ امتحان كاشف ليس لنا كسجناء فحسب بل وللنظام ذاته ؛ للسجان وللسجن . هل للقدر علاقة بما جرى في تلك الليلة الطويلة الخانقة أم هي طبيعة النظام التي أفرزت الكثير من المآسي وقادت إلى الكثير من المسالك السلبية ليس عند أهل النظام المتحكمين بأسباب القوة بل وأيضا عند خصوم لهم ؛ خصوم اقتنعوا بذات القناعة واحتكموا إلى ذات الأدوات لإقصاء الحاكمين .

كيفما قلبت صفحات ذاكرة في تلك الأيام ستجد مسئولية أهل النظام أكبر بما لا يقاس عن مسؤولية معارضيهم ممن لجأوا إلى العنف والسلاح طريقا لتحقيق قناعاتهم ، النظام الذي جاء أيضا بالقوة عبر سلسلة من الانقلابات ؛ امتلك الدولة وآليات الدولة وراح عبرها يعيد ترتيب موازين القوة الداخلية وتنظيم المجتمع وفق آليات تحفظ بقائه وتديم استمراره فلما جوبه بأداة من أدواته كانت إلى وقت قريب سبيله إلى التذرير والوقاية من ثقافة ليبرالية حديثة الولادة لكنها واعدة ؛ لجأ إلى منطق خصومه؛ إلى منطق العصابات ؛ مستخدما آليات الدولة ولن ينفع أيّ سؤال عن الباديء ؟ ولا عن الظرف إن كانت الغاية هي الفهم لا التحامل ..
من بين كثيرين كانوا ضحايا أساليب النظام وأجهزته في معالجة مشاكله الأمنية القائمة في جزء كبير منها على الوقاية ( نصب الفخاخ وتوريط المعارضين أو المستائين ) شخصين كانا معتقلين من قبل ما يسمى ” الأمن العسكري ” .. لم أعد أذكر الأسماء ولعلي سأحصل على ذلك في وقت قريب ؛ أحدهما من بيت ( قص قروش ) كلاهما حلبيان؛ من سنة حلب !!. ويقال أنهما قاما بتسليم عددا كبير من ( جماعة الأخوان ) لقاء وعد بإخلاء سبيلهما ؛ مرت الأيام ولم يخلى سبيلهم وهذا دليل آخر على منطق الانتقام وروح العصابة عند أهل النظام القائم على الخديعة إذ يفترض بمن يمثل السلطة وبمن يملك أدوات الدولة أنْ يترفع عن تلك الأساليب ؛ ألا يخضع لعقلية الانتقام وألا يبرم قولا أو عقدا فينكره ؛ يتوجب عليه معاملة خصوم النظام اللذين هم بشكل ما خصوم الدولة وفق القانون ؛ حتى لو كان هذا القانون مفصلا على القد .. وفي رأي المتواضع أنّ إجراء القانون يحمي المنفذ أكثر مما يحمي المنفذ عليه .
مرت سنوات كثيرة و” قص قروش” مع صاحبه ينتظران تحقيق الوعد لكن ذلك لم يحدث ؛ كل ما حصلا عليه ؛ بعض المكاسب الصغيرة كالراديو وآلة خياطة مع لوازمها وكانت علاقاتهما مع السجان الخاص بهما حسنة ؛ يلعبون معه الورق ويتسامرون معه بعض الوقت . فمن يتحمل وزر ما آلت إليه الأمور ..؟ مقتل السجان طعنا بمقص الخياطة ومن ثم استيلائهما على مسدسه ومقتل هذين الآخرين عند طلوع الشمس من قبل مجموعة اقتحام استخدمت قذائف آرج والرصاص الحي .. بأي عقلية يحكم الحاكمون ..؟ وهل اقتحموا سجن صيدنايا بنفس الطريقة وقبل ذلك سجن تدمر..؟ . المعادلة البسيطة تقول أنّ القوي لا يفرط بقوته ؛ التفريط على ذاك النحو دليل ضعف أولا وعلى شعور عميق بعد المشروعية / نجد ذلك عند إسرائيل وعند الأنظمة المصنعة المشابه لإسرائيل / ثانيا
إنه بالضبط منطق العصبة ما قاد إلى تلك الليلة .. في الحق !!.. وهل من حق يقال هنا .. كلمة تقال .. قد تكون في غير محلها أو قد تعطي انطباعا خاطئا .. لكن هكذا هي الأمور في ظل الاستثناء ؛ إذ يصبح السجان الفاسد؛ القابل للرشوة ؛ مقبولا عند السجناء اللذين يجدونه لطيفا دمثا وخدوما أيضا ؛ يحضر لهم التبغ ؛ يمنحهم فرصة تنفس أطول ؛ يدخل مهاجعهم ويلعب معهم الورق .. ذلك هو ” أبو عادل” صاحب ” الشنطة ” ؛ شنطة ” أبو عادل ” تخرج معه من السجن مليئة بخيرات السجن وتعود مليئة بطلبات السجناء ووصاياهم.. ولن ينفع القول المهموس به من قبل ” سجناء” أن سنية ” أبا عادل” هي السبب في تعاطفه مع السجناء ؛ أولا معظم السجناء المتروكين لعهدة في تلك الآيام شيوعيين من صنفين متنافسين طالما تبادلا الاتهامات بما في ذلك التهم الطائفية !! وثانيا ” أبو جمعة” و” أبو أحمد” كلاهما ينتمي إلى الطائفة السنية ولا يقلان على المستوى الشخصي حقدا وكراهية للسجناء وللشيوعيين بالدرجة الأولى ؛ أما دين ” أبو عادل ” فهو المال ؛ هو صورة النظام الأخرى ونموذجه الآخر المقابل لنموذج ” أبا جمعه ” السني الذي يرغب بقطع أعناق الشيوعيين و ” محسن ” الذي يعتقد أن قائده الأكبر رحيم عظيم فلم يأمر بـ: ( محق وإبادة الخونة ) نحن جميعا في عرفهم خونة وأعداء لا يختلف عند معظمهم عن الصهاينة اليهود وما الذي يمكن فعله عندما يقتحم ( جنود الوطن الأبطال حصنا من حصون اليهود ) أثرون إلى أي مدى كبيرة هي قدرات تلك الشراذم الآفاقة؟. أين يكمن الخلل في عقولنا..؟ كيف نحاكم بعضنا بتلك الطرق الإختزالية.. ألست آدميتنا سابقة على كل انتماء ..؟ فمن يقسم الحظوظ.. الأقدار.. الأرزاق .. الأماكن ..؟ أليس في أسئلتي هذه بعض السذاجة.. بلى … فما زلت ساذجا كبيرا وحالما متفائلا وأنني لأفضل ذلك على أي خيار آخر كان بإمكاني القيام به في محطات كثيرة في حياتي..
كنت قد حدثتكم في وقت سابق عن مفارش الإسفنج الماصة للرطوبة ؛ القابلة للتحلل وللاحتراق ولكن لم أحدثكم عن أحتراقها في أقصى الجناح بالقرب من المهجع رقم 10 والسبب في ذلك أنني لم أكن معتقلا موقوفا حينئذ ؛ بالتالي أعرف الكثير من وقائع ذاك النهار الذي كاد أن ينتهي بفاجعة كبيرة لم ينقذ السجناء منها إلا شجاعة ” فيصل كرديه ” واستبساله في تحطيم القفل المعدني الضخم على حد علمي و” فيصل ” هذا ينتمي إلى حزب العمل وهو من أسرة حلبية ميسورة الحال؛ ضخم الجثة ؛كبير الكرش ؛ يحب بطنه وهو إلى ذلك طيب القلب سريع الانفعال والرضا ؛ يحب كرة القدم ويتعصب لنادي الإتحاد وكان في ذاك اليوم شريكا لـ ” أبو عادل ” في لعبة ” البوراكو ” وللعلم هو الوحيد الذي يتحمل تلك المشاركة الخاسرة ؛ فالسجان لا يجيد اللعبة وهو من الخاسرين دائما لكنهم يتركونه يربح فيهلل وينبسط .. قبل موعد إغلاق المهاجع مساء / أثناء مناوبات ” أبو عادل ” تظل الأبواب مفتوحة حتى يشعر بالتعب ويمضي لينام في المسماة ( غرفة المفرزة ) ويتقاسم هذه الحجرة سجان الأمن السياسي مع سجن الأمن العسكري وفي هذه المفرزة خزانة خشبية توضع فيها لوازم السجانون وأسلحتهم وكان البائسين اليائسين ( قص قروش ) وصاحبه على علم بمحتويات الخزانة من خلال جلساتهم المشتركة مع سجان ( العسكرية ) وشخص آخر يقال له ( عثمان ) و ( عثمان ) هذا حكاية أخرى لربما مررت بها في وقت لاحق ومن ” عثمان ” هذا ومن ( الخزمجي أبو عرام ) علمنا بالتفاصيل الأولى لأحداث تلك الليلة . قال ” عثمان ” وقال ” أبو عرام ” اللذين خضعا للتحقيق وهددا بنفس الوقت كي لا يبوحا بحقائق أخرى لم نستطع معرفتها ؛ قالا : ( أراد السجينين الهرب ) فلما كشف أمرهما من قبل السجان الآخر التابع أيضا للأمن العسكري الذي التقى بهما ؛ كما يقول القائلون ؛ عند مدخل الجناح . فما الحقيقة ولم أخضع ” عثمان ” و ” أبو عرام ” للتحقيق والتهديد ؟ هل اكتشفا شيئا لم يرغب القائمون على الأمر بإفشائه في فترة مليئة بالأسرار والدسائس ؛ فأي أمن هذا وأي أجهزة تلك التي تنصب الفخاخ لشعبها وتغري فئات من السكان بأمر لتنقض عليهم فيما بعد.. هل تتعلق تلك المعلومات باتفاق ما أجري بين هذين الشخصين و رئيس فرع الأمن العسكري بحلب ( مصطفى التاجر ) ؛ اتفاق قال عنه الهامسون أنّه حدث منذ زمن بعيد ؛ اتفاق يقضي بتوفير أسباب الفرار لهما للجوء إلى تركيا وهل كان ما يعرفانه يتطلب تصفيتهما بتلك الطريقة من خلال دفعهما للهرب ؟! .. أكانا حقا غبيين مخدوعين أم يائسين لم يجد ا سبيلا آخر غير محاولة الهرب .. الأمر الأكيد أنهما لم يعاملا أبدا كمواطنين ولم يتصرف القائمون على الأمور كحاكمين أو كرجال دولة بل تصرفوا كرجال عصابات ؛ كقتله .. مهما كانت الذرائع والمبررات يفترض أن يكون هناك فارق كبير بين تصرف الحاكم ـ مالك زمام الدولة ـ وبين المتمردين على حكمه.
عند حدود التاسعة أو دون ذلك ؛ لم أعد أذكر على وجه اليقين ؛ حدثت جلبة لم نتبين منها وبعد قليل سمعنا أصوات تصرخ بفزع أغلقوا الأبواب ؛ في ذات الحين عاد ” أبو عادل ” من جهة المفرزة وهو يركض فزعا باتجاه آخر الجناح ؛ في الحال دخل إلى المهجع العاشر المجاور لمهجعنا رقم 9 وفيه شيوعيين فقط مثل مهجعنا بالكاد توفرنا على بعض المعلومات ؛ معلومات عن مقتل أحد سجاني مفرزة الأمن العسكري من قبل ( قص قروش) وصاحبه بواسطة مقص خياطه ومعلومات عن استيلائهما على السلاح الموجود في الخزانة وفهمنا أيضا من تلك النثرات أنهم سيتخذون مننا رهائنا .. في نفس الوقت راح الدخان يتصاعد من مفارش الإسفنج الموضوعة في المهجع رقم 4 وكان حينئذ فارغا ـ لأستطيع الزعم بأنّ شهادتي دقيقة كاملة لكنها قطعا صحيحة ـ وعلى ما يبدو أرادا من هذا الأمر ـ سكب الكاز فوق المفارش ومحاولة حرقها إعطاء انطباع عن جديتهم وهي كما اعتقد جدية تعبر عن اليأس .. على الأقل عند أحدهما .. ذاك الذي سمعناه أكثر من مرة يدعو صاحبه إلى القيام بحرق الجناح بما فيه لكن الآخر رفض قائلا بحزم سمعناه يتكرر عدة مرات : ( لا .,. حرام )
بناء على معلومات اليوم التالي ؛ علمنا أنّ اليائسين أردا الخروج من السجن والهرب لكن الصدفة .. هل هي صدفة .. فعلا .. أم مكيدة دبرت للتخلص منهما ولو أدى الأمر إلى التضحية بالسجان الآخر .. لم خرج السجان الثاني من المفرزة ولم عاد عند محاولتهما المرور من الباب الرابع المؤدي من الخارج إلى الجناح.. أسئلة كثيرة سرها عند أهل النظام وفي ملفاتهم .. هذا إن كان لديهم ملفات الصدفة وحراس السجن من الشرطة أعادوهما إلى الداخل لنشهد ليلة لم يرد ذكرها في كتاب ولا في خبر .. في تلك الأثناء دخلنا جميعا ؛ ستة عشر شخصا ؛ في الحمام والمرحاض ومساحة نصف متر عرضا ومترين طولا ؛ تقع في وسطها المغسلة والستة عشر شخصا هم : ( ياسين الحاج صالح ـ أحمد كيالي ـ هيثم كيالي ـ رمضان الحسين ـ إلياس سعد؛ جورج سبع ـ شمس الدين كيلاني ـ أحمد عيشة ـ محمود زعرور ـ خلف محمد ـ أبو نيروز ـ أبو خليل ـ ماجد حبو ـ فهد محفل والعبد لله ) فأي أفكار وأي مشاعر ؟ .. أي لحظات بطيئة باردة منذرة بأخطار شتى .. الموت اختناقا أو قتلا .. كان الدخان يتصاعد بكثافة ملتفا داخل المهاجع وكان أحد الشخصين يروح ويجيء وهو يتوعدنا بالموت حينا وبالخنق حينا آخر .. دون أنْ ينسى اتهامنا بالجبن ..: ( اخرجوا يا جبناء .. ياشيوعيين ) من يخرج ولم وكيف ؟.. في تلك الأثناء راح الدخان يتكاثف متسللا إلينا متلويا عبر الفتحات الكثيرة بين الباب المعدني الأسود الثقيل وبين الجدران بل ولم يكن الباب ذاته ينغلق بشكل جيد( بسبب سوء الصنع بالدرجة الأولى وهذا كثير في البلاد فالسيء لاينتج أو يصنع سوى السيء والفاسد لا يفعل إلا الفساد )
في تلك الليالة الطويلة تحالف الخوف مع البرد وهذين مع الدخان الخانق فأي السبل يقصر سبيلا إلى موت بات شبه محتوم عند كثيرين ؛ بعضهم راح يحوقل و ” أبوخالد ” أختص بالدعاء فيما راح خوفه يتحدث بلغة أخرى؛ أخلي له المرحاض وفي جدار المرحاض الخلفي فتحة تهوية صغيرة ودخوله إلى المرحاض يعني إغلاق الباب وبالتالي فتحة التهوية الوحيدة فيما كنا نتدارس أمرا يخفف كمية الدخان المتسلل إلينا ؛ راحت الأصوات في الخارج تتداخل مضيفة إلى خوفنا هواجس تحدث عنها ” شمس الدين كيلاني” بيقين جعل الخوف يتضاعف واليأس يكبر .. لا مخرج .. ميتة لعينة.. خنقا أو برصاص المقتحمين .. فمن صاحب الفكرة؛ فكرة استخدام بطانية مبللة توضع على الباب ؛ أظنه كان ” إلياس سعد” !! لكن بأي طريقة نحصل على بطانية ومن يستطيع بالأحرى من يجرؤ على التسلل والأخطار المجهولة تقع خلف سحب الدخان .. من .. ؟ . كان ذلك الأستاذ ” ميشيل ” ( هيثم كيالي ) الذي قفز بخفة القط ليجلب بطانية ..
لم تخلو تلك الليلة من المرح فإلى جانب أصرار ” أبو خالد ـ الخال رمضان الحسين ” على استخدام المرحاض مرارا وتكرارا ؛ بسبب الإسهال الذي تعرض له تلك الليلة مع ما يعنيه هذا الاستخدام من ملاحق ومرفقات ؛ مضحكة حينا ومضجرة حينا آخر كان وجودنا ( جمعا ) داخل الخطر سببا في انبعاث حس السخرية والتعليق وفي ارتفاع وتيرة الغمز واللمز كما لو أن ذلك نوعا من حيلة عضوية أفرزها الدماغ ليتغلب على انكماشات الجسد ؛ على ارتعاشاته من البرد ومن الخوف؛ على قلقه وتقلصه كانت الابتسامات صفراوية كما يقال وكانت التعليقات مبعثا على تنمية روح التشارك والتسامي في تلك اللحظات المفتوحة على كل احتمال ..
أي محاولة لاستعادة تلك اللحظات ؛ مهما كانت دقيقة وأمينة للتفاصيل فلن تبلغ جزءا عشريا من بلاغة تلك اللحظات ؛ بلاغة القلق بلاغة طلقات الرصاص الأولى ؛ بلاغة الدخان المنذر وهنا أجد نفسي منساقا لأقدم مقارنة طالما خطرت ببالي ؛ بين تلك اللحظات المـُرجفة بردا وخوفا وبين بداية الصراع بين السلطة والأخوان المسلمين ؛ الصراع الذي أرجف البلاد والعباد وراح ضحيته عشرات الآلاف ؛ ففي المرتين كان واضحا أننا لا نصلح إلا كرهائن في صراع محتدم أخذ شكل تكسير عظام بين جهتين طائفيتين لا تستطيعان خوض تلك الحرب ولا تبريرها دون استخدام البعد الطائفي لكل منهما من دون تجييش طائفي لا يستطيع الاستبداد بشكليه الوكيل في المكان والوكيل في الزمان إحراز أي كسب ؛ كلاهما سعى لأخذ جمهوره رهينة ؛ كلاهما ارتهن الشعب السوري مرارا وتكرارا . كلاهما اعتمد على قتل الرهائن والمحتجزين وعلى خوف الجمهور من بعضه بعضا عبر أعمال عدائية أولا ودعائية ثانيا( مجزرة مدرسة المدفعية ؛ مجزرتي تدمر وهنانو) .
أكثر من سبعين سجينا اتخذوا رهائن من قبل شخصيا يائسين ؛ يملكان مسدسين وأكثر من طريقة لإحراق المكان بما فيه .. (( لم يفعلا .)) .!! فما أحرقاه ؛ حسب معلومات اليوم التالي فراشا واحدا من الإسفنج ؛ كانت الغاية من إحراقه والله أعلم مساومة القائمين بالأمر المتواجدين في الخارج ( ضباط من الأمن السياسي وضباط من الأمن العسكري ) ولا ندري من أيضا : ( إما حرق الشيوعيين ) هذا قول سمعناه يتردد أكثر من مرة ؛ هتفوا به عبر النوافذ؛ بعد تحطيم زجاجها .. أو تحقيق مطالبهم ) أو بالأحرى مطلبهم القاضي بالإنتقال إلى تركيا بواسطة طائرة هليكوبتر “حوامه ” تقلهم من سطح السجن ولضمان انتقالهم طلبوا حضور ” مصطفى التاجر ” وحيدا؛ بدون أسلحة .. يداه مرفوعتان نحو الأعلى ..
بغض النظر عن النتائج التي أسفرت عنها تلك الليلة والتي انتهت إلى قتل ” قص قروش ” وصاحبه فلقد تصرف النظام كالعادة بالطريقة التي يجيدها : ( العنف والقتل ) أقول النظام ـ والعلم عند الله ـ قياسا على ممارسات أهله فلا أحد يتخذ قرارا ما لم يستشر رئيس النظام ولا أحد منهم يأخذ على عاتقه أمر قتل دون حماية وتغطية من أولي الأمر وأولي الأمر ينتهون عنده .. وهو ليس ممن يسمعون في آخر المطاف وليس ممن يسمحون باتخاذ قرار لا يعلم به .. هو محيط بهم ؛ يخيفهم كما هم يخيفوننا .. هو من يطلق الأيدي ومن يكفها .. وله من الأجهزة أجهزة ومن الشبكات شبكات ؛ كيفما تحركوا أدركهم .. في لبنان وفي حلب؛ في تدمر وفي حماه؛ في جسر الشغور وفي أي بقعة من بقاع سورية طالها الأذى .. دماء الناس في عنقه وأرواحهم هو من أمر بزهقها ولعله كان سعيد في تلك الليلة ؛ مسرورا بقدراته اللامحدودة في إلحاق الأذى والألم بكل مواطن سوري ؛ متى شاء ومتى أراد.
ذلك أمر أكدته طريقة الاقتحام التي نفذوها قبل شروق الشمس فلم يكونوا معنيين إطلاقا بعدد الضحايا ولا بمصير من سماهم ” قص قروش ” مخادعا نفسه رهائن .. اقتحموا المكان وهم يجهلون مكان السجناء ـ الرهائن .. لم يترددوا بشأن ذلك .. المهم هيبة النظام وهيبة النظام عندهم لا تقوم إلا على القتل والقمع والإرهاب .. هل خطر ببال أحد منهم ؛ سواء كبير المقام أو صغيره .. أننا منبطحون على أرض الممر كما أوحى لهم ” قص قروش” .. بالتأكيد أخذوا ذلك في الحسبان وعلى أساسه تصرفوا .. عندئذ سيقال أنّ الإخوان المسلمين فعلو ا ذلك ؛ قتلوا الشيوعيين ..
ونحن بين نارين؛ نار اليائسين اللذين اتهمونا بالجبن ونار السلطة غير المعنية بحياتنا إطلاقا ,, قبل شروق الشمس بوقت قصير ؛ سمعنا دوي انفجار كبير أعقبته زخات متتالية من الرصاص؛ راحت تقترب من مهاجعنا .. كثيرون تشاهدوا .. في مقدمتهم ” أبو خالد ” .. إنها النهاية .. إذن ..
الحوار المتمدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى