مسألة المواطنة… كرامة قبل كل شيء
إيمان أحمد ونوس
إن أولى مقومات المواطنة في أيّ بلد، هي العيش بكرامة تليق بإنسانية المواطن مهما اشتدت وتعددت الأزمات، ومهما طال أمد الحصار( سياسي، اقتصادي، أم مناخي)
وأقل مستويات هذه الكرامة، ان يعيش المواطن بأدنى مقومات العيش، ألا وهما اللقمة والمسكن اللذين يحفظان حياة هذا المواطن من التلاشي والتبعثر على تخوم الحاجة والعوز أو الفقر.
فالمواطَنة مفهوم إنساني- حقوقي يتضمن جملة من الحقوق والواجبات يكفلها الدستور في أيّ بلد لمجموع الأفراد المنضوين تحت لوائه.
وقد جاء في المادة/12/ من الدستور السوري ما يلي:
((الدولة في خدمة الشعب وتعمل مؤسساتها على حماية الحقوق الأساسية للمواطنين وتطوير حياتهم كما تعمل على دعم المنظمات الشعبية لتتمكن من تطوير نفسها ذاتيا.))
إذا كان هذا مفهوم المواطنة في الدستور، فهل تقوم الدولة فعلاً بالعمل على خدمة الشعب كي يظل موفور الكرامة، حرّاً وعزيزاً، وعصيّاً عن أي اغتراب يرتحل به إلى حالات من انعدام شعوره بمواطنيته.
وإذا كان واضحاً من المادة أعلاه مستوى وحقوق المواطنة، فإلى أية خانة يمكن لنا أن ننضم، طالما أننا لا نحصل من مواصفات هذه المواطنة على أدنى حقوقنا، وهي العيش بكرامة تليق بإنسانيتنا عبر تلبية مستوىً ضئيل من احتياجاتنا الأساسية( الطعام، الصحة، التعليم)
فإذا ما ألقينا نظرة متفحّصة على الواقع المعاشي الذي يلقي بظلاله الثقيلة على الغالبية العظمى من الناس، نجد أن هناك اضطراباً غير معهود خلخل واقع الناس بما لا يقبله عقل أو منطق، لأنه بشكل أو بآخر مسَّ جوهر وجود الإنسان، أي طعامه- قوت يومه الذي بات عبئاً ثقيلاً ينوء الجميع تحت وطأته، بسبب الارتفاع غير المسبوق في أسعار المواد الغذائية الأساسية، والتي أضحت في غالبيتها حلماً للفقراء من العسير تحقيقه، خصوصاً أنها فترة تفترض الركود في الأسعار بعد انقضاء عدة مناسبات متتالية دفعت بالأسعار إلى التحليق في حينها.
إن ما يجري الآن مخالف لأعراف أسواقنا وتقاليدها، وهذا ما يثير العديد من الأسئلة حول الأسباب التي تقف وراء ذلك. وإن كانت بعض تصريحات المسؤولين في وزارة الاقتصاد تُجافي الحقيقة في إجابتها على أسئلتنا، إذ أرجع مدير حماية المستهلك في وزارة الاقتصاد ارتفاع أسعار بعض المواد الغذائية وخاصة الخضار والفواكه إلى قلة العرض وزيادة الطلب، وأعتقد أن هذا الكلام فيه مبالغة بسبب ما نعرفه عن وضع الأسواق والمنتجات الزراعية في هذه الفترة من السنة، حيث انتهى التحضير لمؤونة الشتاء، وبالتالي فإن العرض يبقى أكثر من الطلب، مما يؤدي لانخفاض الأسعار.
غير أن حركة التصدير هي وراء ارتفاع الأسعار، وليس كما قال مدير حماية المستهلك في وزارة الاقتصاد أن الجفاف وموجة الحر الشديد أديّا إلى نقص في إنتاج السلع الغذائية من خضار وفواكه.
فإذا كان الجفاف فعلاً هو السبب، فلماذا لم ينخفض سعر اللحوم..؟ لأنه وكما هو معروف أن الجفاف يؤدي إلى انخفاض أسعار اللحوم بسبب قلّة الأعلاف.
وبعد، هل يُعقل أنه لا يمكننا شراء اللحوم وبعض أصناف الخضار والفواكه من إنتاج أرضنا بينما ينعم فيها من تُصدَّر إليه..؟
هل يُعقل أن نبقى تحت وطأة أطماع تجّار أسواق الهال الذين يأكلون البيضة والتقشيرة..؟ فلا الفلاح أو المنتج نال ما يستحق من أسعار محلّقة أبداً، ولا المواطن استطاع تلبية أبسط احتياجاته الأساسية من الخضار التي تُعدُّ عصب غذائه.
هل يُعقل أن نبقى كمواطنين تحت رحمة اللحوم المهرّبة والمشكوك بصلاحيتها، والتي باتت أخباراً يومية في الإعلام- الكشف عن كمية لحوم مهربة غير صالحة للاستهلاك البشري- أم علينا أن نتعامل مع كل هذه الاحتياجات على أنها احتياجات ترفية وترفيهية لا ضرورة لها.
وإذا ما يممنا شطر الجانب الصحي، فإن ما أُثير مؤخراً عن نيّة إدارة مشفى الأطفال بدمشق تخصيص(40%) من المشفى كقسم مأجور، يعني أن العديد من الأطفال المرضى الفقراء لن يجدوا مكاناً لهم في هذا المشفى اليتيم في القطر، بسبب الازدحام الكبير الذي سيُضاف إلى القسم المجاني، وبالتالي على هؤلاء الأطفال وذويهم انتظار رحمة السماء علّها تكون أكثر عدالة من الأرض ومن عليها، لأن التسعيرة المقترحة في القسم المأجور المزمع إحداثه ستكون عشرة آلاف ليرة اسبوعياً يُطلب عليها زيادة مع مرور كل أسبوع إذا ما كان هناك حاجة لتمديد العلاج.
هذا الوضع في مشفى وحيد في القطر يقدم خدماته لعموم أطفال سورية، هل يتوافق مع ما تطرحه الحكومة دائماً حول دعمها للقطاع العام الصحي وتحسين خدماته..؟
فإذا كان مشفى الأطفال، الذي تلجأ إليه آلاف العائلات السورية الفقيرة، سوف يتحول إلى مشفى مأجور… فعن أي دعم تتحدث الحكومة؟!
وهل تعي تلك الحكومة حجم التأثيرات السلبية على حياة آلاف الأطفال الفقراء الذين نراهم دوماً يفترشون العراء، منتظرين دورهم في ظل مجانيته، فماذا سيكون مصيرهم في ظل خصخصته..؟
و هل هي تعي تماماً حجم التأثيرات السلبية الخطيرة التي سوف يتركها مثل هذا القرار الخطير على حياة آلاف الأطفال الفقراء و من ذوي الدخل المحدود؟!
أهذا ما تعهدت به الحكومة أثناء توقيعها على اتفاقية حقوق الطفل..؟ أليست العناية الصحية أبسط حقوق الطفل للحفاظ على حياته..؟
هناك مثل شعبي يقول ما معناه( ما يحتاجه البيت حرام على الجامع) بمعنى أن يؤدي ربُّ البيت التزاماته تجاه أسرته أولاً، ومن ثم يتبرع بالفائض للجامع إن أراد.
فإذا ما اعتبرنا حكومتنا هي ربُّ البيت، فعليها وحتماً تلبية احتياجات المواطنين ضمن المعقول، ومن ثمّ تفكر بالتصدير لأجل دعم إيرادات للخزينة العامة.
كما عليها الحفاظ على حقوق أطفال سورية في أن يكون لهم مشفىً مخصصاً لهم وبالمجّان لأجل الحفاظ على حياتهم ونموهم..
أم أن هذه الحكومة بعد انتهاجها اقتصاد السوق تركت المسألة لمعادلة العرض والطلب، وضربت بعرض الحائط كرامة واحتياجات المواطن التي كفلها له الدستور.