ما هي خيارات الإعلامي الشاب السوري؟!
موريس عايق
لست في موقع أحسد عليه، ولا أتمناه للقارئ أبداً… أن تكتب عن الإعلاميين الشباب وأنت قابع في قفص الاتهام ذاته… أن تحاول الانحياز للقارئ قبالة من يفترض بهم الانحياز له
أن تنقل تفاصيل عملهم وهمومهم ومشاكلهم وآمالهم وطموحاتهم ليس من موقع المتفرج بل من موقع المشارك بها والمعايش لها يومياً… كل ذلك حاولت تجنبه قدر المستطاع في الكتابة عن الإعلاميين الشباب، لكن يبدو أني عبثاً حاولت!!
في الإعلام السوري كما في باقي قطاعات المجتمع السوري الأخرى، شكل الشبان العاملون في مجال الإعلام أغلبية عددية ساحقة، خصوصاً بعد السماح للقطاع الخاص بالدخول (جزئياً) إلى المنظومة الإعلامية السورية، لكن مفاصل القرار لا تزال هرمة. وإن كان الهرم يحمل في بعض أوجهه معنىً سلبياً، يمكن القول أن غالبية مفاصل صناعة القرار لا تزال “غير شابة” في المجمل. ورغم أن الشجون الإعلامية لا تقتصر على الشبان وحدهم، إلا أننا في استقصائنا هذا حاولنا الاقتصار على خيارات الإعلاميين الشباب المتاحة بعد أن سألنا عن خيار الإعلام عموماً في الشباب. ولنبدأ أولاً بالسؤال: ماذا يعني أن يكون الإعلامي شاباً؟
الإعلام شاباً
يرى الصحفي خالد الاختيار، (صحفي مستقل) أن الإعلام يجب أن يكون شاباً دائماً بغض النظر عمن يعمل به، سواء كان شاباً أم غير شاب لأن الإعلام برأيه يحكي عن الراهن ويوصف الراهن. أما التاريخ فمكانه كتب التاريخ، وبهذا المعنى يجب على الإعلام أن يكون معاصراً.
يقول خالد: “في الإعلام المكتوب لا يظهر عمر الصحفي. ربما يلتقط المتلقي بعض الإشارات من النص أو من الخطاب الإعلامي الذي يقدمه. لكن هذه المؤشرات ليست دقيقة دائماً فيمكن أن يكون الإعلامي بعمر الشباب لكنه بذات الوقت أسير خطاب إعلامي يحكي عن الأمس أكثر مما يحكي عن اليوم أو عن الغد. كما أن هناك إعلاميين مخضرمين لكن تجربتهم الناضجة تنتج خطاباً يناقش اليوم والغد ويتحلل من قيود الأمس”.
من جهتها تتساءل الإعلامية الإذاعية فابيين بريقع من راديو أرابيسك، من يفهم الشاب أكثر من الشاب نفسه، ومن يفهم الصبية سوى الصبية التي تجايلها؟! الإعلاميين الشباب هم أكثر من يعرفون هموم الشباب ويتحدثون بلغة مشتركة معهم.
وتضيف فابيين قائلة: “أن يكون الصحفي أو الإعلامي شاباً يعني طاقات هائلة وطموحاً وشغفاً كبيراً. صحيح أن الإعلامي الشاب تنقصه الخبرة الموجودة لدى المخضرمين مثلاً لكنه يمتلك نضارة أكثر وشغفاً للعمل أكبر على ما أعتقد. وبحسب تجربتي المتواضعة أرى أن هناك مدراء في مجال الإعلام أو قائمين على منابر إعلامية، عديدة، ينظرون إلى تلك النضارة وذلك الشغف الذي يتمتع به الشباب بإيجابية لا بل ويأخذونها على محمل الجد ويحاولون دعمها وتشجيعها”.
فيما يرى خالد الاختيار أن انفتاح الإعلام على الشباب في السنوات الأخيرة التي تلت قانون الإعلام الأخير، هو انفتاح جزئي ونسبي، فما يبتغى من هذا الانفتاح ليس فكر الشباب بل نشاطهم. هم لا يريدون أفكارهم بقدرما يريدون فاعليتهم وحركتهم وامتلاكهم لناصية التكنولوجيا الحديثة والكومبيوتر والانترنت. يريدون عيون الشباب لا رؤيتهم. بالمختصر هم يوظفون طاقات الشاب البيولوجية، وفقط.
لا يرى خالد أن الخيارات عديدة أمام الإعلامي الشاب في هذا الوضع، فهو إذ ذاك أمام خيارين إما أن يوافق على أمل تغيير هذا الوضع لاحقاً أو أن يرفض… وفي ظل غياب الخيارات الأخرى يكون الخيار الأول هو الأقرب للواقع، أي أن يقبل الشاب التحدي ويناور لأنه بالأصل الأقدر على المناورة.
الأستاذ أحمد تيناوي، مدير تحرير جريدة بلدنا اليومية والتي تعتمد على الشبان بالكامل في تحريرها، تحدث عن خصوصية التجربة مبيناً أن الصحفي في “بلدنا” يجمع المعلومات ويكتب موضوعه الصحفي بل وينضد موضوعه على الكومبيوتر ويخرجه بشكله النهائي إذ يضع الصور والماكيت لأنه يعرف روح المادة أكثر من المخرج الفني وهذه الخصوصية تريد بل وتحتاج روحاً شابة بالتأكيد.
لكن الأستاذ تيناوي علق على سؤال ما معنى أن يكون الإعلامي شاباً بالقول: “أعتقد أن سؤالك في جزء منه خاطئ لسبب بسيط وهو أنه افترض وجود منطقتين متحققتين هما الشباب والإعلامي… علينا أولاً أن نعرف ماذا يفهم الشاب من الإعلام. إلى هذه اللحظة أغلب الشباب الذين يعملون في الإعلام يعتقدون أن الرسالة الإعلامية التي عليهم إيصالها غير موجودة! وأنا أرى أن معظم الذين جاؤوا لحقل الإعلام يعتقدون أن الإعلام هو الدراسة بالجامعة بينما أرى أن المسألة ليست كذلك. أنا أشعر أن الجيل هذا لا يعرف ماذا يريد، هذا الجيل يحتاج للمعرفة ومن ضمن هذه المعرفة الإعلام.
وحين تساءل الأستاذ تيناوي كم نستطيع أن نعد أسماء إعلاميين شباب استطاعوا أن يحققوا “معادلة إعلامية صحيحة” في سورية، أردف قائلاً: “هناك آلية تفرض أن يأتي الشاب ليعمل بذات الآلية السابقة، لماذا؟ أولاً لاكتساح الآلية السابقة للمساحة الإعلامية وثانياً لعدم وجود البديل والبديل يأتي من المعرفة”…
وأردف قائلاً: “لا أعرف كيف يكون شاب سوري صحفياً! هل يقدم مادة مكتملة أم يقدم مادة خفيفة وظريفة؟ هل يريد الحديث بالعامية أكثر أم يضع صورته وهو مضع وينظر للسماء معتقداً أنها تناسب المساحة الإعلامية الجديدة؟!”نحن أمام مشكلة حقيقة.”
بيت تخفق الأرواح فيه
بيت يسكنه شباب فقط ليس بالبيت الجميل، وبيت يسكنه كهول فقط ليس بالبيت الجميل أيضاً. البيت الجميل هو البيت الذي يسكنه الآباء مع الأبناء مع الشباب والكهول… هو بيت لأرواح متنوعة تتلاقى فيه. بهذه الكلمات علقت الإعلامية الإذاعية هيام الحموي على فكرة وجود مجلة أو وسيلة إعلامية مخصصة للشباب فقط أو وجود إعلام مخصص وموجه للشباب فقط في حالة تشبه العزل أكثر مما تسعى لزيادة التركيز على ما يهم الشباب. وبوضوح أكثر قالت لنا أنها لا تفضل أن يوجه خطاب إعلامي للشباب معتبراً إياهم جزءاً منفصلاً عن باقي المجتمع.
هيام حموي ومن خلال تجربتها في إذاعة شام إف إم مع عدد كبير من الشبان الشغوفين بالعمل الإعلامي وأيضاً من خلال دورات تدريبية عديدة دربت فيها إعلاميين شباب، أوضحت أن تجربة الإذاعة تعتمد على استقطاب مواهب شابة، قد لا تكون ذات تجربة سابقة أو كبيرة في العمل الإعلامي بشكل عام. ولكن تتمتع بالنواة القابلة للنمو. سواء من ناحية الصوت أم من ناحية القدرة على الابتكار. وقد عمدت إدارة المؤسسة على وضع هذه المواهب الجديدة في احتكاك مباشر مع المذيعة “المخضرمة” التي هي “أنا”. فكأن هذا الاحتكاك اليومي المباشر أفضل وسيلة تدريب عملي. بحيث يلاحظ الزملاء الشباب – الذين أطلقت عليهم في البداية صفة “أبنائي الإذاعيين” – أهمية تفاصيل قد تبدو “نظرية” إذا ما قيلت في ورشة تدريب تقليدية. كأهمية الدقة في المواعيد. وأهمية انتقاء الكلمات والمفردات. والانتباه إلى أن كل كلمة مذاعة تشكل مسؤولية بالغة الخطورة. وأن النجومية السريعة يمكن أن تشكل خطراً على المذيع وعلى المستمع في القوت ذاته… عدا عن أن تعريف المذيع الشباب بما تسمح به الإمكانات التقنية بفتح أمام مخيلته آفاقاً أرحب لمزيد من الابتكار. هذا إلى جانب كشف الصعوبات التي يمكن أن تواجه المذيع في الحياة اليومية عند إعداد البرامج.
وتضيف الحموي: “هذا التعامل اليومي بين جيل المذيعين الشباب والجيل “المخضرم” هو أفضل وسيلة لإعداد فئة من الإعلاميين المتمكنين والواعين لحجم المسؤولية الإعلامية”.
أما عن فرص العمل فرأت الحموي أنها اليوم ربما تكون أكبر بالنسبة للشباب الراغبين في العمل الإعلامي. وتوضح: “خصوصاً بعد إفساح المجال للمؤسسات الإعلامية الخاصة. وإلا فإنها يمكن أن تقضي تماماً على الطموحات والمواهب الشابة. أو تدفع بها نحو الإسفاف. مما يمكن أن يشكل خسارة كبرى للمهنة الإعلامية”.
ما هي خيارات الشباب؟
تقول فابيين: “دائماً هناك قطاعات متاحة أكثر من الأخرى بالنسبة للإعلاميين الشباب، لكن دائماً هناك خيارات أمام من يعرف ماذا يريد…” وتصر فابيين أن الخيارات موجودة دائماً أمام من يعمل على مشروعه الخاص. لكن السؤال الآن، هل يتاج للإعلامي الشاب أن يكون له مشروعه الشخصي؟ وأن يعمل عليه أيضاً؟ تجيب فابيين: طبعاً… إن عرف الشاب نفسه وعرف إمكانياته يمكن أن يعرف ماذا يريد ويحدد خياراته. طبعاً هنا لا أقصد بالمشروع الشخصي أن يكون مشروع الصحفي أن ينشئ جريدة والإعلامي الإذاعي أو يمتلك إذاعة، لا بل من الممكن أن يركز أثناء عمله على جانب ما يتناسب واهتماماته.
هل هناك خيارات بما يخص الوسائل الاعلامية؟
هناك خيارات ليست بالقليلة وهناك شبان إعلاميين يعملون في الإعلام المسموع والمكتوب وأحياناً في المتلفز بذات الوقت. الخيارات دوماً موجودة وأنا أعود للانسان حينما يعرف نفسه وإمكانياته ويعرف ماذا يريد يعرف بالتالي أن يحقق مشروعه وخياره… بينما حينما يكون ريشة في مهب الريح لا يستطيع أن يجد أي من هذه الخيارات.
خالد الاختيار تساءل في البداية إن كان الشباب عموماً لا خيارات كثيرة أمامهم فكيف نتوقع أن تتاح الخيارات أمام الشاب الإعلامي؟ فالإعلامي الشاب له ما للشباب كلهم وعليه ما عليهم فهو يعايش كامل مشاكل الشباب وهمومهم.. كيف يمكن أن نطالب الإعلامي أن يكون متخصصاً في حين لا يوجد في البلد كلها متخصص فأساتذة المدرسة يسوقون التاكسي والصيادلة يعملون كمندوبي مبيعات طبية!
ويرى خالد الاختيار أن الشباب عموماً يختارون (مجبرين) الابتعاد عن السياسة، لكن الثقافة بحسب خالد ليست بالأمر الهين أيضاً وفيها “ممنوعات” لا يستهان بها وإن أردت أن تكون صادقا وأنت تعمل بها لن يبق لك أصدقاء. أما الاقتصاد فالشاب السوري ليس لديه خيارات عديدة. لكن السؤال الأول قبل كل هذا هل هناك حرية تعبير تتيح لك الاختيار؟.
إشكالية الانتماء لوسيلة إعلامية
رشا فائق، صحفية مستقلة أيضاً تعمل مع أكثر من وسيلة إعلامية. وتقول: أجد صعوبة بالتعريف عن نفسي بأني صحفية، فالصحافة بالنسبة لي فعل يومي وآني وساعي… أي أن الصحفي هو صحفي كل يوم وكل ساعة. وأنا أرغب في كثير من الأحيان بالكتابة عن موضوع محدد أتوقع أنه يهم القارئ، لكن ولتعدد الوسائل التي أعمل بها لا يتيح لي أن أكتب في كل ما أرغب. كما لا أتمكن من التفكير بالقارئ إلا من خلال الوسيلة التي أكتب لها آخذة بين الاعتبار من سيقرأها ومن يهتم بها، وهي من ترغب أن تخاطب. لذلك لم أتمكن بعد من أن أكون صحفية طوال اليوم أو في كل يوم.
أشارت رشا في حديثها أيضاً للصعوبة التي تواجهها كونها تتعامل مع أكثر من وسيلة إعلامية، مبينة أنها تجابه بسوء فهم كثيراً فكيف تكون صحفية وبذات الوقت تتعامل مع أكثر من صحيفة…
وأخيراً عيب نحكي بالمصاري!!
لن نهمل الحديث هذه المرة عن ضعف العائدات المالية للعاملين بالصحافة عموماً وضعف أجور الشباب خصوصاً. ففي كثير من الأحيان وفي كثير من النقاشات وحتى الاستطلاعات الصحفية عن هموم المهنة تقفز قضايا فرص العمل ومهنية العمل وتطور العمل وحتى حرية العمل الصحفي على حساب الحديث عن الناحية المالية والعائدات المالية. طبعاً الحجة الأكثر شيوعاً هي أنها قضية ثانوية قياساً للقضايا الأساسية كحرية الصحافة والمهنية مثلاً. لكن لن يخفى علينا هذه المرة أن الحديث المتداول بمعظمه (عند إغلاق آلات التسجيل) يجمع على ضعف الأجور لكن ما إن نطلب الحديث علناً أمام أجهزة التسجيل حتى نواجه بالرفض والسبب “عيب نحكي بالمصاري!” تلك المفارقة العجيبة التي تتيح للإعلامي الحديث عن ضعف الأجور لكافة قطاعات العمل الأخرى في المجتمع وبذات الوقت “ينأى” بنفسه عن الحديث علناً عن ضعف أجوره هو رغم تأكيده ذلك…! وبذلك يضاف عامل الأجور أيضاً لغيره من العوامل وفي كثير من الأحيان يكون العامل الصامت لكنه الحاسم في خيارات الإعلامي الشاب.
كلنا شركاء