صفحات الناس

عالم المخدرات في سورية – بشر يعيشون في القاع

null
هنادي الخطيب – جريدة بلدنا
*الهيروئين أخطرها والكوكائين أغلاها ثمناً!! مواعيد تتغير.. وأسماء حركية بين التاجر والزبون!!.
“الحلال” هو الغرام الصافي من الهيروئين!!
الإمساك بتاجر يعني الإمساك بالمتعاطين
“الكريزة” أسوأ ما يمكن أن يتعرض له المدمن!!
قد يسرق المدمن زوجته أو أمه ليشتري المخدرات!!
الاكتئاب يودي بالمدمن إلى الانتحار أحياناً!!
600-700 مريض يعالجون بالمرصد الوطني لرعاية الشباب سنوياً!!
كلما عرض إعلان في التلفاز عن مخاطر تعاطي المخدرات تختلف ردات أفعالنا، البعض يسخر من سذاجتة، وآخرون يتعاملون معه بحيادية نظراً لتأكدهم من خلو المحيطين بهم من متعاطين أو مدمنين، وقد يكون المدمن هو الوحيد الذي لا يهتم بالنظر أو حتى بالسمع.
“عالم المخدرات أو القاع” حيث يعيش المتعاطون بطريقة تختلف عن أي شخص طبيعي، لهدف وحيد يتمثل بالحصول على المادة المخدرة خوفاً من “كريزة” مفاجئة يحسب لها المدمن مليون حساب .
الحذر واجب!!
يعيش التاجر وكذلك المتعاطي خوفاً مستمراً تبدو معالمه واضحة من خلال تغيير موعد ومكان اللقاء عدة مرات عن طريق الموبايل، لتبقى الأسماء المستعملة حركية وغير صحيحة، ومن الممكن أن يتعامل المتعاطي مع أحد المروجين لفترة طويلة دون أن يعرف أحدهما اسم الآخر، ومن المعروف أن المناطق الحدودية كمضايا وسرغايا مثلاً تعتبران من المناطق التي ينتشر بها عدد من التجار وإن كان من الصعب كشفهم، وغالباً ما يتم معرفة التاجر عندما تكثر زبائنه، وفي حال إلقاء القبض عليه فإنه سيجر معه الكثيرين ممن تعود على بيعهم المادة المخدرة، إذ تحوله الشرطة هو نفسه إلى كمين تستعمله لإلقاء القبض على معظم زبائنه من المتعاطين عن طريق إجباره على “ضرب” مواعيد لمن يتصل به، وهنا لا ينجو من السجن إلا “كل طويل عمر”، ولكن الدخول إلى السجن لا يعني بحال من الأحوال إقلاع المدمن عن المادة المخدرة بل على العكس إذ كثيراً ما يخرج ومعه أرقاماً جديدة لتجار آخرين يكفي أن ينقل لهم سلام من أحد “زملاء السجن” “ليضربوا” له موعداً ويمدونه بيعاً بالمادة.
عالم المخدرات مختلف حتى بمصطلحاته وأحكامه، وبالنسبة للمدمن فإن التاجر الذي يبيعه مادة “هيروئين” خفيفة تغلب عليها الحبوب المخدرة هو “غشاش” ولن ينجو من شتائم الزبون ودعواته وتسمى المادة في هذه الحالة بـ”المضروبة” وغالباً ما تكون “مغسولة” أي ناقصة الوزن، أما المادة من النوعية الجيدة فيسمى الغرام الكامل منها “بالحلال” ويساوي وزن سيجارة مارلبورو على الميزان العادي، أو 3 فوارغ طلقة 9 ملغ مليئة بالمادة، أو 3 أغطية قلم بيك، ويتراوح سعر الغرام الواحد من الهيروئين ما بين 400 -600 ليرة في المناطق الحدودية ويصل إلى 1200 -1500 داخل المدن، ونادراً ما تتوافر المادة “النيت” غير المخلوطة نهائياً أو “السفرلة” المعدة للتصدير، وفي حال وجدت فتكون غالية جداً، وأما الحشيش فهو رائج في سورية وسعر الغرام منه بحدود 50 ليرة ، ويندر وجود الكوكائين بسبب ارتفاع أسعاره حيث يصل سعر الغرام الواحد منه إلى6000 ليرة.
جرعات زائدة!!.
يعتبر الهيروئين الأكثر خطورة ورواجاً والأسرع إدماناً في المجتمع السوري، ويتعاطى المدمنون “الهيروئين” بطرق مختلفة منهاالشم العادي بالأنف ويسمى “النخع” وهناك “الحرق” وفيه توضع كمية قليلة من الهيروئين على قطعة سيلوفان وتتعرض لنار القداحة من الأسفل ليشفط الدخان الناتج عن عملية الحرق بواسطة لفافة ورقية إلى الفم مباشرة مخلفة على قطعة السلوفان بقعاً سوداء، ولكن الحقن هو الأكثر شيوعاً باعتباره الأشد فاعلية وتأثيراً في الجسم، وتأتي هذه الطريقة على قمة الهرم من حيث الخطورة إذ تتزايد احتمالات الوفاة بسبب جرعاتها الزائدة، والجرعة الزائدة بحسب الدكتور غسان شاكر الأخصائي في الأمراض النفسية ورئيس المرصد الوطني لرعاية الشباب هي: “أخذ المريض لنسبة معينة من المخدر تفوق عتبة التحمل عنده، ما يؤدي إلى فقدانه لحياته، ويحدث ذلك نظراً لأن تعاطي المخدرات يُذهب الإرادة والوعي أيضاً”، وغالباً ما يأخذ المدمن الجرعة الزائدة بعد “الكريزة” أو ما يسمى علمياً بـ “أعراض سحب المادة من الجسم” وتتجلى هذه الأعراض على شكل “آلام هيكيلة وعضلية وآلام بطنية ودموع وسيلان أنف بالإضافة للقلق والتوتر، وتبدأ هذه الأعراض بعد 24- 48 ساعة من آخر جرعة” وذلك بحسب د. شاكر.
وتكمن الصورة المأساوية لتعاطي الهيروئين بالتبعية الجسدية والنفسية السريعة والقوية، والتي ترغم المدمن على تناول جرعات متزايدة والبحث بصورة جنونية على تأمين المخدر وبأي طريقة حتى لو اضطر إلى سرقة زوجته أو أمه، ويتحول المدمن إلى شخص عاجز عن السيطرة على رغباته مما يدفعه إلى سلوك إجرامي أو عدواني لإشباع حاجته، وقد ينتهي الأمر به إلى الانتحار في حال لم تتم معالجته نفسياً واجتماعياً وطبياً، ومن مخاطر تعاطي الهيروئين حدوث خلل في أنشطة المخ والإدراك الحسي وتدمير خلايا الكبد وتلفه، والشعور بالنقص والاكتئاب وصولاً إلى الانتحار أحياناً، وبالنسبة للحوامل قد تؤدي المخدرات إلى ولادة مبكرة وإصابة 90% من أطفالهن بضعف المناعة ونقص النمو وتترواح نسبة الوفاة بينهم ما بين 60-70%!! .
علاج متكرر!!
كثيراً ما يفتقر المتعاطي إلى المال اللازم لشراء المادة، وليس مستبعداً في هذه الحالة أن يتجه إلى الطبيب أو المشفى للحصول عليها، ويقول د. شاكر: “يمكن أحياناً قبول بعض الحالات في المرصد أكثر من مرة، ولكن ذلك يخضع لعدة اعتبارات أهمها مرور المريض بظروف حالت دون انتظامه في العلاج”، وعن كيفية العلاج ومدته يضيف د. شاكر: “المرصد يستقبل المرضى المدمنين من جميع المحافظات السورية، ويكون الدخول إليه طوعياً وبشكل سري، ويمنع تسريب أي معلومة عن أي مريض في المرصد، كما ويشرف على المرصد أطباء اختصاصيين في الأمراض النفسية وأطباء مقيمين في الطب النفسي وكادر تمريضي مدرب للعناية بالمرضى، ويوجد قسم علاج فيزيائي وهناك قسم للبحث النفسي والاجتماعي ليقف عند الثغرات النفسية والاجتماعية التي يمكن ان ترتبط بإدمان المريض، ويستمر العلاج لمدة أسبوعين على الأقل وبشكل مجاني تماماً من حيث الإقامة والدواء والإطعام ولزوم الحياة اليومية”.
بكت أمه.. فأبكتنا!!
تزامن وجودنا في المرصد مع وجود أم وابنها بهدف إدخال الشاب (34 سنة) ومعالجته من إدمانه، وكان المشهد مؤثراً إذ ما إن بدأت الأم بالكلام حتى تساقطت دموعها عند ذكر زوجها الذي توفي منذ فترة قصيرة بسبب إدمان ابنه “بحسب إفادتها”، وعبثاً حاولت الموظفة إقناعها أن المرصد لا يستطيع الآن قبول ابنها كإقامة دائمة وإنما يمكن توفير العلاج والأدوية وعليه أن يتابع في المنزل الإرشادات، إلا أن الأم وابنها لم يستطيعا سماعها أو حتى التفكير بعدم قبوله كمريض في المرصد، وكان واضحاً ندم الشاب وانزعاجه الشديد من حالة الإدمان التي يعيش فيها خصوصاً مع 3 أولاد تربيهم أمه بعد أن هجرته زوجته ضيقاً بتعاطيه للمخدر ويأساً من إقلاعه عنه، ولكن وفي حالات الإدمان فإن الندم لا يكفي دائماً إذ ما أن يشفى المريض من إدمانه حتى يشتاق للمادة وللشعور الذي تهبه إياه ليعود إلى نقطة الصفر من جديد، وأما كيف تكون البداية فهي بحسب د. شاكر: “هؤلاء المدمنين هم مرضى، ونحن نقف إلى جانبهم، خصوصاً أن المريض غالباً ما يبدأ التعاطي عن طريق رفاق سوء وكتجربة أولى ثم ما تلبث أن تتحول التجربة إلى إدمان يصعب الخلاص منه، وفي جميع الأحوال إن لم يكن المريض مستوعباً لمخاطر الإدمان وعنده الرغبة الكاملة في ترك هذا المخدر فإنه لن يشفى أو على الأقل سيؤثر ذلك سلباً على نسبة الشفاء”
بالأرقام
تشير الإحصائيات إلى أن عدد المتعاطين تجاوز 400 مليون في العالم، وهي تجارة يجني أربابها مايقارب 700 مليار دولار كأرباح سنوياً جراء ترويجهم للمخدرات بمختلف أنواعها. وتعد سورية من البلدان الخالية تماما من زراعة وإنتاج المخدرات إلا أن موقعها الجغرافيا يجعلها بلداً للعبور من دول الانتاج إلى دول الاستهلاك، وتؤكد احصائيات وزارة الداخلية أن محاولات التعاطي والادمان في سورية ليست أكثر من سلوكيات فردية نتائجها تحت السيطرة حيث لا تتجاوز نسبة مجربي المخدرات والمتورطين فيها 51 شخصاً بالمليون ومع ذلك تتخذ السلطات المختصة جملة من الاجراءات التي من شأنها الحد والقضاء على هذه الظاهرة وكان ابرزها صدور القانون رقم 2 لعام 1993 المعروف باسم قانون المخدرات الذي وضع الأسس والتدابير التي سيتم التعامل معها في مجال المخدرات حيث نص على تشديد العقوبات بحيث تصل الى حد الاعدام بحق كل من يزرع نباتات مخدرة او يُصنع مواد منها بطرق غير مشروعة اضافة الى المتاجرين بها.
وبحسب المرصد الوطني لرعاية الشباب فإن عدد المدمنين الذين يراجعون المرصد للعلاج يتراوح ما بين 600 – 700 مريض سنوياً، ولكن الأرقام لا تعطي دائماً دلالة صحيحة عن المجتمع بدليل أنه ووفقاً لإحصائيات وزارة الداخلية فإنه في النصف الأول من 2007 تم مصادرة 77.415 كغ حشيش مخدر و36.745 كغ هيروئين و 59.37 كغ كوكائين و 6057070 حبة كبتاغون و 34272 حبة مخدرة من انواع مختلفة اضافة الى 607 كغ من المواد الاولية التي تدخل في تصنيع الحبوب المخدرة. ‏
كما وصل عدد القضايا خلال هذه الفترة الى 1837 قضية وعدد المتهمين الى 2517 متهما.
وفي عام 2006 دخل المرصد 750 مدمن ، وبلغت نسبة مدمني المخدرات 521 منها 6 نساء كما وتركزت النسبة الأكبر في الفئات الغير متعلمة : في الإدمان الدوائي 143 رجال و 5 نساء ، في إدمان الهيروين 48 أمياً ، و 243 يحملون الابتدائية ، و162 إعدادي ، و 39 ثانوي ، و”8″ معاهد وجامعات و 21 ملّم بالقراءة والكتابة.
أما عن الحالة المهنية فكانت : 50 بائع متجول ، 153 متمركز ، 155 حرفي ، 91 سائق و 30 موظف ، و9 مزارعين ، و 12 تاجر ، و3 طلاب ، و 2مهندسين ، وفنان واحد ، و 16 عاطل عن العمل.
للأسف!!
لا يمكن لأحد إنكار أن ظاهرة الإدمان موجودة رغم المحاولات الحثيثة في الحد من دخول المادة إلى البلد، والجهود المبذولة في القبض على التجار الذين يشعلون النار في أجساد أولادنا أو إخوتنا..
ولكن وبالمقابل لا يمكن إنكار تخلف الوسائل التوعوية والوقائية سواء من حيث الحملات الإعلانية أو تحسين الحالة المعيشية لشباب سدت الطرق بوجههم فاتجهوا للمخدرات كحل وحيد لنسيان همومهم ولينساهم المجتمع بالمقابل بعد قليل من الوقت.
حبوب مخدرة
يعد الإدمان على الحبوب المخدرة من الأنواع الخطيرة، حيث يلجأ المتعاطون أحياناً إلى الحبوب كبديل عن المادة ثم كوسيلة لمضاعفة تأثيره، لينتهي الأمر إلى الإدمان المدمر على كليهما!!
من أنواع الحبوب المخدرة المحلية : البروكسيمول، البالتان، دورمكيون، دور منيد، زينيكس، زولام.
بحسب تصريحات لوزارة الداخلية فإن عبور المخدرات من سورية تراجع منذ عام 1992، وتمكنت إدارة مكافحة المخدرات من إحباط عدة عمليات لتهريب المخدرات بالتعاون مع الأجهزة المختصة في الدول المجاورة، وقد شكلت الوزارة إدارة متخصصة لهذا الهدف تتبع لها فروع في عدة محافظات كدمشق وريف دمشق وحمص وحلب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى