ويكيليكس: أين أوكامبو والمحاكم؟
أمين قمورية
نشر “ويكيليكس” وثائقه ومشى تاركا خلفه ألف سؤال وحقيقة واحدة دامغة ملخصها ان العراق وأهله كانوا ولا يزالون عرضة لحرب ظالمة.
لم نكن نحتاج لوثائق “ويكيليكس” لتأكيد المؤكد ولنعرف ماذا حل بالعراق في السنوات الماضية فحجم الدمار ولائحة الموتى اللذين لا يمكن اخفاؤهما كفيلان وحدهما اخبارنا عن نكبة اهل الرافدين.
جديد هذه الوثائق واحد فقط: لقد شهد شاهد من أهله، فهذه الوثائق ما كانت لتخرج الى النور لو لم يعمد طرف ما في داخل الادارة الاميركية او في “البنتاغون” او “السي اي اي” الى كشفها لغايات “انسانية” او لغايات في نفس يعقوب. هذه الغايات ربما تكون اميركية بحتة لتصفية حسابات حزبية داخلية، او لاعادة تصحيح صورة اميركا في العالم على انها دولة ديموقراطية بعدما تشوهت هذه الصفة حتى العظم في العراق وافغانستان. او ربما تكون لغايات عراقية صرفة بهدف حرق وجوه تحاول الخروج من العباءة الاميركية وارتداء عباءة ايرانية، او لتلميع وجوه عراقية اخرى حتى ولو كان سجلها الشخصي موسوم ايضا بجرائم لا تقل بشاعة عن الجرائم التي فضحها “ويكيليكيس” اليوم.
من اميركا خرجت الوثائق. ومن اميركا ايضا صدر التنديد الاول بنشرها. الا ان واشنطن لم تنف ابدا وقوع الخروقات الفاضحة لحقوق الانسان التي أوردتها الوثائق لكنها أبدت “خشيتها” من ان يشكل نشر هذه الوثائق خطرا على حياة بعض الجنود الاميركيين الذين ارتكبوها والعراقيين الذين تورطوا فيها!!!! والموقع الالكتروني الشهير استجاب لرغبة الادارة بحذف اسماء الجنود الاميركيين المرتكبين، اما العراقيين المتورطين بعلم الاميركيين فتركهم يقلعون شوكهم بأيديهم (لعلهم يتعلمون للمرة المقبلة).
من جهتهم، لم ينكر رجال السلطة في العراق الذين وصلوا الى الحكم على ظهر الدبابات الاميركية او بدعم ايراني (غير خاف على احد وتعرفه واشنطن اكثر من غيرها) ما ارتكبته ايديهم في ظل الاحتلال وفي ظل ممارستهم ديكتاتورية ألعن من تلك التي كانت قائمة قبل الغزو… لكنهم “فوجئوا” بتوقيت كشف فضائحهم وصار شغلهم الشاغل البحث عمن سرب الوثائق والغاية من وراء تسريبها. وبدلا من ان يحنوا رؤوسهم خجلا مما فعلته ايديهم راحوا يلعنون الذين “استغلوا الوقائع” للنيل منهم ومحاولة قطع الطريق على عودتهم الى السلطة مجددا، وبدلا من ان يضعوا انفسهم في تصرف القضاء لتبيان الحقيقة طالبوا بمعاقبة “ويكيليكس” والواقفين وراءها (كان يجدر بهم المطالبة بمحاكمة الضحايا) !!!
لا رجاء يرجى من القضاء العراقي لاجراء جردة حساب قضائية في ظل هيمنة قوى الامر الواقع الخارجية على العراق، ولا امل بمحاسبة شعبية للمرتكبين في ظل انفلات العصبيات الطائفية والنعرات المذهبية حيث صار عتاة “فرق الموت الشيعية” ابطالا في المزاج الطائفي الشيعي، وصار ارهابيو تفجير الاجساد من “القاعدة” واخواتها و”الاقارب” حماة ديار السنة، وصار اي اقتصاص من هؤلاء المجرمين بمثابة اقتصاص من طائفة بأكملها ومن منطقة وعشيرة وربما امة. لكن ماذا عن محكمة الجنايات الدولية ومدعيها العام لويس اوكامبو “نصير العدالة في العالم”؟ الا ترقى الجرائم المكشوف عنها الى مصاف الجرائم ضد الانسانية وجرائم الابادة؟ الا يستحق عشرات الاف الضحايا المدنيين في العراق ان يدرجوا على جدول اعمال القضاء الدولي؟ الا تستحق الاجساد الممزقة لاطفال العراق محكمة دولية خاصة؟؟
مرت سنوات على جريمة قتل العراق، ومر نحو اسبوع على نشر “ويكيليكس” الوثائق العراقية وقبلها اشهر على نشر الوثائق الافغانية. لكن اوكامبو غائب عن السمع. ربما هو غارق بملاحقة الرئيس السوداني ومطاردته لجلبه مخفورا الى محكمة الجنايات ومحاسبته على افعاله الدارفورية.
لا شك في ان اهل دارفور يستحقون العدالة، لكن ما ارتكب في دارفور لا يقارن بما ارتكب في العراق، والشهود الذي اعتمدهم اوكامبو لاصدار قراره الاتهامي هم خصوم سياسيين للبشير ومشكوك بصدقيتهم. لكن احدا لم يكذب بعد الشهود على المذبحة العراقية!!
النهار