الصحافة المسكينة
زين الشامي
لا يزال وضع الصحافة في سورية في حالة يرثى لها، وهي تسير من سيئ إلى أسوأ رغم الثورة الكبيرة في عالم الاتصالات والمعلوماتية التي كسرت الحواجز والجدران بين الدول والشعوب بحيث بات من الصعوبة بمكان في عالم اليوم أن تستطيع أي حكومة منع انتشار خبر ما أو صورة كما كان عليه الوضع في السابق.
ان عودة سريعة للدور الذي لعبه الشبان الإيرانين خلال التظاهرات الاحتجاجية التي تلت الانتخابات الرئاسية، حين استخدموا بطريقة إبداعية وجريئة تقنية التصوير الموجودة في أجهزتهم الخليوية النقالة، وما بثته وسائل الإعلام العالمية مستندة لما وصلها من تلك الصور عن القمع الذي مارسه رجال الشرطة والقوات الأمنية الإيرانية ضد المتظاهرين، أكد للجميع أن لا قوة في العالم، ولا نظام مهما كان حديدياً، ولا أيديولوجيا مهما كانت متماكسة، يستطيعون أن يغلقوا الحدود ويحجبوا ما يجري تحت السماء، أو أن يمنعوا شيئاً يهم أمن الناس وسلامهم ومصالحهم وأحلامهم ومأساتهم وفرحهم، من الوصول إلى وسائل الإعلام.
وكلنا يذكر ماذا فعلت الصورة حين بث بعض الناشطين صور فيديو التقطت من كاميرا لهاتف محمول، لمعلمة تعاقب تلاميذ مدرسة ابتدائية في محافظة حلب، على موقع «يوتيوب». هذه الصور فضحت جزءا من الممارسات الخاطئة التي تجري داخل أسوار المدارس السورية رغم التعليمات الحكومية التي قضت بمنع الضرب في المدارس. أيضاً منذ ايام انتشرت صورعلى موقع «يوتيوب» تظهر رجال أمن يضربون بعنف رجلاً عراقياً كان يرأس إحدى الجامعات السورية الخاصة.
ومثلما هو حال الصورة والتقنيات المتقدمة التي ساعدت في انتشارها، كذلك هو حال الكلمة، فلا يمكن اليوم ولا تستطيع أي حكومة منع وصول الكلمة المكتوبة أو المطبوعة إلى الجمهور العريض، كما لا تستطيع منع تصديرها، ومن يعمل عكس ذلك فهو يمشي في عكس الرياح وضد التيار أو كمن يجدف عكس موج البحر.
وللأسف فإن حكومتنا تبدو كما لو أنها لم تدرك إلى اليوم كل هذه التطورات في عالم الاتصالات والإعلام، والدليل على ذلك، وفي خطوة تهدف إلى التضييق على الإعلام الالكتروني، رغم أن واقعه اليوم أكثر بؤساً من أي يوم مضى، فهي تسعى لوضع اللمسات الأخيرة على مشروع قانون للإعلام الالكتروني، وقد طلبت رئاسة الوزراء من الوزراء تزويد وزير الاتصالات بملاحظاتهم وذلك دون استشارة الصحافيين أنفسهم الذين يعملون ويديرون بعض المواقع الالكترونية ودون الاستماع لملاحظاتهم ومخاوفهم.
المشروع يقع في 43 مادة وأخطر ما فيه هو المادة 41 التي تتيح لما يسمى بالضابطة العدلية القيام بأعمال استقصاء الجرائم وبالتالي السماح لقوات الشرطة، حتى لو كان الشرطي يحمل شهادة ابتدائية، أن يداهم مكتب أي موقع الكتروني، ويعتقل أي محرر أو رئيس تحرير بحجة التحقيق معه، أو إفشاء المعلومات الخاصة والعامة ومعرفة كلمات السر، وهذا ما يشكل انتهاكاً خطيراً لخصوصية العمل الإعلامي وحريته.
أما النقطة الثانية في ذلك المشروع، فتتعلق بالعقوبات الجزائية وإحالة الصحافيين للمحاكم الجزائية، ما يعني الاستمرار في سياسة حبس الصحافيين. كل هذا في وقت تتجه الكثير من الدول في العالم الثالث لإلغاء هذه العقوبة، وفي وقت ألغت جميع دول العالم المتقدم هذه العقوبة من قوانينها منذ زمن بعيد. يأتي كل ذلك متزامناً مع ما جاء في تقرير منظمة «مراسلون بلا حدود» لعام 2010 حين قال ان سورية انضمت إلى بورما وكوريا الشمالية وبعض الدول الأخرى في خانة الدول الأكثر قمعا للصحافة والصحافيين.
ان الغريب في الحالة السورية هو كيف أن حكومة بكل ما تملكه من إمكانيات مالية واقتصادية وإعلامية، حيث تسيطر على كل وسائل الإعلام المكتوب والمرئي، إضافة إلى أنها لا تسمح إلا إلى من يدور في فلكها بإطلاق موقع الكتروني أو اصدار مجلة أو صحيفة، كيف لهذه الحكومة بكل هذه الامكانيات أن تشعر بالخوف من مجرد رأي يعبر عنه صحافي أو كاتب ما، أو نقد يأتي من هنا أو هناك، في هذه الوسيلة الإعلامية أو تلك؟
إن الإعلام في غالبية دول العالم، وحتى دول العالم الثالث، بات اليوم يعمل في أجواء أفضل من السابق، وصارت الحريات الصحافية جزءا ضروريا من صورة المجتمع والدولة التي تريد أن تقدم نفسها بطريقة جيدة وغير مشوهة الى العالم. لكن للأسف ما زال الوضع في سورية على ما هو عليه منذ الستينات والسبعينات، مع تقدم طفيف وسطحي، فإلى اليوم ما زال البعض من المسؤولين يخافون من الكلمة والصورة والنقد. إن ذلك يسيء كثيراً إلى سورية وسمعتها في الخارج.
كاتب سوري
الراي