الضحك الذي يدخل إلى يومياتنا المفاجأة والانفتاح
تنظم صحيفة “لوموند” الفرنسية مؤتمراً عن الضحك لمدة ثلاثة أيام، يشارك فيه رجال ونساء من مختلف المجالات والاختصاصات. وهي قدمت صفحاتها (عدد 30 تشرين الأول 2010) لمؤرخين وعلماء نفس وروائيين وفلاسفة ومسرحيين كوميديين وممثلين ومعلقين سياسيين ليكتبوا عن هذا الموضوع الخفيف الجاد، ويجيبون على سؤال: “لماذا نضحك؟”. وننشر في ما يلي المقدمة الافتتاحية لـ”موند” عن الضحك، ومقابلة مع المخرج الكوميدي فرنسوا رولان.
الضحك، تمرّد يهزّك من الأعماق
الضحك تجربة حرية. لذلك نستطيع أن نضحك على كل شيء، ولكننا لا نستطيع أن نضحك مع أي كان، خاصة إذا كان من أعداء الحرية.
والحال، إن هذه الحقيقة تذهب أبعد من الرهانات السياسية؛ فلكي يكون الضحك ضحكاً عليه أن يكسر قيود الشرط الإنساني، أن يفجر قناعاتنا، أن يصدم هوياتنا في اللحظة التي تكون فيها مهددة بالجمود.
وإذا كانت هزّة كهذه لا تتركنا من غير أضرار، فلأنها تكسر المنوال العادي للأشياء وتدخل إلى يومياتنا المفاجأة والانفتاح واللقاء. والأفضل من ذلك أنها ترسم حدود جماعة معينة نشأت حول الضحك. فالضحك مثل التحية للتعارف المتبادل والتقاسم والإهداء الممكنَين. خلاصة الأمر إن الضحك يحرّر. وهذا سبب كافٍ لنضحك.
(جان برنهوم)
حوار مع فرنسوا رولان
– “لوموند”: هل تشترك الفلسفة مع الضحك في قدرتهما على إزالة الأقنعة والنظر إلى ما وراء المظاهر؟
– رولان: الفلسفة عبارة عن النظر إلى ما هو قريب. أما الضحك فينظر إلى ما هو أبعد، بحيث يمكنك بواسطته أن تتبنى زاوية نظر مختلفة. عندما يكون الفيلسوف عاجزاً عن الضحك، فهو في هذه الحالة مجرّد صاحب دروس. بالمقابل، عندما لا يفكر صاحب الضحكة بمستقبل الإنسان وفي الأشياء التي تشغل عصره، فهو مجرد ظريف من ظرفاء الموائد. الفلسفة والضحك يتقاسمان إذن مجالات مشتركة.
– “لوموند”: هل بوسعنا اعتبار بأن بعض أشكال الضحك أقرب إلى الكرنفال، إلى خرق النظام الاجتماعي والسياسي، فيما هناك أشكال من الضحك بالمقابل تعزّز هذا النظام؟
– رولان: مشكلة الضحك اليوم أن السوق التجاري صادره. المعلنون يضحكون، والمؤسسات تدفع أجراً لمهرجيها. والضحك في هذه الحالة يفقد خصوصيته المجبولة بالخفة والشاعرية والقطيعة، وخصوصاً بالحرية. إن هذا الاستخدام التجاري للضحك يجعله فاقداً لوظيفة التحرّر ومنخرطاً في وظيفة الغواية والتغريب. الضحك المدوّي والصاخب لبهلول الأيام السالفة كان يعني: “لستُ موافقاً، لا أفكر مثلكم. يجب أن تسلك الأمور طريقاً آخر”.
الضحك الذي يصفه الفلاسفة هو أداة حرية، فهو يزحزح بعنف النظام القائم. أما ما يقدمه مضحكو إذاعة أوروبا 1… فهو مختلف: إنه يريح ويعطي بعداً للنظام القائم، أكثر مما يهزّه. والسلطات ليس عليها سوى فرك يديها فرحاً من أن يكون لديها هكذا مضحكين. هذه ليست جريمة بحد ذاتها، لكنها تبطن انحرافاً خطيراً. المضحكون المحترفون، وهم مثل السمك في مياه هذا المجتمع الرأسمالي، ليس بوسعهم أن يحتجّوا عليه لأنهم أول المستفيدين منه. إنهم يدّعون أو يتظاهرون بأنهم يزعجون أو يضايقون هذا النظام، ولكنهم لا يفعلون. إنهم يرسلون الإشارات التقليدية للضحك، ولكنهم يفرغونه من معانيه. نحن هنا بإزاء وعد لا يتحقق، بإزاء خدعة(…).
– “لوموند”: كان الفيلسوف الألماني نيتشه يقول “أكاد أجازف بتصنيف الفلاسفة بحسب درجة قدرتهم على الضحك”. ما رأيك؟
– رولان: نعم، أنا موافق على هذا القول. وأضيف، بأن هذه الحال هي بالضبط السبب الذي يجعلني أتأسف على أن يصبح الضحك اليوم مبسّطاً، مبرمجاً، وخاضعاً لقوانين السوق. إن الضحك من خصوصيات الإنسان. إنه حميم، شبه جنسي في العمق الذي يذهب اليه، بحثاً عن المشاعر والانطباعات. من هنا المثل القائل: “المرأة التي تضحك، نصفها في سريري”. ويمكننا الآن القول أيضاً: “الرجل الذي يضحك، يسهل عليه اغوائي”، لكي نقيس الأهمية التي يحتلها الضحك في حميمياتنا. ولذلك فإن إدخال معيار الضحك في تصنيف الفلاسفة ليس عبثاً؛ إنه مثل معيار اختيار الأصدقاء.
– “لوموند”: فيلسوف آخر، هو الايطالي جيرولامو فراكاستورو (عام 1546) كان يقول: “الأشياء التي تدفعنا إلى الضحك قد تفاجئنا”.
– فرنسوا رولان: جميع الفلاسفة، من ديدْرو وحتى برغسون يؤكدون على ان الضحك ينطوي على قطيعة، وعلى انشقاق عن الواقع. الضحك هو بالتعريف من باب غير المتوقّع، ولا يستحق اسمه إن كان مخططاً له أو مرتّب. إنه انتاج لصناعة ما. فقرات الضحك على التلفزيون أدرجت عادة الضحك بناء على إشارة، لا بناء على معنى. كما لو كنا أسّسنا فقرات “حرية”، ولمدة دقائق قليلة…