انتكاسة سعودية
ساطع نور الدين
حتى اللحظة ليس مفهوماً لماذا وقع الملك السعودي عبد الله في ذلك الحرج، ولماذا ارتكب القادة العراقيون ذلك الخطأ؟ لم يكن من المحبب أن تتعرض الرياض لانتكاسة في مسعاها للعودة الى العراق، وتعريب الحلول لأزمته، ولا كان من المنطق أن يرفض قادة العراق نداء الى الاجتماع في العاصمة السعودية بعد موسم الحج لتشكيل حكومتهم الجديدة، ويعرّضوا الوضع العربي برمته لتحد جديد، يدركون خطورته أكثر بكثير من أشقائهم اللبنانيين والفلسطينيين الذين يتمتعون بهدنة نسبية لا مجال لاعتمادها في الحالة العراقية..
لعلها كانت مبادرة عفوية من الملك السعودي الذي غلّب طبيعته وشخصيته على قراءته السياسية للمعضلات والمصالح العراقية، فقفز في المجهول من دون أي تخطيط أو تقدير مسبق، لما يمكن أن تكون عليه ردود الفعل القوى السياسية العراقية، التي أثبتت طوال الشهور التسعة الماضية انها عصية على مختلف ضروب السياسة والدبلوماسية وعلى جميع أشكال الوساطات الخارجية، وهي تعيش في عالمها الخاص وتستلهم ماضيها «الصدامي» الفريد.
لا يعقل أن يكون الملك قد أطلق هذه المبادرة من دون أن يمهد لها بالتواصل مع رئيس الوزراء نوري المالكي الذي ناصبته السعودية العداء والخصومة، وسعت، وربما لا تزال، الى إخراجه من المنصب، سواء في صناديق الاقتراع أو في شروط الائتلاف. ولا يعقل أن يكون الملك قد أغفل حقيقة أن القادة الأكراد يشعرون أنها لحظتهم التاريخية لكي يعلنوا من مؤتمر اربيل المرتقب انهم هم الذي يصنعون الحكومات العراقية، وهم الذين يحددون مستقبل العراق، الذي لم يستطع أحد لا في الداخل ولا في الخارج ان يضع تصوراً واضحاً له حتى على الورق.
كانت مفاجأة مدوّية فعلا أن يرفض القادة العراقيون أو معظمهم ذلك العرض السعودي الاستثنائي الذي كان يمكن أن يجاملوه، على غرار ما فعلوا هم سابقا، وعلى نحو ما فعل سواهم من المتحاربين والمتخاصمين في أكثر من بلد عربي، حيث ذهبوا الى الرياض وتداولوا في حروبهم الأهلية وسبل الخروج منها ووقعوا وثائق وعهوداً لم تصمد يوما واحدا بعد توقيعها في مكة على مقربة من الحرم، وبحضور شهود لا شك في شهادتهم!
مهما قيل في المبادرة وردودها، فإنها انتكاسة حقيقية للدبلوماسية السعودية، أو على الاقل لدبلوماسية الملك عبد الله تحديدا، لا يمكن أن تنسب الى اعتراض إيران أو تحفظ سوريا أو تردد تركيا أو صمت مصر. لان هذه الدول واجهت وستواجه مواقف مشابهة لدى مقاربتها الوضع العراقي المستحيل. وهي على الأرجح ليست سعيدة الآن بما تعرضت له الرياض من حرج يصيب جوهر الدور العربي في العراق، مثلما يصيب أي دور إقليمي أو دولي محتمل في ذلك البلد الذي لم يكن حكمه من قبل صدام حسين استثناء ولا كان احتلاله من قبل الاميركيين عابرا.
القراءة اللبنانية لهذه الانتكاسة لا تخلو من القلق على تلك الدبلوماسية التي كانت وتبقى أحد أهم عناوين التهدئة في لبنان، إن لم تكن شرطها الوحيد.
السفير