لا تصدقوا أدونيس
عباس بيضون
أعلن أدونيس في مقالة له في الحياة أنه اعتزل الشعر. علماً بأن الشاعر ألّف بغزارة في الأعوام الأخيرة فلم يخلُ عام من كتاب له أما المفارقة فهي أن هذا التصريح توافق مع صدور مطولة له في «أخبار الأدب» بعنوان «كونسرتو القدس» تشكل بحد ذاتها ديواناً كاملاً، ليس بين إعلان الاعتزال ونشر ديوان كامل سوى التضادّ.
ويخطر أن أدونيس يمازحنا، يقول إنه أمسك عن الشعر فيما تدل قصيدته المنشورة على أنه الشاعر. تقول إن الشعر لا يزال طي صدره وفي أنفاسه ولا يزال وحيه وصنعته. تقول إنه الشاعر ما دامت له مهجة ونَفَس. كأن المطولة المنشورة تنفي شائعة اعتزال.
كان أدونيس يقول إن الشعر فضاؤه ومن كان الشعر فضاءه فسيكون شهيقه وزفيره، ودمه ونبضه ولن يفارق ما دام له نفس ونبض.
كتب أدونيس أم لم يكتب فكتبه ستبقى ماثلة وستبقى على الرفوف وفي المكتبات تتكلم عنه ويتكلم بها. سيبقى الفضاء جارياً بينه وبين الآخرين من كل جيل، سيبقى حاضراً كلما حار الكلام عن الشعر وكلما انعقد سجال حوله وكلما قامت مناسبة شعرية.
سيرجع الجميع إليه سلباً أم إيجاباً، سيبدأون منه قبولاً أم رفضاً. لكنهم سيبدأون منه، سيكون السجال معه أو عليه عمادة الشاعر، سيكون الموقف من الأدونيسية عنصراً في هوية الشاعر وفي تعريفه وإذا بدا لأدونيس أن يعتزل الشعر فإن الشعر والشعراء لن يعتزلوه. سيبقى بالنسبة لهم أباً وسيثورون عليه ثورتهم على الآباء وربما سيقتله البعض في سرّه ثم تدركه الندامة فينبضه من جديد مثالاً ومعبوداً.
لقد صنع أدونيس أسطورته وسيكون الاعتزال جزءاً من هذه الأسطورة وإذا أعلن اعتزاله فإنه بهذه الحركة يتقصّد التاريخ. يريد أن يضمنه من الآن وأن يصوغه من الآن وأن يثبت فيه نصاً باسمه.
يريد من الآن أن يعرف ويعاين الفراغ الذي سيتركه والأثر الذي سيبقى منه. يريد أن يرى من الآن مقدار بصمته ومدى حضوره. يريد أن يعيش الشاعر وما بعد الشاعر. يريد أن يكون شاعراً في اعتزاله بقدر ما كانه في حضوره. انه هكذا يكمل اسطورته بل ويعلنها لكننا مع ذلك لن نصدق أدونيس.
لن نعرف متى ستكون قصيدته الجديدة التي سيضيفها إلى اعتزاله. لا نعرف كم قصيدة بعد ستضاف إلى هذا الاعتزال.
السفير