صفحات ثقافية

‘هياج الإوز’: كردستان في السويد

null
احمد عمر
‘هياج الاوز’ رواية واقعية أولى لبركات بل انه يوهم بواقعيتها في الصفحة الأولى بإنكار أي تحريف أو اختلاق، وإذا حصل، فهو منه براء، ويعتذر عن كشف طرق اتصاله بالشخصيات وتسجيل أقوالها ويمدنا بأرقام هواتفها. أصغر شخصيات الرواية هي شتولا التي تبلغ السابعة والعشرين وأكبرهن درخو خلاص وهي في الخمسين من العمر، أما ألقابهن المتداولة في الرواية فهي ‘مطلقات السويد’ و’ الإرهابيات’ و’ صاحبات الأسرة الجائعة’.. .. وهي شخصيات حية نابضة ساخطة شتّامة، وفاسقة ماجنة، وشخصيات بركات غير مهذبة أصلا بدءا من أعماله الأولى إلى ما قبل الأخيرة، فظاظة شخصياته وخشونتها سببها قسوة المكان لكنها هنا ‘تحترف’ الشتم والفجور اللفظي. فلعل المكان الجديد أقسى وأمر.
تبدأ الرواية بشخصية تاسو عارف ميران بك 46 سنة، يمكن تعريفها بغايتها الكبرى وهي تغيير اسم شارع ‘كاترينا باركن’ التي تقيم فيه إلى اسم حيها القديم في القامشلي ‘الملا علي خابوت’ بائع اللبن. تاسو إلى ذلك تمتاز بـأنها تحتفظ بالصبغيات والجينات الوراثية الأهم في شخصيات روايات بركات الكردية، فهي تحتفظ بمقود كلب في حقيبتها سيكون له فضيلة الاحتفاظ بجزء من غيب الرواية المكشوف هذه المرة مثل عورة الماعز. ستعيش الرواية بآراء النسوة المفجوعات لوعة إلى شبق جسدي وإلى عطش لا يرتوي من سفاد الذكور وكأنهن في ‘جزيرة النساء’، وسنعرف طيفا واسعا من الآراء الشائعة في الوسط الكردي في الوطن والمنفى على ألسنتهنّ تتقدمها العقدة الكردية من أجر حصتها المعرفية المنكور في عمارة التاريخ، وهكذا سيدعين أن نابليون كردي وأن الاسكندر المقدوني كردي وأن البيتزا وصفة كردية استعيرت من راع ٍ في كردستان وانّ أوروبا القارة الشقراء نفسها جغرافية سقطت من عربة تاريخ الميتانيين أجداد الكرد كما تزعم زنتانا، وسنعرف من خلالهن آراء وتأملات في أديان العالم الجديد وشعائره مثل موسيقا الراب (فن الإقامة في المرتجل ضد البراعات) وبدعة تلفزيون الواقع وكلف أوروبا بالأدب الشرقي وعالم الحريم المحجوب والحمام الشرقي الايروتيكي الذي طالما ولعت به رسومات ديلا كروا وبيكاسو وانغر. وسنعلم طرفا عن حمى الفتاوى الإسلامية الجديدة المضحكة في أوروبا. المرأة الكردية بطلة الرواية، وثمة نساء أوربيات كـ ‘ممثلات مساعدات’. لقد كانت المرأة بطلة تشغيل محرك التاريخ منذ قابيل وهابيل فكل شيء يتمحور حولها ولها وبها. الرجال كومبارس في هذه الرواية.
تاسو جاءت إلى السويد وهي تصحب طفلين هما بدران وكمال بعد موت حليمو زوجها، خاضت بعده زواجين وطلاقين ظفرت منهما بطفلين هما رند وهس..
زنتانا حسن السورية المولد، مدرسة اللغة الانكليزية والتاريخ الهاربة من عفرين، تزوجت من داود طاهر ثم من ابن خالها شاهد صانع البيزا ثم من خليل رموك شريكها في تجارة الشرقيات ثم من شريكه كمال اسلان.
نازلي أم لأربعة أولاد من زوجها هارون هنانو (نوح ،توفو، تامو، بانونا)، عملت في بيع اللحم في الحسكة. ستوحي مشاهدتها لجريمة طعن في قطار لصاحب شعر اسود من قبل فتية سويديين بعلامات ظهور سياق آخر في الرواية لكن سنعرف أن الرواية لا تريد ان تصعد دراميا حكاية مركزية مفقودة بل ستستمر في تذكر الحكايات وقص القصص المتوازية واستعراض الآراء في سياق أفقي ثم تضمر الرواية محاولة نازلي إسعاف الشاب ثم تزوره لاحقا في المشفى لنكتشف مخلوقات العالم السويدي الجديد فالمطعون كيم اندير ليس ذكرا ولا أنثى. المخلوق الذي تبشر به الحداثة الأوروبية خنثى.
روات هي طليقة جناب خلو الاكول هي أم مدد وريبانة وروهلات، الوحيدة التي ستفوز بصديق جديد تاركة المجموعة النسائية لترهاتها.
ريحاني محمد سيكر تكسب جيدا من الترجمة وتزيد كسبها من صناعة العرق الأبيض بعد تعرفها تاجرة نبيذ سويدية، تجعل الإيراد كله ذهبا. زينة، استورد لها أخوها زوجا اسمه عادي رامش من الحزب الشيوعي من القامشلي فطلقته بعد خمس سنوات .
وسنعرف أن شتولا كردية ابنة محمود جبري المولع بالرقص الكردي، لها النصيب الأكبر من اسم الرواية فهي صاحبة وشم الإوزات على مكان حميم من جسدها، الوشم وشمها لها وشام سويدي وسيم.
تتعرف شتولا على درخو الشاعرة وتضمها للمجموعة، لزوج درخو الاول قصة انتقام تراجيدية مؤثرة فهو مثل معظم ابناء ملته يحب العرائس الصغيرات ، تبوء محاولته لاستيراد عروس طفلة من القامشلي بالاخفاق لصالح منافس آخر اسمه حسن عباسو يفوز بقطف بكارة الطفلة بيناز فينتقم بالرسائل القاتلة. والطريقة سهلة وليس فيها دم كالذي في زينة غريتا، ما دام لصوص البريد يتجسسون على كل شيء، كتب بضع كلمات فهم منها لصوص البريد في البلد المصدر أن المرسل إليه ينوي القيام بانقلاب على الدولة .. بلغ عدد ضحاياه 27 ضحية!.
وستعرفنا الرواية بشيراز زوجة وسام شتو المسعورة جنسيا، وزليخا ارملة كريم جندل الذي يموت لوعة على صدرها، وقصة سلام المترجمة المولعة بالهاتف.
ستنتهي الرواية بتاسو كما بدأت بها وبتفسير لوظيفة مقود كلبها المجازي. فبعد فشلها في جمع تواقيع كافية لقلب اسم الشارع، تأخذ لافتة مع صديقتها نازلي بعد دعوة التلفزيون والصحافة لكن مظاهرة منافسة من الصوماليين الذين سرقوا فكرتها يريدون قلب اسم الشارع إلى اسم صومالي هو ‘مقديشو عائشة’. واثر إخفاق مظاهرتها المتواضعة امام مظاهرة الصوماليين الضخمة تستسلم لغريزتها الأولى التي تجرها (غريزة فقه الظلام) إلى ظلام القبو في قبو عمارتها وهناك تفتح صندوقها لنجد فيه صورة مهشمة الزجاج لأبيها وأمها، وأحد عشر مقودا لكلاب التاريخ الكردي المسعورة التي لا تعض سوى الأكراد. لقد عدنا مرة أخرى إلى ظلام صناديق فقهاء الظلام وسدودها. الأكراد يظهرون في هذه الرواية التي يسودها ويقودها الحوار العاصف الماجن، خاسرين على الضفة الأخرى أيضا، لقد خسروا أنفسهم في مستعمرتهم الكردية الجديدة ولم يربحوا وطنا في ‘شرق الغرب’ على الرغم من سماحة عقد المجتمع الجديد في سويدستان(إمبراطورية التنازلات المتبادلة)، التنازلات غير متكافئة، فكرد الرواية يبدون أشبه بالغراب الذي نسي مشيته ولم يتعلم الرقصة الجديدة.
الكاتب في سطور: سليم بركات روائي وشاعر سوري كردي معروف، من مواليد القامشلي 1952. صدر له 34 كتابا بين شعر ونثر.
الكتاب: هياج الإوز
الكاتب: سليم بركات
الناشر : المؤسسة العربية للدراسات والنشر ـ 2010
يقع الكتاب في 324 صفحة من القطع المتوسط.
القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى