قداسة الشرق
ساطع نور الدين
لا يجيب كتاب «كانديد في الأرض المقدسة» الصادر حديثا للمفكر الفرنسي رجيس دوبريه، عن السؤال الجوهري المحير الذي سبق أن طرحه على نفسه، مثلما سبق أن وجهه إليه الكثيرون في المشرق: لماذا ترتد شعوب هذه المنطقة في لحظات الأزمة الى هوياتها الدينية الأولى، بدلا من أن تبحث عن بدائل لهذه الردة القاتلة؟
بشغف شديد، يفتش القارئ في صفحات الكتاب الـ,450 عن تلك القراءة النقدية للأديان وموقعها الاجتماعي والسياسي والثقافي المؤثر في حياة شعوب المشرق، والتي كان دوبريه قد ألمح إليها في حواراته الخاصة في بيروت ودمشق والقدس وعمان، فلا يجدها. قد يكون الحذر هو السبب، وليس الفشل في فهم ذلك الحضور الضاغط للموروث الديني، وفي تحوله الى حاجز جغرافي وعقلي يفصل بين سكان تلك الأرض المقدسة.
لا يسلم دوبريه بتلك القداسة، ويرفض سؤالاً سخيفاً وجهه إليه مواطن يحمل الهويتين الفرنسية والاسرائيلية، عن الديانة التي يمكن أن يختارها إذا فرض عليه هذا الخيار، لكنه يقع في النهاية في الرد الأقل حرجاً، وينتقي ديانة الولادة المسيحية، التي تشكل منطلقاً لذلك الكتاب، وتلك الرحلة التي قام بها في عام 2006 ، متتبعاً بعض خطى المسيح الذي كان يمكنه التجول بحرية بين الدول الأربع: فلسطين، الاردن، سوريا، ولبنان، ومنقباً بشكل خاص عن الوجود المسيحي وآثاره المشرقية.
الكتاب هو بمثابة تقرير متأخر عن رحلة طلب الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك من دوبريه القيام بها في تلك الارض المقدسة، من أجل البحث في معضلات التعايش العرقي والديني بين سكانها، الموزعين بين ثلاثة نصوص إلهية، والذين يقيمون كما يبدو من بعيد في ثلاثة كواكب مختلفة: العثور على الحدود وجدران الفصل كان سهلا جدا. ما لم يكن مفهوماً، هو ذلك السلوك وتلك السياسة التي تجعل من هذه الجدران خياراً نهائياً في وعي الجميع.. عدا ربما المسيحيين الذين ينتمون الى البلدان الأربعة ويجدون صعوبة في التكيف مع فقدانهم مكانتهم التاريخية الحاسمة في تشكيل القداسة المشرقية.
هو أشبه بتسجيل صحافي، لوقائع تلك الرحلة المثيرة عبر الحدود والحواجز: المفكر اليساري العلماني يؤدي دور رحالة قديم، يستعير من كتب التاريخ ومن الإنجيل، بعضاً من شواهد التنقل عبر الزمن، من الأيام الأولى للمسيحية الى اللحظات الراهنة التي حولت المشرق الى واحدة من أكثر المناطق المتفجرة في العالم. من تلك الزاوية يتوقف في الأماكن التي شهدت المحطات الأولى لتلك الديانة، ويطرح أسئلة عالم الاجتماع والانتربولوجيا.. ويجد نفسه في محطته اللبنانية المثيرة أمام نوع جديد من الاسئلة السياسية، التي يواجهها أي مسيحي لبناني، أكثر من إخوانه السوريين والفلسطينيين والاردنيين، وأكثر من مسيحيي الدولة العبرية.
الباحث في كتاب دوبريه عن خلاصة تساهم في هز ذلك الوعي الديني الجارف، سيصاب بخيبة أمل، لا سيما إذا كان يفتش مثلا عن أسباب انحدار المشروع الاسلامي الى فتنة، لان المفكر الفرنسي غير معني إلا بوضع بعض النقاط على حروف بارزة، تنتمي الى حقبة سابقة من الصراع الديني في هذا الشرق.. ربما استعدادا لكتاب مقبل.
السفير