انطولوجيا الشعر السوري: هوية مبتورة
غياث المدهون
(فلسطين/سوريا)
غياث المدهونسألتُ صديقي بعد انتهائي من قراءة «ديوان الشعر العربي، الربع الأخير من القرن العشرين (سوريا) الذي أعده الشاعر شوقي بغدادي مؤخراً والذي صدر ضمن مشروع كتاب في جريدة الذي ترعاه منظمة اليونسكو، سألته: أين سليم بركات؟ أجابني: في السويد، كررت السؤال مرةً أخرى، أين سليم بركات في هذه الأنطلوجيا؟ أعاد الجواب نفسه: في السويد أيضاً.
كوني فلسطينياً لا يعني أنني خارج المشهد الثقافي السوري، خاصةً أننا نعمل فيه مع السوريين دون أي اختلاف يذكر، لكن المتعارف عليه عالمياً في الأنطولوجيات التي تصدر عادةً أنها تختص بموضوع معين أو بشعراء بلد معين أو جنسية معينة للشعراء الذين تختارهم، وهذا يجعلني بحكم جنسيتي الفلسطينية خارج لعبة الاختيارات وخلافاتها حين تتعلق بالشعر السوري، وهو ما يمنحني أيضاً فرصة أن أكون مراقباً محايداً لهذا المشهد الشعري عند صدور أي أنطلوجيا عن الشعراء السوريين، وكثيراً ما كنتُ أسأل نفسي، لماذا وبالرغم من جودة الشعر السوري على وجه العموم، ووجود أسماء تركت الكثير من التأثير على حركة الشعر العربي ككل، لماذا دائماً تكون الأنطولوجيات المخصصة للشعر السوري فاقدة لأي مقومات لتمثيل هذا المشهد الشعري في الخارج – على اعتبار أن هذه الأنطولوجيات توزع في معظم دول الوطن العربي – ليس ذلك فقط، بل إنها في كثير من الأحيان تشوه الحقائق عن طريق إدراج أسماء توقفت عن الكتابة منذ زمن، (بعضها توقف فعلياً والبعض الآخر مجازياً أو بعبارة أخرى كونها قد قدمت مشروعها الشعري وقالت ما لديها)، حتى إن الكثير من الباحثين والمهتمين بالشأن الشعري خارج سوريا أصبح لديهم صورة مغلوطة عنه، سببها هذه الاختيارات الغير مدروسة والتي تحكمها العلاقات الشخصية والصداقات أكثر مما تحكمها الموضوعية والمهنية العالية المطلوبة في مثل هذه الحالات، وإلا فكيف للمشهد الشعري السوري أن يكتمل دون أي ذكر للشاعر سليم بركات الذي أعتقد أنه يمثل حالة شعرية ذات خصوصية فريدة ليس في سوريا فقط ولكن في الشعر العربي ككل والذي لا أعتقد إطلاقاً أن اسمه نُسي أو سقط سهواً، أين نزيه أبو عفش ما دام هناك البعض من جيله الشعري موجودين في هذا العمل، أين دعد حداد ورشا عمران ولينا الطيبي أين خضر الآغا وعبد اللطيف خطاب وعلي سفر وأكرم قطريب وعمر قدور والكثير الكثير من الأسماء التي يطول ذكرها والتي يفتقدها أي مطلع على هذه الأنطولوجيا، ثم كيف يعطى شعراء كـ “نوري الجراح” نصف صفحة وتعطى أسماء أخرى كثيرة دونه شعرياً صفحة كاملة، وكيف تسوق الكثير من الأسماء التي لا وجود لها إلا على الورق وتحديداً في مثل هكذا مشاريع بينما هي غائبة كلياً عن الهم والواقع الشعري السوري، ولماذا يتعامل القائمون على هذه الأعمال بمنطق مؤسساتي محكوم بمقولة أن (يلي عليك عليك) وكأنه واجب مدرسي ممل علينا تأديته كيفما اتفق، وهو الأسلوب الذي أثبت فشله سابقاً في إتحاد الكتاب العرب ومن يسيرون خلفه من الغاوين، وما الذي يمنع أنْ تكون الاختيارات أصغر حجماً ما دامت الصفحة التي خصصت لكل شاعر(بعضهم أخذ نصف صفحة) لا تستطيع أن تعبر عن تجربة أي شاعر، وباعتقادي أن نصف صفحة سيكون لها نفس النتيجة الغير مرضية، لكن ذلك كفيل بتغطية مجمل النتاج الشعري السوري أو معظمه. أضف إلى ذلك أن الأنطولوجيات عادةً ما تتم بشكل مهني ويقوم بها أكثر من شخص أو مؤسسة تُعنى بهذا الشأن، ونادراً ما تقوم على جهد فردي خالص لتتخطى أكبر قدر ممكن من النسيان، إضافةً إلى أن الشاعر الذي يجمعها هو من يقوم بقراءة النتاج الأدبي للشاعر شخصياً واختيار ما يناسبه، لا أن يتصل بالشاعر ويطلب منه أن يختار، وذلك حتى يكون للاختيارات شيء من روح وخبرة وذوق الذي يجمعها، وحتى نستطيع التمييز بين اختيارات شخص وآخر من حيث الجودة، وكل العتب على الشاعرين «بندر عبد الحميد» و«حسين بن حمزة» اللذين كانا مرشحين لإعداد هذه الأنطلوجيا ولكن ذلك لم يحصل، وأعتقد أنها ما كانت لتكون بهذا الشكل لو قاما بها،
إن ما جرى تداوله مؤخراً على أنه ديوان الشعر العربي في الربع الأخير من القرن العشرين والمخصص لسوريا هذه المرة، لا يعدو قراءة مشوهة للواقع ضررها أكثر من فائدتها وتستوجب منا نظرة متروية قبل القيام بمثل هذه الأنطولوجيات، نظرة كفيلة بوضع النقاط على الحروف في المشهد الشعري المنهك أصلاً كي تساهم بتمثيل حقيقي لما يجري على أرض الواقع، ورغم أن هذه الأنطولوجيا جاءت على شاكلة توزيع الغنائم في اتحاد الكتاب العرب فإنها قد قدمت فائدة جليلة بكونها أثارت جدلاً حول الكيفية التي تجري بها الشؤون الثقافية في بلادنا والتي تشبه كثيراً الصفقات الشخصية.