الحرية المهدورة للصحافة والصحفيين في سوريا
المحامي مصطفى اوسو
جاء في التقرير السنوي الأخير حول حرية الصحافة في العالم لعام 2010 الصادر عن منظمة (مراسلون بلا حدود)، أن سوريا مارست خلال العام الذي يغطيه التقرير، المزيد من القمع ضد الصحفيين وحرية النشر والإعلام… وصنفها التقرير في قائمة الدول العشر الأكثر قمعاً للصحفيين، حيث احتلت المرتبة 173 من أصل 178 دولة شملها التصنيف، متراجعة بذلك ثماني درجات عن العام 2009 التي حلت فيها في المرتبة 165 من مجموع 175 دولة، وجاء في التقرير أيضاً، أن حرية الصحافة في البلدان العشرة التي احتلت مؤخرة القائمة المذكورة، مستمرة في التراجع والتدهور…، وأنه ليس من السهل على المرء العمل فيها كصحافي.
إن ما جاء في التقرير المذكور حول واقع الحريات الصحفية في سوريا، والانتهاكات الكثيرة والفظة التي تعرضت لها الصحافة والصحفيين…، خلال عام 2010 يعطي انطباعاً حياً وصورة واقعية عن الحرية المهدورة للصحافة والعمل الصحفي في سوريا، إذ أنه ومنذ فرض حالة الطوارىء والأحكام العرفية على البلاد في 8 / 3 / 1963 توقف العمل بالقانون رقم (53) لعام 1949 المنظم لإصدار المطبوعات، وأغلقت جميع الصحف السورية التي كانت تصدر قبل ذلك الوقت، وتم تصفية ممتلكاتها ومصادرة دور النشر وآلات الطباعة العائدة لها…، وبذلك فقد تجمدت عملياً الحياة الصحافية، ولم يبقى هناك أي مجال للحديث عن التعددية الإعلامية في البلاد، سواء في وسائل الإعلام القائمة بأنواعها المختلفة (المقروءة، المسموعة، المرئية…) التي احتكرتها السلطات، أو في الموافقة على إعطاء الترخيص القانوني بإنشاء وسائل إعلامية جديدة ومستقلة تعكس التعددية في الرأي والتعبير.
واستناداً إلى ما سبق، ومن أجل قطع الطريق على أية تعددية في الرأي والتعبير… وفرض التفكير والتوجه الأحادي الجانب، وقمع الأراء والأفكار الأخرى المخالفة، فقد عمدت السلطات الحاكمة في البلاد إلى تشكيل وإيجاد حاضنة تشريعية وقانونية… من أجل منع المواطن السوري من حقه في إبداء رأيه وحريته في التعبير عن نفسه، حتى ولو تعارض ذلك مع المواثيق والقوانين الدولية المعنية بحقوق الإنسان… حيث صدرت العديد من التشريعات في مجال الصحافة والإعلام، مثل: المرسوم رقم (14) الذي حصر توزيع المطبوعات بالمؤسسة العامة لتوزيع المطبوعات الحكومية التي تأسست عام 1975 وهذا المرسوم الذي يعطي الصلاحية المطلقة لمديرها بتحديد النسخ الموزعة والنسبة التي تتقاضاها المؤسسة لقاء ذلك، والقانون رقم (1) لعام 1990 الخاص باتحاد الصحفيين والذي يفرض على كل من ينتسب لاتحاد الصحفيين العمل وفق مقررات حزب البعث وتوجهاته… إضافة إلى قانون المطبوعات رقم (50) لعام 2001 الذي يعطي صلاحيات واسعة لرئيس مجلس الوزراء ووزير الإعلام في رفض وقبول التراخيص الصحفية الجديدة دون بيان الأسباب الموجبة لذلك.
ونشير هنا إلى أن كافة القوانين والتشريعات السورية الخاصة بتنظيم الصحافة والإعلام والنشر…، تكرس الهيمنة المطلقة للسلطة الحاكمة عليها، وتبيح القمع والتنكيل بحق الصحفيين اللذين يبدون أراء وأفكار مخالفة لأفكار وتوجهات السلطة، وتصادر الحريات الأساسية للمواطن السوري وحقه في إبداء رأيه والتعبير عنها، وتهدر إنسانيته وكرامته وحقه في العيش بآمان وسلامة… مما أدى تراجع الفكر والثقافة وانحسارحالة الإبداع وسيادة ثقافة الخوف والابتعاد عن الاهتمام بالشأن العام وتفشي ظاهرة الفساد في جميع مرافق الحياة العامة وانتشار الفوضى والمحسوبية وتفاقم الأخطاء والتجاوزات وغياب الرأي العام… لأن المهمة الحقيقية للصحافة والإعلام، هي الرقابة على أعمال الدولة والوقوف إلى جانب السلطات (التشريعية، التنفيذية، القضائية) والمساهمة معها في بناء المجتمع وتطوره والارتقاء بمؤسساته المختلفة.
وقد بينت تجارب الشعوب التي سبقتنا، أهمية الصحافة ومساهمتها الفعالة والمؤثرة في تطور الدول والمجتمعات البشرية والارتقاء بهما… ولكن لا تستطيع الصحافة أن تلعب دورها المؤثر والفعال هذا، بدون وجود مساحة من الحرية والديمقراطية وبدون وجود بيئة قانونية وتشريعية… مناسبة لذلك وخالية من القيود والعقبات والمعوقات… على حرية الرأي والتعبير، بيئة تضمن حرية الحصول على المعلومات التي تتطلبها طبيعة العمل الصحفي وتضمن أيضاً حرية تداول تلك المعلومات بجميع الوسائل والطرق المتوافقة مع المعايير الدولية لحرية الرأي والتعبير… ومن هنا فأنه لا يمكن لسوريا أن تكون خارج هذا الإطار وخارج هذه المعادلة وتكون قادرة على تحقيق نهضة حقيقية بدون أن يتم إشاعة الحريات الديمقراطية في المجتمع السوري وبدون أن يكون فيها فسحة للحريات العامة عموماً، وحرية الصحافة والنشر والإعلام… بشكل خاص، من خلال إصدار قانون جديد وعصري ينظم العمل الصحافي والإعلامي… وتعديل القوانين والتشريعات المعيقة للتعددية الحقيقية في المجال الصحفي والإعلامي، تستطيع من خلاله الأدوات الصحافية والإعلامية من ممارسة دورها الريادي الفعال والمؤثر بكامل الشفافية والحرية… والإشارة إلى كل أنواع المشاكل والأخطاء والثغرات… واقتراح الحلول المناسبة لها وتكوين رأي عام ضاغط باتجاه تبنيها.