تناقضات بالجملة ترافق تطبيق المناهج الحديثة في المدارس السورية
كامل عباس
بدأت وزارة التربية بتطبيق مناهج حديثة في مدارسها هذا العام وسط فوضى وتناقضات حادة وكثيرة تعيشها العملية التربوية . تتردد على لسان المعلمين بالهمس أحيانا وبالعلن أحيانا أخرى .
– بعضهم يقول : المناهج حديثة حقا ولكن تطبيقها في سوريا يتم في مدارس قديمة لا توفر ما تتطلبه تلك المناهج . أبنية مدارسنا قديمة والتعليم فيها يتم بدوامين – قبل الظهر وبعد الظهر – والشعبة الواحدة تضم أكثر من أربعين طالبا , والمناهج الحديثة تتطلب مدارس حديثة وشعب لا يزيد عدد الطلاب فيها عن العشرة طلاب .
– تتحدث المناهج عن أنشطة يقوم بها الطلاب وكأنهم في السويد او سويسرا ولكل واحد منهم أدوات مخبرية وشبكة انترنت وحاسوب خاص به وغالبية مدارس ريفنا وعشوائيتنا لم تر المجهر الضوئي ولا تعرفه حتى في الصور .
– المعلمون القدامى لا خبرة لديهم في كيفية تعليم هذه المناهج , فهل تكفيهم دورات لاتزيد عن أيام قبل افتتاح المدارس ليتقنوا الطريقة الحديثة ؟
– اما المعلمون الجدد , فلسان حالهم يقول : كل معلم يود أن يعلم هذه المناهج يلزمه وقت إضافي لإتقان أنشطتها , والراتب لا يكفي ربع الشهر فهل نصرف الوقت على تلك المناهج ام على عمل آخر يكفينا ذل السؤال ؟ .
آخرون رصدوا تناقضات المناهج ذاتها وحددوا منها اثنين رئيسيين
– الأول عن المفارقة بين منهج العلوم ومنهج التربية الدينية .
كتاب علم الأحياء في الصف السابع يقول ص 4 ( اعتمد في بناء المناهج الجديدة على أساسيات المعرفة العلمية وهي نتاج التفكير الحديث والبحث العلمي التي يتوصل اليها الباحثون عن طريق الملاحظة والتقصي والبحث التجريبي . )
ولكن كيف يستقيم ذلك اذ يمكن للطالب ان يأخذ حصة مدرسية لمادة التربية الدينية الاسلامية بعد حصة علم الأحياء ليتعلم فيها ما تقوله المادة حرفيا عن الملائكة ص57
( هم مخلوقات من نور لا تراها الأعين , لا يأكلون ولا يشربون , لا يتصفون بذكورة أو انوثة , دأبهم الطاعة والعبادة , لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون , مسكنهم السماء , وينزلون منها بأمر الله تعالى )
1- الثاني عن المفارقة بين النظرية والممارسة في وضع حقوق الإنسان السوري .
يعدد كتاب التربية الوطنية الحقوق التي تضمنها الميثاق العالمي لحقوق الانسان فيذكر الحق التالي ص 40 ( لكل فرد الحق في حرية المشاركة وفي إدارة الشؤون العامة الوطنية من خلال تمتعه بحق الترشيح , والانتخاب والانتساب إلى الجمعيات والمؤسسات الاجتماعية ) .
أين هي المشاركة في صنع هذه المناهج من قبل المعلمين بالذات ؟ وكيف تم إقرارها بين ليلة وضحاها وعممت على المدارس رغم اعتراض غالبية المعلمين عليها .
تكتمل المفارقة عندما يتحدث الدستور السوري الحالي عن الحريات مثل حرية التعبير ص 54
(تكفل الدولة للمرأة حق المشاركة الفعالة والكاملة في نواحي الحياة جميعها . وكذلك من حق كل مواطن أن يعبر عن رأيه بحرية بكل وسائل التعبير . )
ولكن وسائل الإعلام في العالم أجمع تتحدث عن المحاكم الاستثنائية السورية وكيف تتعامل مع سجناء الرأي وتحكمهم أحكام قاسية كونهم يوهنون نفسية الأمة , ثم تحيلهم إلى سجن قضائي يقبعون فيه بين أعتى المجرمين . الوشوشات تدور في سوريا عن تردي وضع سجناء الرأي لدرجة لم تعرفها في تاريخها مثل تقييده وتطميشه وهو في الطريق من السجن إلى بيته بعد إخلاء سبيله .
انا أعتقد ان حكومتنا السورية من أسعد حكومات العالم , فهي تسخر من عقول مواطنيها وتشّرق وتغِّرب في تناقضاتها من دون حسيب ولا رقيب . قبل عامين سرّبت لنا هذه الحكومة مشروع جديد لقانون الأحوال الشخصية , ينظر للمواطن السوري بوصفه متخلفا جدا وكأنه لا يزال يعيش في عصور الانحطاط العباسية , وبعد سنتين تفرض على طلابنا مناهج حديثة تنظر إلى المواطن السوري بوصفه من أرقى مواطني دول العالم ! والحقيقة ان المناهج الحديثة مفصلة على قياس أبناء الأثرياء والمسئولين , وسويتها أعلى بكثير من سوية طلاب ابنائنا من العمال والفلاحين , والحكومة السورية لاتخفي انحيازها للأغنياء في المجتمع , يشهد على ذلك زيادة الأغنياء غنى والفقراء فقرا على عهدها , لكن شهادة للتاريخ , ليست حكومتنا وحدها المنحازة للأغنياء , بل كل حكومات العالم تقريبا , وكل هذه الحكومات تستغل انكسار الحلم عند الفقراء وانكفاؤهم بعد انهيار المعسكر الاشتراكي . من هذا الجانب لا تلام حكومتنا لكونها مثل بقية الحكومات , لكنها تلام لأنها مازالت تفعل ذلك تحت شعار التقدم والاشتراكية والمقاومة والممانعة .
وما دام الحال كذلك فأنا انصح مجلس الشعب السوري ان يّفصِل لنا مناهج جديدة على قياس وعي أبنائه من العمال والفلاحين وليستغل تمتع العمال والفلاحين فيه بالأغلبية التي ستساعده على صنع هذه المناهج !!!
* اللاذقية