التحالفات الطبقية في العصر الإمبريالي
نايف سلوم
واقع التحالفات المعاصرة في سوريا: يوحي عنوان الورقة المقدمة بسيطرة القطري على الأممي . التحالفات المعاصرة أممية بطبيعتها لأن الصراع الطبقي في العصر الإمبريالي أممي في جوهره.
المحور الأول:
التصنيف المقدم في الورقة تصنيف بورجوازي(اعتباطي) ، لأن التقسيم إلى مرحلي وتكتيكي واستراتيجي يشير إلى ديمومة التحالف ومدته الزمنية وليس إلى طبيعته الاجتماعية الطبقية . لهذا السبب لا يمكن معالجة موضوع التحالفات إلا من وجهة نظر الطبقات وصراع الطبقات .. فالتحالفات في الماركسية هي تحالف طبقات وليس إصدار قائمة انتخابية مشتركة من أجل مقاعد البرلمان.
طالما أن التحالف طبقي فالهدف الأساسي هو تعزيز الصراع الاجتماعي كصراع طبقي في الداخل والخارج والسعي لمحاربة كل أشكال تشتيت هذا الصراع (الطائفية والمذهبية، والمطلبية المنعزلة الخ ). وهذا التعزيز سوف يؤمن موقع الطبقة المتقدمة في هذا الصراع التي هي الطبقة العاملة بحكم موقعها الأساسي في عملية الإنتاج .. إن موقع الطبقة العاملة الأساسي في العملية الإنتاجية يتمظهر في وطنيتها الحقة وفي ديمقراطيتها الحقة وفي جذريتها الاجتماعية الحقة .. وهذه القضايا الثلاث التي تظهر كمهمات ثلاث مترابطة للتجمع الاشتراكي /الماركسي (تجمع اليسار الماركسي /تيم) تعطي مؤشراً لشكل التحرك السياسي للتجمع في سؤال التحالفات الطبقية ، فإذا كان الموقع الطبقي هو الذي يمسك بتلابيب هذه القضايا ، تكون الأحزاب أو القوى السياسية التي تطرح القضية الوطنية والقضية الديمقراطية (الحريات السياسية ) في رزمة واحدة هي الأقرب من الجماعات البورجوازية الصغيرة والمتوسطة إلى برنامج الحزب الاشتراكي/ الماركسي .. لأن الجماعات السياسية التي طرحت شعار “الديمقراطية الخالص” كان الهدف منه توحيد القوى الرجعية ضد كل مكتسبات الطبقات الشعبية الكادحة . وكان هذا الشعار يتعاضد بشكله “الخالص” مع قوى الغزو الإمبريالي للمنطقة ، وبالفعل فقد وحّد هذا الشعار جميع القوى الانعزالية والرجعية في المنطقة من القوات اللبنانية وحزب الكتائب في لبنان إلى دول “الاعتدال العربي” إلى الجماعات الليبرالية المتأمركة في سوريا إلى أكثر أجنحة النظام الأميركي عدوانية وتطرفاً في كرهها للشعوب العربية وشعوب الشرق الأوسط .
بالنسبة للجبهة الوطنية :
نقدم الملاحظة المنهجية التالية : في ظل غياب التيار الاشتراكي/ الدولي في سوريا تاريخياً ، أي غياب ما يسمى مجازاً المنشفية تتقدم الأحزاب الستالينية التي تجمدت فيها روح الحياة لتلعب هذا الدور وتتحالف مع البورجوازية الصغيرة والمتوسطة تحالفاً “استراتيجياً” هو في الواقع عقد زواج كاثوليكي (مدى العمر ) لتغدو جزء أساسي من السلطة البورجوازية القائمة . هذه الفصائل مرهونة للسياسة البورجوازية في كل انعطافاتها ، ومع كل انعطاف تتأزم وتتشرذم وتتفلت كوادرها الأكثر نزاهة والأكثر نفوراً من الامتيازات الرخيصة التي تفسد الكوادر وتمزقها .
المحور الثاني .
قلنا في بداية حديثنا أن الصراع الطبقي أممي في ماهيته في العصر الإمبريالي الرأسمالي . ومن هنا نرى أن تحالف النظام السوري مع إيران وحزب الله يدخل في هذا السياق .
في مقاربة هذه المسألة يتوجب النظر إلى النظام في سوريا من ناحيتين: ناحية موقعه في الصراع الدولي ، وثانياً طبيعته الاجتماعية الطبقية. وقدمنا الموقع نظراً لهيمنة التناقض مع النظام الإمبريالي على كل تناقض آخر.
فبحكم تاريخ تشكله أخذ النظام موقعاً في الصراع مواجهاً إلى حد ما مع النظام الإمبريالي والصهيوني ، وهذا الأمر منبثق من طبيعته الشعبوية فترة التأسيس 1963 -1966 ومع سير تطوره وعلى اثر هزيمة 1967 ومع انقلاب 1970 راح يميل إلى اليمين ويطور العناصر البورجوازية داخله وكانت المواجهة بين النظام وجماعات الأخوان 1979 هي القشة التي ثبتت التحول اليميني للنظام . وبعد ذلك بدأ التناقض والمفارقة تزداد وتشتد بين الموقع المواجه للنظام الإمبريالي والصهيوني وبين الطبيعة المتحولة للنظام باتجاه الاندماج بالنظام الإمبريالي . لقد أعاقت التركيبة الطبقية السورية وتموضعاتها البيروقراطية الضخمة هذا التوجه وجعلت حركته بطيئة وبليدة ومترددة بالرغم من الوقع الهائل الذي ولده الغزو الأميركي للعراق. لكن بالرغم من جميع التحولات في بنية النظام ، إلا أنه ما يزال يحافظ على موقعه المعرقل للمشروع الإمبريالي في المنطقة العربية والشرق الأوسط . وعلى هذا الأساس يمكننا فهم تحالفاته .
من المفيد حقاً في هذا السياق رصد حركة النظام الاشتراكي في فنزويلا ، لاحظ النشاط الأممي المتعاظم لحركة تحالفات النظام وشراكاته الاقتصادية مع روسيا والصين وإيران وسوريا وكويا ، الخ
التجمع الاشتراكي / الماركسي(تيم) يقيّم إيجابياً الدور الذي تلعبه إيران في مواجهة المشروع الأميركي للشرق الأوسط ، بفعل تحديثها القومي غير المرهون للإرادة الإمبريالية ، وبفعل دعمها للمقاومة العربية في لبنان وفلسطين والعراق. لكن نظرة على طبيعة النظام في إيران تظهر طبيعته البورجوازية، حيث تقود التحديث طبقة البازار ، وهي خليط من فئات بورجوازية صغير تقليدية محافظة دينياً ومن طبقات متوسطة أكثر انفتاحاً ، هذه الأخيرة هي التي اغتنت خلال 20 عاماً الماضية وقادت انشقاقاً ليبرالياً ضد النظام وعبرت عن ميل متعاظم للاندماج في النظام الإمبريالي العالمي ويمثلها هاشمي رفسنجاني . إن الطبيعة البورجوازية للنظام الإيراني وشكله الشيعي المحافظ يجعل ارتدادات صراعه مع النظام الإمبريالي على حركة التحرر العربي بالمعنى الجذري ارتدادات سلبية .. فبعد حرب تموز كان الارتداد تأليب النزاع المذهبي كحجج استخدمها الخصوم في الجبهة الإمبريالية . لم يرتد حريات إضافية ولا شد أزر الصراع الطبقي ، بل مزيد من تشتيت هذا الصراع في زواريب المذهبيات وحروب الطوائف. وهذا ما نراه في لبنان إثر صمود حزب الله في وجه العدوان الإسرائيلي . لم ينعكس للأسف هذا الصمود مزيداً من الاندماج في المجتمع اللبناني ، أو برنامجاً لتجاوز الطائفية في النظام ، بل انعكس مزيداً من الشك والتحريض الطائفي.
ومع ذلك فإننا في التجمع الاشتراكي/ الماركسي(تيم) نقيم إيجابياً عمل المقاومة في لبنان وفلسطين والعراق بالرغم من أشكالها الدينية ، كما نقيم إيجابياً الموقع المعرقل للمشروع الأميركي الذي يلعبه كل من النظامين في إيران وسوريا. وننتقد طبيعتها البورجوازية الرخوة غير الجذرية. وهذا التقييم الإيجابي مصدره اعتبارنا التناقض مع النظام الإمبريالي هو التناقض الرئيس الذي يحكم كل تناقض آخر.
الحوار المتمدن