صفحات ثقافية

ترجمات بلا لون بعضها ركيك في عربيته لكن هناك إسهامات

null
عناية جابر
ترجمة الأدب إلى العربية كما يراها أنطون وزوين ونوار وشعث
في خوضنا او مقاربتنا لموضوعة الترجمة، أهميتها كجسر بين الثقافات، نجاحها او فشلها، او لعبها دور «أداة التوصيل» من الأدب الأجنبي الى العربي وبالعكس، ولكن بشكل أفقي لا يتعدى ترجمة الكلمات واحدة إثر اخرى، ما يشبه احياناً عمل الانترنت التي تكفل لك ترجمة فورية تخلص الى ان تشبه عملاً روبوتياً «روبوت» حيث لا ترابط ولا روح، سألنا بعض الشعراء المترجمين، الشاعرات المترجمات، رأيهم في عملية الترجمة الأدبية التي عرفتها الشاعرة المترجمة آمال نوار على انها، مقارنة بالكتابة الإبداعية، عمل لا نهائي، متواصل، لأنه يترسم مساراً يوطوبياً بامتياز في سعيه الى مطابقة الأصل، ليس كنسخة عنه، فحسب، بل بالمعنى الذي قصده انطوان بيرمان، أي كأثر فني بحد ذاته. الترجمة منجز غير ناجز يبقى قابلا لمزيد من التنقيح والتشذيب والتعديل، ولا عجب في ان تلازمها في أدبيات العالم عموماً وضمنه عالمنا العربي، سمات ليس أقلها النقصان او الخيانة او الثانوية، وإن كانت النظرة الأكثر حداثية ترى الى الترجمة بعين اكثر انفتاحاً وموضوعية وأقل مثالية وأخلاقية. ذلك ان هاجس المعرفة (خصوصا معرفة الآخر) بات اكثر إلحاحاً في زمن العولمة السريع التواتر. وجليّ ان الثقافات الاوروبية، مثلا بحركات الترجمة الناشطة الخصبة فيها والتي تفوق بما لا يوصف حركة الترجمة في ثقافتنا العربية كمّا ونوعاً، لم تسمح لمطالب من سلالة الجودة او الامانة او الدقة ان تبز مطلب المعرفة بحد ذاته.
مع آمال نوار الشاعرة والمترجمة، وصباح الخراط زوين الشاعرة والمترجمة اللبنانيتين، والشاعر والمترجم العراقي سنان انكون، والكاتب والشاعر والمترجم الفلسطيني نصر جميل شعث، قاربنا موضوعة الترجمة، وكانت هذه الاجابات:
سنان انطون: إسهامات رائعة
سنان انطون يرى ان الترجمة هي الرئة التي تتنفس بواسطتها الثقافات وتتجدد وتواصل انفتاحها لذلك لا بد من الترجمة. والعصور الاكثر غنى في تاريخ الثقافات هي غالبا تلك التي شهدت اهتماماً جدياً بالترجمة الثقافية وبنقل إنجازات الآخر. لكن الترجمة، شأنها شأن أي ممارسة اخرى، تشترط وجود مؤسسات مختصة ومنظومة ثقافية تعي اهمية الترجمة وكذلك وجود نظام تعليمي وأكاديمي ينتج مترجمين متخصصين او يشحذ موهبتهم ويرعاها ووجود جمعيات تنظم فعاليتهم. وكل هذا لا يتوافر في مجتمعاتنا العربية التي ترزح تحت ألوان من الازمات التي تتفاقم، ومع كل ذلك فهناك جهود فردية رائعة ساهمت وتساهم في إغناء المكتبة العربية بالرغم من غياب الحد الادنى من الدعم، ومن كون الترجمة لا تدر ـ وهذا ينطبق حتى على المجتمعات الغربية ـ دخلا يناسب المجهود الجبار الذي تتطلبه.
انطون يرى ان في مجال ترجمة الشعر، لا بد من التذكير بإسهامات سركون بولص الرائعة وكذلك بسام جحا. يعجبني الشاعر العراقي كاظم جهاد ـ يضيف سنان ـ الذي تابعت ترجماته في الكرمل منذ الثمانينيات والذي اتحفنا برامبو وكذلك بترجمة جاك دريدا، ولا بد من الاشارة الى جهود سامر ابو هواش. يشير سنان ايضا الى التبعات السلبية للترجمات السيئة وخصوصا في الشعر، وإلى الاستسهال الذي يقارب به البعض الترجمة فيتصدى لنصوص صعبة دون ان يكون قد أحاط (او احاطت) بسياقها الثقافي او أتقن اللغة التي يترجم منها. وهذا يؤدي الى اختناق ثقافي نحن في غنى عنه. تعجبني مقولة لدريدا عن ان النص يظل في حداد الى ان يترجم، لكن من الافضل ان تظل بعض النصوص متشحة بالسواد إذا كانت ترجمتها ستشوهها قلباً وقالباً.
صباح زوين: الإلمام بالعربية
الشاعرة والمترجمة صباح زوين لا تزال ترى الى امر الترجمة بالنظرة ذاتها. برأي زوين فإن ابداعات الغربيين لا تترجم كما نحب ان نتوقعها. ويعود السبب الى امور عدة منها عدم الجدية وعدم التريث، كذلك عدم الإلمام باللغة المنقول عنها، لكن وبشكل خاص، عدم الإلمام باللغة العربية وهذا ما يفاجئ زوين كل مرة، اذ هي ليست تفهم كيف ان كاتباً او مترجماً عربياً يجهل او يبهدل لغته الأم!
زوين تقول: «أن لا يكون المترجم متيناً في اللغة التي ينقل عنها، فلا بأس، اذ يكفي ان يكون جيداً في العربية فتستوي جملته ويتضح المعنى وتستقيم التركيبة المنطقية والاسلوبية لما ينقله، وهذا هو المطلوب. ان ينقل المعنى الاجنبي بطريقة صحيحة الى العربية. إذاً، كما أسلفت، لا استطيع ان افهم ضعف المترجم العربي في العربية، أمر اعجز عن تقبله وعن استيعابه. كيف يقبل المترجم ذاته في هذه الركاكة، وأتكلم هكذا لفرط ما قرأت من «نفايات» في اللغة العربية (في كل ما يترجم عن الإبداعات الغربية تقريبا) ويا له من امر معيب. ثمة سبب آخر ـ تضيف زوين ـ وهو شهوة التسرع بتسريع تسلّم المكافآت المالية عن الترجمة، وأحيانا تكون مبالغ ضخمة، كما علمت مؤخراً، فلا روح مسؤولية ولا الوعي يلعبان دورهما المفترض هنا. فتأتي اعمال الغربيين كيفما اتفق في العربية، والأنكى ان ما من احد يسائل وما من احد ينتقد ويقف في وجه هذه المسخرة كلها. استثني مترجمين راهنين وسابقين، لكنهم قلة قليلة، احترم شغلهم، لكن هذا لا يكفي بالنسبة الى الكم الرديء الذي في السوق. إذ غالباً ما اشعر اني امام مترجم لا يحترم القارئ اذ يرمي في وجهه كل هذه «الركاكات» المعيبة في المكتبات. لا شك من ناحية اخرى ان الترجمات إجمالاً، وعلى علاّتها، تساهم في التعرف الى الكتابات الغربية، لكن اتساءل ما اهمية هذا الانفتاح عندما يكون العمل منقولاً خطأ وبطريقة ركيكة وعلى غير ما هي في الاصل احياناً.
نصر شعث : جسر ثقافات
الشاعر الفلسطيني نصر جميل شعث يرى في الترجمة جسراً بين الثقافات، ولها صفة النهر ايضا من حيث هي عملية نقل تصاحبها سيرورة التجدد ونشوة استقبال وملامسة الكتب القادمة إلينا كقوارب محملة بروائح ومقتنيات ومعارف وآداب وتجارب الشعوب المختلفة. هذا النهر التاريخي ـ يقول شعث ـ الذي من جمالياته الحركة واستغراق الزمن، هو رسالة ناجحة ورائعة وسيشار بها الى مترجمين عرب اصحاب مشاريع كبيرة (لا اصحاب مبادرات صحافية ومماحكات دعائية) نقلوا الكثير من الكتب التي أثرت، وما تزال تؤثر، في تكوينات اجيال ممتدة، امثال عبد الرحمن بدوي، عبد الغفار مكاوي اللذين قدما للقارئ العربي نماذج من روائع نوابغ الفكر والأدب الالماني. ومن الراحلين ايضا، ممن ترجموا وقدموا آثاراً مهمة من  الأنكلوسكسوني اذكر الراحل جبرا ابراهيم جبرا. ولعل من أبرز من تذهب إليه الإشارة الآن هو المترجم صالح علماني المتخصص بترجمة الروايات عن الاسبانية. عدا عن اسماء حاضرة ما زلت افضل ان أقرأ ترجماتها الحيّة والعالية الجودة، للكتب الفكرية والشعرية المكتوبة بالفرنسية امثال الشاعر والمترجم العراقي كاظم جهاد، من دون اغفال تراجم لأسماء كثيرة تصلنا من المغرب العربي، وكثيرها يميل الى ترجمة الفكر والفلسفة والتنظيرات الفرنسية. هناك ايضا ترجمات مهمة عن الانكليزية لاعمال أدبية مهمة قدمها المترجم محمد عصفور، وفي ما يخص ترجمة الشعر بمبادرات شخصية او بتكليفات معينة، يظل الأمر قابلاً للتساؤل، سواء تمت الترجمة من لغة اجنبية الى العربية او العكس.
أشيد في هذا السياق، مع الجمهور الفرنسي، بترجمة اللبناني أنطوان جوكي لقصائد عربية شابة تخطت بمحمولها الجمالي والفني غيرها من التجارب الأخرى المشاركة. أما في ما يتعلق بالأدب العبري المنقول الى العربية مباشرة، فثمة أسماء من الوسط العربي في (اسرائيل) تعهدت بنقل الكثير من الكتب والتدوينات العبرية إلى القارئ الفلسطيني والعربي، كان الراحل محمد حمزة غنايم اسماً مهما بذل جهدا مهنيا وجماليا. أعماله التي نقلت إلينا من أدب وسجالات «الآخر» في مفهوم الهوية. وبين الحين والآخر تظهر للشاعر سلمان مصالحة ترجمات مهمة عن العبرية، وكانت تسارع في نشرها «مشارف» الحيفاوية.
آمال نوار : ترجمات أكثر غزارة
الشاعرة والمترجمة آمال نوار تقول: لا أحد يستطيع إنكار العلاقة العضوية بين لغة الشاعر وحسّه الشعري. فثمة مطارح في النص الشعري تأخذ فيها الشعرية مكانتها من اللغة أكثر من المضمون. والمقصود باللغة هنا تلك التي تتمطى خارج كونها شكلا أو قالبا للمعنى، لتنداح بكل أبعادها المعجمية والدلالية والإيقاعية ومحمولاتها التاريخية والاجتماعية والفلسفية والنفسية الظاهرة والمضمرة. والمطلوب من المترجم والحال نقل العمل بكليته لا بمعناه فحسب، بحيث يكسبه شعريته من مصادر أخرى توخاها الشاعر: إيقاعية، غرائبية، شكلية، تلغيزية الخ… فعل الترجمة هنا يضعنا أمام تحد يتجاوز إمكانات اللغة، والطاقة على الاستيعاب، إلى القدرة على نقل شعرية الشاعر وبصمتها الفريدة، في محاولة لاستيلاد النص المترجم من النص الأصلي في حلة تحافظ قدر المستطاع على خصوصيات الشاعر. والسؤال، كم من مترجم عربي عرّب أشعارا أجنبية لشعراء متفرقين لم نستطع التمييز بينهم لأنهم جميعا خرجوا إلينا ببصمة أسلوبية موحدة تعود إلى لغة مترجمهم نفسه ومعجمه الخاص بصرف النظر عما إذا كانت بالغة الأناقة أو الركاكة.
يصعب عليّ اختيار مترجمي المفضل لأنني ببساطة لا أستطيع الادعاء بأني قرأت ترجمات معظم المترجمين العرب، ولكني أتابع بشغف ولهفة ترجمات الشاعر والباحث كاظم جهاد وأظنه الأمهر في الترجمة الشعرية وفي التنظير لها من واقع ثقافته العميقة وخبرته الأصيلة التي اكتسبها متصديا لكبريات الأعمال الشعرية العالمية. في الشعر ايضا أثمّن ترجمات الشاعرين أدونيس وسعدي يوسف وترجمات سامي الجندي وعبد الكريم كاصد وفؤاد رفقة وعبد الواحد لؤلؤة وسركون بولص وبول شاوول وتوفيق صايغ ورفعت سلام ومؤخرا ترجمات سامر أبو هواش واسكندر حبش وجمانة حداد وغيرهم كثر. وفي الأدب والفكر أشعر بامتنان عميق لغالب هلسا وصالح علماني وطه حسين وسهيل إدريس وفيلكس فارس وعفيف دمشقية وماري طوق وأحمد حسن الزيات وجبرا ابراهيم جبرا وسلمى الخضراء الجيوسي وعشرات غيرهم ساهموا في توسيع آفاق ثقافتنا العربية، وإبراز طاقات لغتنا الإبداعية وقدراتها الإيحائية وتطويرها. يبقى ان نطمح في عالمنا العربي إلى ترجمات أكثر غزارة ومنهجية وأقل تقليدية وعشوائية.
السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى