تغيير الحرس: السياسات القائمة على كبار السن في المملكة العربية السعودية
سيمون هندرسون – معهد واشنطن
في 17 تشرين الثاني/نوفمبر — في منتصف أجازة عيد الأضحى — أعلنت وكالة الأنباء السعودية أن الأمير بندر الذي خدم طويلاً كنائب لقائد “الحرس الوطني للمملكة العربية السعودية” قد طلب إعفاءه من منصبه نظراً لصحته المعتلة. وبعد ذلك بدقائق أعلنت الوكالة عن قبول طلب بندر وأنه قد تم ترشيح نجل الملك عبد الله متعب قائداً لـ “الحرس الوطني السعودي”، وأيضاً وزيراً للدولة وعضواً في مجلس الوزراء. بيد، لم يتم الإعلان بأن الملك عبد الله — الذي خدم كقائد لـ “الحرس الوطني السعودي” منذ عام 1962 — قد تخلى عن المنصب.
وقد أضافت الإعلانات من التكهن بأن التنافس بين الملك والعديد من كبار الأمراء قد بلغ أشده. ويبقى أن نرى ما إذا كان تغيير القيادة في المملكة — أكبر مصدر للنفط في العالم وموطن أقدس مكانين في الإسلام — سيتم تصميمه بعناية أم سيؤدي إلى نزاع مفتوح.
الحكم بالصور الفوتوغرافية
خلال الأيام القليلة الماضية ظهر تسلسل استثنائي للأخبار الملكية، مما يدل إما عن عزم كبار الأمراء على الحفاظ على الظهور بصحة جيدة نسبياً، أو على الأرجح، إصرار أبنائهم على تغطية واسعة لكي يظهروا أن آباءهم ما يزالون لاعبين مهمين. وفي الأسبوع الماضي اختفى عن الأنظار الملك عبد الله البالغ من العمر سبعة وثمانين عاماً وانقطع عن ترأس الاجتماع الأسبوعي لمجلس الوزراء. وبعد أربعة أيام وفي 12 تشرين الثاني/نوفمبر أفادت الأنباء أنه يستريح بسبب انزلاق غضروفي.
وفي اليوم التالي ظهر علناً ولي العهد الأمير سلطان البالغ من العمر ستة وثمانين عاماً — الذي كان يعاني من مرض السرطان ويقضي فترة نقاهة في المغرب — كما لو كان يريد أن يُظهر أنه مستعد لتولي منصب الملك عبد الله. وقد التقطت له صور فوتوغرافية وهو يوقع على عقد لتطوير مطار مدني، على الرغم مما يُقال بأن قواه العقلية ضعيفة جداً لدرجة أنه لم يعد قادراً على إداء المناصب التي ما يزال يشغلها (نائب رئيس الوزراء ووزير الدفاع والطيران).
وفي 16 تشرين الثاني/نوفمبر ظهر علناً الملك عبد الله — الذي يقال إن لحظات يقظته الفكرية آخذة في التدهور أيضاً — في مأدبة غداء مع مختلف الأمراء وكبار المسؤولين. وبعد وقوفه فقط لفترة وجيزة اتكأ بقوة على عصاه.
وقد حدث كل هذا على خلفية الحج — الرحلة السنوية للمسلمين إلى مكة. ومن وجهة نظر الرياض يشكل ضمان الإدارة الهادئة لهذا الحدث المسؤولية الأولى للعائلة المالكة. ونظراً لغياب الملك عبد الله، وقعت مهمة الإشراف على ترتيبات هذا العام على مسؤولية الأمير نايف البالغ من العمر سبعة وسبعين عاماً وهو النائب الثاني لرئيس الوزراء ووزير الداخلية الذي يُعتبر على نطاق واسع بأنه سيصبح ملكاً في المستقبل.
الثلاثي العسكري
لسنوات عدة قاد عبد الله وسلطان ونايف ثلاثة هيئات عسكرية مختلفة في المملكة وهي على الترتيب: “الحرس الوطني السعودي” وقوامه 100,000 شخص وجيش قوي عدده 75,000 جندي والقوات الجوية القوية وقوامها 20,000 جندي ووحدات قوية من الشرطة وأخرى مساندة للقوات العسكرية وعددها 80,000 شخص. وينظر إلى الدور الرئيسي الذي يقوم به “الحرس الوطني السعودي” بأنه حماية العائلة المالكة من الإنقلابات العسكرية. وخلال فترة السبعينات من القرن الماضي قام المستشارون الأمريكيون وإلى حد كبير ببناء وتدريب القوات من جديد، بعد مؤامرة تورط فيها ضباط من القوات الجوية عام 1969. وعلى الرغم من أن “الحرس الوطني السعودي” مجهز جيداً لكن بصورة أقل من تجهيز الجيش إلا أنه يعتبر الأكفأ من الناحية العسكرية. وعندما غزا صدام حسين الكويت في عام 1990 ارتبك الجيش السعودي بينما اتخذت وحدات “الحرس الوطني” مواقع دفاعية على الحدود مما ساعد على منع القوات المسلحة العراقية من التقدم إلى حقول النفط السعودية.
ويقوم الأمراء الكبار المتنافسون بحراسة قادة “الحرس الوطني السعودي” والجيش وقوات وزارة الداخلية بدافع الغيرة حيث يعتبرون هذه المسؤوليات إقطاعياتهم الشخصية. وعندما أصبح الآباء أكبر سناً قاموا بنقل المزيد من المسؤولية إلى أبنائهم. ففي عام 2009، أصبح الأمير متعب نائب القائد للشؤون التنفيذية في “الحرس الوطني السعودي”، كما أصبح خالد نجل سلطان مساعد وزير الدفاع والطيران منذ عام 2001، بينما أصبح محمد بن نايف مساعد وزير الداخلية للشؤون الأمنية منذ عام 1999.
التنافس على الخلافة
لا يفي تعيين الأمير متعب كقائد لـ “الحرس الوطني السعودي” فقط بطموحه الشخصي الذي لطالما أضمره، لكنه سيحفز أيضاً على الأرجح ابن عمه خالد لتولي منصب وزير الدفاع من أبيه سلطان. وبالمثل، وبلا شك سيتطلع الأمير محمد للحصول على منصب وزير الداخلية. ومع ذلك، لا يعتبر أي منهم مرشحاً قريباً لتولي عرش المملكة. وللسنوات القليلة القادمة على الأقل، سيبقى هذا الدور على الأرجح محفوظاً لأبناء مؤسس المملكة — ابن سعود — الذين حكموا في تسلسل تنازلي من أعمارهم منذ وفاة والدهم عام 1953. وبصرف النظر عن عبد الله وسلطان، هناك ثمانية عشر ابناً آخرين ما زالوا على قيد الحياة ومرشحين من ناحية التسلسل [لتولي منصب الملك]، لكن الكثيرين منهم في حالة صحية سيئة وليست هناك كفاءة ظاهرة بينهم أو حتى القليل من الدعم العائلي. ويبدو أن نايف والأمير سلمان، حاكم منطقة الرياض، هما المرشحان الوحيدان في الوقت الحاضر.
ولا يزال الانقسام الرئيسي في العائلة المالكة هو الأشد ترسخاً بين من يُسمون الأبناء السديريين لابن سعود (أكبر مجموعة من الإخوة الأشقاء، وتمت تسميتهم بهذا الاسم نسبة لقبيلة أمهم) وإخوانهم من الأب. وسلطان هو أكبر السديريين الأحياء، ونايف وسلمان من بين إخوته الأشقاء.
لقد خطط السديريون لسنوات عدة من أجل تقويض [مركز] الملك عبد الله. ففي عام 1982، عندما توفي الملك خالد وحل محله الأمير فهد الذي هو نفسه سديري، أصر إخوة فهد على تخلي عبد الله عن قيادة “الحرس الوطني السعودي” مقابل تقلده منصب ولي العهد. وحيث إنه كان مدعوماً من الإخوة الآخرين غير الأشقاء وكذلك أبناء الراحل الملك فيصل، رفض عبد الله التخلي عن منصب القيادة. إن لفتة هذا الأسبوع التي تمثلت بتعيين متعب رئيساً لـ “الحرس الوطني السعودي”، إنما تؤكد بأن قوة “الحرس” ستبقى مستقلة بدلاً من أن يتم استيعابها في الجيش السعودي الرئيسي، كما أراد الأمراء السديريون منذ فترة طويلة. كما أن النفوذ السياسي الداخلي لـ “الحرس الوطني السعودي” هو أوسع بكثير من القوات البالغ عددها 100,000 جندي والتي يعمل ربعها على الأقل جزءاً من الوقت فقط. كما يعمل “الحرس” كمنظمة رعاية اجتماعية لقبائل البدو في المملكة لكي يضمن ولاءهم لآل سعود.
تحديات للولايات المتحدة
إن ممتلكات السعودية من النفط والثروة الناتجة عنها جعلت من المملكة عضواً مهماً ضمن دول مجموعة العشرين. وعلى الصعيد الأيديولوجي، كان الملك عبد الله — الذي يسمي نفسه حسب تقاليد النظام الملكي السعودي بـ “خادم الحرمين الشريفين” — صوتاً مهماً في تصوير المتطرفين المسلمين كـ “منحرفين” وليسوا مسلمين حقيقيين حسب التعبير السعودي. وقد أصبح تشجيع الرياض على الاحتفاظ بهذه الوظائف هدفاً سياسياً مهماً لإدارة أوباما حتى إذا كان هذا الهدف لا يزال غير مكتمل بعد: وقد انتقدت وزارة الخارجية الأمريكية هذا الأسبوع استمرار وجود مراجع في الكتب المدرسية السعودية تسئ إلى الأديان الأخرى.
غير أن السن المتقدمة واستمرار اعتلال صحة كبار الأمراء سوف يعززان على الأرجح التوترات المستمرة داخل العائلة المالكة. كما أن واشنطن متلهفة لضمان حدوث أي انتقال للسلطة بطريقة هادئة، واستمرار القيادة السعودية الجديدة في مواقفها السياسية المفيدة، على الأقل فيما يتعلق بحماية إمدادات النفط العالمية، ونزع الشرعية عن التطرف.
إن مصدر القلق الفوري لكل من واشنطن والرياض يتعلق بتسهيل التقدم بصفقة الأسلحة المعلنة مؤخراً والتي اشترتها السعودية من الولايات المتحدة بستين مليار دولار، والتي تشمل طائرات عالية المدى من طراز إف 15 للقوات الجوية السعودية، وطائرات مروحية يتم تزويدها للمرة الأولى لـ “الحرس الوطني السعودي”. إن التقدم في الصفقة الأخيرة سيكون على الأرجح مسؤولية مهمة بالنسبة للأمير متعب المعين حديثاً. وعلى الرغم من أن واشنطن تميل أيضاً إلى بيع 24 طائرة مروحية قتالية من طراز “أباتشي لونج بو” إلى الجيش السعودي، و10 أخرى لـ “الحرس الملكي السعودي” النخبوي، إلا أن هذه الطلبيات تبدو صغيرة جداً مقارنة بالبيع المقترح لــ 156 طائرة مروحية لـ “الحرس الوطني السعودي” — والتي تشمل 36 “أباتشي لونج بو” و 72 سفينة نقل “بلاك هوك” و 48 طائرة شحن وهجوم من نوع “ليتل بيرد”. وفي الواقع، يقدر إجمالاً نصيب “الحرس الوطني السعودي” من صفقة الأسلحة بنحو 29.6 مليار دولار، أي نصف المجموع كله.
وبشكل واثقٍ وصفت الأخبار التي صدرت عن “وكالة التعاون الأمني بوزارة الدفاع الأمريكية” عن صفقة الأسلحة بأن: “السعودية لن تكون لديها أية صعوبة في استيعاب هذه الطائرات المروحية ضمن قواتها المسلحة”. غير أن هذه الفكرة — التي تأتي وسط تمنيات بأن يكون الانتقال السياسي الوشيك هادئاً — تبدو في أحسن الأحوال اقتراحاً قابلاً للاختبار أكثر من أن تكون حقيقة يقينية.
سايمون هندرسون هو زميل بيكر في برنامج الخليج والطاقة في معهد واشنطن، وهو مؤلف: بعد الملك عبد الله: الخلافة في المملكة العربية السعودية.