الغائبون دائماً على خطأ

دلدار فلمز
جميعنا نتحدث عن تقبل آراء الآخرين لكي نظهر أمامهم بصورة المثقف الواعي الذي لديه الشجاعة والشفافية اللتان تمنحانه مكانة مرموقة في الحوار والنقاش، ونؤكد دائما أننا على قدر عال من الوعي والفهم للطرف الآخر من خلال احترام طريقة تفكيره مهما كان مخالفاً لرأينا. نقول إن لكل فرد الحق في إبداء رأيه وطرح قناعته واختيار المعتقد الذي يناسبه، حيث نتظاهر بمظهر حضاري، وذلك بتأكيدنا على أننا لا ننازع أحدا في هذا الحق. وبلا شك أنها أفضل طريقة (الحوار الحقيقي) لتعايش الأفراد فيما بينهم، حيث تحقق لكل شخص فرصة وفضاء غير محدود للكشف عن أفكاره، فهي من أجمل وسائل التفاهم في حياة التجمعات البشرية.
لكن هل ما ندعيه ونقوله نقوم بتطبيقه ولو بقدر نصف ما ندعيه من أفكار براقة ومستوردة ” وبشكل خاص في ما يتعلق بآرائنا حول المرأة” في حياتنا اليومية. ففي كل مجلس نردد الجملة الشهيرة التي يجهل معظمنا مصدرها “اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية ” وهذا واسع الانتشار بين الناس عامة والمثقفين خاصة، وقليل منهم يعرف انه لأمير الشعراء أحمد شوقي حيث يورده في مسرحية “مجنون ليلى” على لسان قيس وهو يخاطب ليلى. لكن وضع هذا البيت حيز التنفيذ أصعب مما يتصور البعض ويظن. حيث كل منا يرى انه هو المرجع وانه على صواب وغيره على خطأ. فهو يردد هذه الجملة من طرف ويحاول أن يفرض رأيه بحنكة ومراوغة على من حوله أو الذين يناقشهم.
لا شك أن المنطق والمعرفة أداتان خطيرتان خاصة إذا وظفناهما في خدمة نزواتنا ورغباتنا. نستطيع أن نجعل رأينا أقرب إلى المعقول بعد أن نكسوه بكثير من الضلال والحجج والبراهين الزائفة التي تخدم نزواتنا وأهواءنا الفردية، ونعمل أثناء ذلك على الاستعانة والاستشهاد بما يخدم دواخلنا وجدلنا حيث تظهر آراؤنا في إطارات منمقة لتبدو وكأنها يقينيات لا تقبل النقاش، في حين أنها ليست أكثر من مواقف شخصية ضيقة، وإذا ما تمعنا أكثر في فحواها السفسطائي يتضح لنا ما هو مخفي وراءها من النفاق والادعاء والغرور. ومن هذه الزاوية نكتشف أن هناك قضايا لا تحصى تجعل ذكاءنا فاسدا وحاجبا أنظارنا عن رؤية الحقيقة. يعود ذلك كله إلى أمور عديدة منها نوعية التعليم التي تعلمناها والتربية التي تلقيناها بالإضافة إلى العادات التي اكتسبناها على مدار السنوات نتيجة معايشتنا لأشباهنا من البشر حولنا. وينعكس ذلك بشكل واضح على سلوكنا الاجتماعي حيث لا نفهم مثلا لماذا عندما يتخاصم صديقان كانا حتى وقت قريب مقربين جدا يتبادلان شعورا نبيلا تجاه بعضهما البعض ليصبحا فجأة, ربما بعد سوء تفاهم صغير, عدوين يتبادلان كل أنواع الحقد والكراهية.